نحن‭ ‬مستهدفون‭ ‬بقعة‭ ‬بقعة


أنباء الوطن -

 

كتب‭ : ‬سائد‭ ‬كراجة

نتيجة‭ ‬حرفية‭ ‬جهاز‭ ‬المخابرات‭ ‬العامة‭ ‬والأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬ككل،‭ ‬ننسى‭ ‬أننا،‭ ‬دولة‭ ‬وشعب،‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬حرب،‭ ‬وأن‭ ‬ما‭ ‬نتغنى‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬أمن‭ ‬وأمان‭ ‬هو‭ ‬ثمرة‭ ‬عمل‭ ‬مضن‭ ‬يومي‭ ‬لمرتبات‭ ‬المخابرات‭ ‬العامة‭ ‬وباقي‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية؛‭ ‬هذه‭ ‬الأجهزة‭ ‬التي‭ ‬ترصد‭ ‬وتصد‭ ‬محاولات‭ ‬يومية‭ ‬للإرهابيين‭ ‬للنيل‭ ‬من‭ ‬الأردن،‭ ‬لا‭ ‬يفرقون‭ ‬في‭ ‬إرهابهم‭ ‬بين‭ ‬بقعة‭ ‬وبقعة‭. ‬فقد‭ ‬حاول‭ ‬الإرهابيون‭ ‬أن‭ ‬يضربوا‭ ‬الوطن‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬وفي‭ ‬الداخل؛‭ ‬في‭ ‬إربد‭ ‬والموقر‭ ‬وعمان‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأماكن‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تعلن‭ ‬عنها‭ ‬المخابرات‭ ‬العامة‭ ‬لأسباب‭ ‬أمنية‭.‬

ومع‭ ‬أن‭ ‬حادث‭ ‬البقعة‭ ‬أو‭ ‬عين‭ ‬الباشا‭ ‬في‭ ‬طور‭ ‬التحقيق‭ ‬الذي‭ ‬سيظهر‭ ‬دوافع‭ ‬القاتل،‭ ‬فإنه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭ ‬يصنف‭ ‬ضمن‭ ‬الإرهاب‭ ‬الذي‭ ‬يستهدف‭ ‬بلدنا‭ ‬وأجهزتنا‭ ‬الأمنية‭. ‬وهو‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬‮«‬حادثاً‭ ‬معزولاً‮»‬؛‭ ‬بمعنى‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يرتبط‭ ‬مباشرة‭ ‬بتنظيم‭ ‬إرهابي‭ ‬معين،‭ ‬فإنه‭ ‬ليس‭ ‬معزولاً‭ ‬عن‭ ‬ظاهرة‭ ‬وجود‭ ‬شباب‭ ‬انخرط‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفكر‭ ‬وصار‭ ‬جاهزا‭ ‬لارتكاب‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭. ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬كافيا‭ ‬منا،‭ ‬أفرادا‭ ‬وتجمعات‭ ‬ومجتمعا‭ ‬مدنيا،‭ ‬التغني‭ ‬ببطولات‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬والمشاركة‭ ‬في‭ ‬تشييع‭ ‬شهدائها‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬وجب‭ ‬علينا‭ ‬اليوم‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬مقاومة‭ ‬الفكر‭ ‬التكفيري‭ ‬في‭ ‬بيوتنا‭ ‬ومدارسنا‭ ‬وشوارعنا‭. ‬وعلى‭ ‬الدولة‭ ‬أيضا،‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬أعلنتها‭ ‬بحق‭ ‬على‭ ‬الإرهاب‭ ‬والفكر‭ ‬التكفيري،‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬بمقاطعة‭ ‬وعزل‭ ‬أي‭ ‬جهة‭ ‬أو‭ ‬شخص‭ ‬أو‭ ‬فئة‭ ‬تمد‭ ‬هؤلاء‭ ‬الشباب‭ ‬بالعقيدة‭ ‬المنحرفة‭ ‬أو‭ ‬المعلومات‭ ‬الدينية‭ ‬المحرفة‭.‬

ومن‭ ‬باب‭ ‬أولى‭ ‬أن‭ ‬تتبرأ‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدينية‭ ‬والأفراد‭ ‬والجمعيات‭  ‬ن‭ ‬أنه‭ ‬مارق‭ ‬من‭ ‬الإسلام‭ ‬والدين،‭ ‬ومنافٍ‭ ‬للعقل‭ ‬والضمير‭ ‬الإنساني،‭ ‬وإلا‭ ‬فهم‭ ‬جزء‭ ‬منه،‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬يطبق‭ ‬عليهم‭ ‬قانون‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭ ‬في‭ ‬محاكمات‭ ‬علنية‭ ‬عادلة‭. ‬

على‭ ‬المؤسسات‭ ‬الشبابية،‭ ‬الرسمية‭ ‬وغير‭ ‬الرسمية،‭ ‬ومؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬بأطيافه‭ ‬كافة،‭ ‬أن‭ ‬تخصص‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬برامجها‭ ‬لإنقاذ‭ ‬شبابنا‭ ‬وحمايتهم‭ ‬من‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬براثن‭ ‬الفكر‭ ‬التكفيري؛‭ ‬فليس‭ ‬من‭ ‬المقبول‭ ‬استمرار‭ ‬إلقاء‭ ‬كامل‭ ‬العبء‭ ‬على‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬وحدها‭. ‬وعلى‭ ‬وزارة‭ ‬الأوقاف‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬مشروعاً‭ ‬توعوياً‭ ‬في‭ ‬المساجد‭ ‬والمدارس،‭ ‬وأن‭ ‬تؤكد‭ ‬إدانة‭ ‬الإسلام‭ ‬لسلوك‭ ‬الإرهابيين،‭ ‬وأن‭ ‬تحرص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬خطاب‭ ‬أئمتنا‭ ‬سلمياً‭ ‬غير‭ ‬إقصائي،‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬العموم‭ ‬المتفق‭ ‬عليه‭ ‬وليس‭ ‬الفروع‭ ‬الجدلية‭. ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬الأحوال،‭ ‬فإن‭ ‬الوضع‭ ‬بات‭ ‬يتطلب‭ ‬أن‭ ‬تنهض‭ ‬مراجعة‭ ‬شاملة‭ ‬لجميع‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬منتشر‭ ‬ومنشور‭ ‬للتحريض‭ ‬على‭ ‬التكفير‭. ‬على‭ ‬وزارات‭ ‬التعليم‭ ‬والشباب‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬فورا‭ ‬بتقديم‭ ‬برامج‭ ‬تحتضن‭ ‬حماس‭ ‬الشباب‭ ‬وحاجتهم‭ ‬للهوية‭ ‬والانتماء،‭ ‬وتوجههم‭ ‬لاكتشاف‭ ‬هدف‭ ‬حضاري‭ ‬لحياتهم‭. ‬أعيدوا‭ ‬برامج‭ ‬الكشافة‭ ‬والمسرح‭ ‬المدرسي‭ ‬ونوادي‭ ‬الحوار‭ ‬ودروس‭ ‬الموسيقى،‭ ‬درّسوهم‭ ‬الفلسفة‭ ‬والمنطق‭ ‬لتمكنوهم‭ ‬من‭ ‬تطوير‭ ‬آليات‭ ‬الفكر‭ ‬الناقد،‭ ‬ليتبينوا‭ ‬الغثّ‭ ‬من‭ ‬السمين‭. ‬شجّعوا‭ ‬المطالعة‭ ‬المتنوعة،‭ ‬ووفروا‭ ‬لهم‭ ‬أطياف‭ ‬المعرفة‭ ‬كافة،‭ ‬الدينية‭ ‬والعلمية‭ ‬والثقافية‭ ‬والفنية،‭ ‬ليتمكنوا‭ ‬من‭ ‬تقدير‭ ‬التنوع‭ ‬وقبوله‭ ‬كضرورة‭ ‬للمجتمع‭ ‬الإنساني‭.‬

أما‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬أصول‭ ‬ومنابت‭ ‬الإرهابيين،‭ ‬فإنه‭ ‬أمر‭ ‬عقيم‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الإرهابيين‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬انتظموا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفكر،‭ ‬حتى‭ ‬أسقطوا‭ ‬أصولهم‭ ‬ومنابتهم‭ ‬وجنسياتهم‭ ‬وإنسانيتهم،‭ ‬فهم‭ ‬ليسوا‭ ‬أردنيين‭ ‬ولا‭ ‬فلسطينيين‭ ‬ولا‭ ‬عربا،‭ ‬إنهم‭ ‬جنس‭ ‬جديد‭ ‬متماهٍ‭ ‬مع‭ ‬الحقد،‭ ‬جنسيتهم‭ ‬ووطنهم‭ ‬القتل‭ ‬والإقصاء،‭ ‬فلا‭ ‬الزرقاوي‭ ‬منهم‭ ‬زرقاوي‭ ‬ولا‭ ‬السبعاوي‭ ‬سبعاوي‭. ‬ولهذا،‭ ‬فإن‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬الأردن‭ ‬أسمى‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تُطرح‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭. ‬فإن‭ ‬الأردنيين‭ ‬جميعهم‭ ‬جنود‭ ‬في‭ ‬أجهزة‭ ‬الأمن‭ ‬وأجهزة‭ ‬المخابرات‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬الأردن‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬بقعة‭ ‬منه‭.‬

خلاصة‭ ‬القول؛‭ ‬إن‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬الإرهاب‭ ‬هي‭ ‬حربنا،‭ ‬حرب‭ ‬المسلمين‭ ‬لإنقاذ‭ ‬دينهم،‭ ‬وفي‭ ‬الأردن‭ ‬هي‭ ‬حرب‭ ‬كل‭ ‬منا‭ ‬لإنقاذ‭ ‬شبابنا‭ ‬من‭ ‬الفكر‭ ‬التكفيري،‭ ‬ولنشر‭ ‬مبادئ‭ ‬الحرية‭ ‬والدولة‭ ‬المدنية،‭ ‬مساندة‭ ‬منا‭ ‬للأجهزة‭ ‬الأمنية،‭ ‬وحماية‭ ‬للأردن‭ ‬بقعة‭ ‬بقعة‭.‬

‭- ‬عن‭ ‬‮«‬الغد‮»‬