80 % من التجارة العالمية تمول بالدين أو التأمين على الائتمان


أنباء الوطن -

قال روبرتو آزفيدو، المدير العام لمنظمة التجارة العالمية إن الافتقار إلى التمويل التجاري أحد أكبر الحواجز غير الجمركية على التجارة، مشيرا إلى أن نحو 80 في المائة من التجارة يتم تمويلها بالائتمان أو التأمين على الائتمان، لكن هذه التغطية ليست متكافئة بين كل البلدان، كما أنها ليست حصرا على الدول النامية.

وأضاف آزفيدو، في ندوة حول "التجارة والتمويل والديون" أن المؤسسات الصغيرة ومتوسطة الحجم تواجه عقبات أكبر في الحصول على التمويل التجاري بأسعار معقولة، وأن ما يصل إلى ثلث الشركات الصغيرة والمتوسطة في بعض البلدان المتقدمة الكبيرة تواجه مثل هذه التحديات، لكن في بلدان متقدمة أخرى تواجه دعماً جيداً من ناحية التمويل، إذ مثلت الشركات الصغيرة والمتوسطة نسبة 20 في المائة من صادرات الولايات المتحدة، و40 في المائة من صادرات الاتحاد الأوروبي.

وأوضح مدير منظمة التجارة، أن ما يزيد على نصف طلبات التمويل التي تتقدم بها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة (52 في المائة) يتم رفضها، مقابل 7 في المائة فقط للطلبات المماثلة من الشركات متعددة الجنسيات، وهكذا فإن اتجاه السيولة العالمية يميل إلى التركز داخل قليل من المؤسسات الكبيرة وعملائها، وأن تمويل التجارة تهيمن عليه المصارف الكبيرة، وفقا لمصرف التسويات الدولية.

وأشار آزفيدو، إلى أن هناك دلائل أيضا على أن المصارف أصبحت أكثر انتقائية في تقديم التمويل بعد أزمة عام 2008، وفتحت وطأة الرقابة التنظيمية الصارمة التي تم اتباعها بعد الأزمة، واتجهت عديد من المؤسسات المالية إلى تخفيض درجة شهيتها للمخاطر، وأصبحت تركِّز أكثر على عملائها الراسخين، بل إن بعضها قرر إنقاص عدد العملاء إتباعاً لقاعدة "السفر مع النخبة القليلة"، ما أصبح من الصعب على كثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحصول على تمويل نشاطاتها.

وقال آزفيدو، إن المنشآت الصغيرة والمتوسطة في البلدان النامية تواجه تحديات أكبر في الوصول إلى تمويل التجارة، إذ تصل القيمة المقدرة للطلب غير المُلبى لتمويل التجارة في إفريقيا إلى 120 مليار دولار، وهو ما يعادل ثلث سوق تمويل التجارة في القارة السمراء، و700 مليار دولار في البلدان النامية في آسيا، وفي القارة الآسيوية عموماً، حيث يقترب المبلغ المقدر المرفوض لطلبات تمويل التجارة من تريليون دولار.

وفي المجمل العام، فإن الفجوة العالمية للتمويل المالي للتجارة تُقدر بنحو 1.4 تريليون دولار سنوياً، والدول الأكثر فقراً، هي الأكثر صعوبة في الحصول على التمويل، وتتفاقم المشكلة أكثر في البلدان النامية، إذ لا توجد بدائل للمصارف لتقديم التمويل، مثل نظام الإقراض بين الشركات ذاتها، أو تأسيس الشركات ذاتها لصندوق أو صناديق للتمويل المشترك، كما أن التأمين على الائتمان التجاري غير موجود، وقد لا يكون الإطار القانوني لعمليات التمويل وتأمين التمويل متاحاً. ووسط هذه العوامل، فالمشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم هي الأكثر تضررا، وأشار آزفيدو، إلى أن سد هذه الثغرات في توفير التمويل سيطلق الإمكانات التجارية لعدة آلاف من الأفراد والشركات الصغيرة في جميع أنحاء العالم.

وتُعد الثغرات في توفير التمويل التجاري الأعلى في "بلدان الحدود" الجديدة، حيث تتزايد فرص التجارة بقوة مع تطور أنماط الإنتاج العالمي، لكن التمويل يبقى العائق الرئيس في هذه البلدان، (وبلدان الحدود أو أسواق الحدود، هي نوع من البلدان النامية أكثر تقدما من البلدان النامية الأخرى لكنها صغيرة جداً ما يحول دون اعتبارها سوقاً ناشئة، وعليه فهي تقف على حدود الدول الناشئة دون أن تتمكن من دخول مجموعتها، حسب ما يشير المصطلح الاقتصادي الذي ظهر عام 1992).

وعبر آزفيدو عن قلقه البالغ من التناقض الصارخ بين الدول في توفير التمويل التجاري، إذ إن المشاريع الصغيرة والمتوسطة هي المُشغِّل الرائد للتجارة والعمالة، مضيفا أن هذه الشركات مسؤولة عن الجزء الأكبر من فرص العمل في معظم الاقتصادات، وفي بعض البلدان النامية تستخدم نحو 90 في المائة من قوة العمل، لكنها في ذات الوقت تفتقر إلى التمويل التجاري.

وذكر آزفيدو أن الافتقار إلى تمويل التجارة يمكن أن يمنعها من الاندماج في النظام التجاري، والوصول إلى مزيد من الفرص التجارية، ومنعها، بالتالي، من الاستفادة من التجارة كمصدر قوي للتنمية، والنمو، وتوفير فرص العمل.

وقال آزفيدو، إنه يمكن العمل مع الشركاء لتعزيز برامج تيسير تمويل التجارة وتضييق الفجوات في التمويل التجاري. وأضاف أنه تم بالفعل إنشاء شبكة من هذه البرامج في مصارف التنمية متعددة الأطراف، بما في ذلك هيئة التمويل الدولية، ومصارف التنمية الآسيوية، والإفريقية، والإسلامية، ومصارف التنمية المشتركة بين بلدان أمريكا اللاتينية، والبنك الأوروبي للتعمير والتنمية.

وأضاف آزفيدو أن هدفنا الواقعي والطموح هو زيادة حجم التجارة المدعومة من مؤسسات تيسير تمويل التجارة متعددة الأطراف من 30 مليار دولار في السنة حالياً إلى 50 مليار دولار، ومن خلال اتصالاتنا مع المصارف الإنمائية متعددة الأطراف، نعتقد أن تحقيق هذا الهدف في متناول اليد، لكنه يحتاج إلى دفعة جماعية لجعله حقيقة واقعة، وأن أعضاء منظمة التجارة يمكن أن يحققوا الفرق هنا بإطلاق دعوة موحدة للعمل. من جانبه، قال السفير، أتاناس آتانازوف، (بلغاريا) رئيس فريق العمل حول "التجارة والديون والتمويل"، إن ثغرات التمويل التجاري تنشأ بسبب مزيج من عوامل الهيكلية والتنمية، وإن نفور القطاع المالي العالمي عن الاستثمار في البلدان النامية، بعد الأزمة المالية في 2008، قد ضاعف هذه المشكلة، خاصة أن القطاعات المصرفية المحلية غالباً ما تكون غير مؤهلة لسد الفجوة في السوق.

وأضاف آتانازوف، أنه مع وجود عديد من الشركات المحرومة من الدعم الذي تحتاجه للنمو، لابد من العمل للتصدي لهذه الثغرات في تمويل التجارة، لكن الرد يتطلب استجابة قوية بمسعى مشترك بين مجموعة من المنظمات والمؤسسات والدول الأعضاء.

وأشار آتانازوف، إلى أنه يجري بالفعل اتخاذ خطوات متنوعة لمعالجة هذه القضية على ثلاث جبهات، الأولى تتضمن تشجيع المؤسسات المالية العالمية للاستمرار في المشاركة بتمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة، والتأكد من أن أنظمة التمويل ليست باهظة؛ والثانية تشمل زيادة قدرة المؤسسات المالية المحلية، والثالثة تركز على توفير تدابير الدعم الرامية إلى زيادة توافر التمويل التجاري عبر مصارف التنمية متعددة الأطراف.

ومن جهته، رأى السفير، دانيال بلوكيرت، (السويد)، رئيس لجنة الاتفاقات التجارية الإقليمية، أنه يُمكن اتخاذ عدد من الخطوات الإضافية، بما في ذلك تعزيز البرامج القائمة لتيسير تمويل التجارة بهدف تقليص الفجوة التمويلية بحدود 50 مليار دولار؛ وتقليص الفجوة المعرفية في القطاعات المصرفية المحلية للتعامل مع وسائل التمويل التجاري بتدريب 5000 من المهنيين على الأقل خلال السنوات الخمس القادمة؛ والحفاظ على حوار مفتوح مع المنظمين المعنيين بتمويل التجارة بطريقة تضمن إدراج قضايا التجارة والتنمية كاملة في تنفيذ القوانين والأنظمة؛ وتحسين الرصد المتعلق بتمويل التجارة بهدف تحديد ومن ثم الاستجابة للثغرات لاسيما ما يتعلق بأي أزمة في المستقبل.

وأضاف بلوكيرت، أن دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة للوصول إلى التمويل التجاري غير المُكلف، سيكون له تأثير إيجابي كبير جداً، وأن حواراً فعالاً بين المؤسسات والحكومات والمنظمين الماليين والتنسيق بينها، أمر مطلوب للمضي قدما، وزيادة التعاون بين هذه الأطراف ستمكن كل الأطراف من الحصول على أفضل المعلومات عن الأسواق وستمكن جميع الأطراف أن يكونوا أكثر استجابة للمشكلات عند ظهورها، مشيرا إلى أنه ينبغي أن يستند العمل على تعاون جيد بين منظمة التجارة وشركائها في هذا الميدان.