عمل الأطفال في الأردن: واقع اقوى من التشريعات والسياسات
أشارت ورقة تقدير موقف أن واقع الظروف الاقتصادية والاجتماعية أقوى من التشريعات والسياسات الأردنية التي منعت تشغيل الأطفال، ولم تمنع النصوص التشريعية الأردنية الواضحة التي تحظر تشغيل الأطفال من اتساع رقعة عمالة الأطفال في الأردن.
جاء ذلك في ورقة تقدير موقف اعدها المرصد العمالي الأردني التابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال، والذي يصادف في الثاني عشر من حزيران من كل عام.
وجاء في الورقة أن أعداد الأطفال المنتشرين بكثرة في سوق العمل الأردني كفيل بإعطاء صورة أكثر واقعية من المؤشرات الاحصائية الرسمية وغير الرسمية التي يتم تداولها بين المعنيين من صناع السياسات والباحثين والمختصين والمؤسسات الرسمية والدولية. والرقم الذي يتم الحديث عنه (33) الف طفل تم تطويره في عام 2006 لم يعد له علاقة بالواقع. مع ظهرور مؤشرات احصائية جديدة في بداية العام الجاري 2016 استندت على دراسة مسحية اجرتها منظمة العمل الدولية تفيد أن عمالة الأطفال في الأردن وصلت الى ما يقارب 100 الف طفل.
وأشارت الدراسة كذلك الى أن الأسباب التي أدت الى اتساع عمالة الأطفال في الأردن خلال السنوات الماضية تتمثل في أسباب داخلية واسباب خارجية. حيث أن بنية وطبيعة الواقع الاجتماعي والاقتصادي الأردن، والمتمثلة في تفاقم التفاوت الاجتماعي وعدم المساواة، وضعف مؤشرات العدالة الاجتماعية، والتي نجمت بشكل أساسي عن تنفيذ سياسات اقتصادية لا تأخذ بعين الاعتبار النتائج والآثار الاجتماعية لهذه السياسات، وتركزت هذه السياسات على تحرير الاقتصاد الوطني، والامعان بتنفيذ سياسات مالية تقشفية متنوعة. والذي أدى على أرض الواقع الى تراجع المستويات المعيشية لقطاعات كبيرة من الأسر الأردنية والتي برزت مؤشراتها بشكل واضح في ازدياد رقعة الفقراء، فالمؤشرات الرسمية ذات العلاقة تفيد الى أن نسبة الفقر في الأردن ارتفع من 13.3% عام 2008 الى 14.4% عام 2010، واقترابها من 20% في عام 2014، (نتائج لم تعلن من قبل الحكومة).
ناهيك عن نسبة «الفقراء العابرين» الذين عاشوا الفقر ثلاثة اشهر على الأقل في السنة، وهم الشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى، والتي تشير أرقام البنك الدولي الحديثة أن نسبتهم تقارب 18.6% من المجتمع. وللأسف لا يوجد مؤشرات حديثة ونحن الان في منتصف عام 2015 توضح مستويات الفقر في الأردن. والأطفال العاملين عادة ما يكونوا من أسرة فقيرة، تضطر لدفع ابنائها الى سوق العمل للمساهمة في توفير دخل للأسرة، و/أو غير قادرة على الاستمرار في الانفاق على اطفالها في المدارس.
يضاف الى ذلك ارتفاع معدلات التسرب من المدارس في المرحلة الأساسية، والتي تقارب (0.5%) سنويا، وفي العديد من المناطق تزيد عن 1 %، والذي يعود للعديد من الأسباب، ويساهم ذلك في انخراط الأطفال في سوق العمل.
وفاقم دخول مئات الآف اللاجئيين السوريين خلال السنوات القليلة الماضية في مضاعفة أعداد العاملين الأطفال في سوق العمل الأردني. وذلك بسبب ضعف الخدمات الأساسية التي تقدمها المنظمات الدولية ذات العلاقة للاجئين السوريين، اذ لا تكفي المساعدات التي تقدمها هذه المنظمات للاجئين لتوفير بمستويات مقبولة من شروط الحياة اللائقة، الأمر الذي يدفع هذه الأسر الى تشجيع أطفالها للانخراط بسوق العمل. ومع ازدياد تدفق اللاجئين السوريين الى الأردن خلال السنوات الماضية، تفاقمت هذه المشكلة بشكل ملموس، حيث أصبح واضحا للعيان كثافة تواجد الأطفال السوريين في سوق العمل الأردني وفي أعمال مختلفة، وخاصة في المناطق التي يتكثف فيه وجود اللاجئين، في مناطق شمال الأردن، وبدرجات أقل في مناطق الوسط.
وأشار أحمد عوض، مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية وامعلوماتية، أنه «رغم أهمية الجهود والبرامج والمشاريع التي قامت وما تزال العديد من المؤسسات الأردنية الرسمية والعديد من المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني الأردنية والعالمية والتي تهدف الى اعادة تأهيل الأطفال العاملين واعادتهم الى مقاعد الدراسة، وتحقيق بعض النجاحات في دمج الأطفال العاملين في النظام التعليمي، الا أن مشكلة اتساع رقعة الأطفال المنخرطين في سوق العمل في تزايد مستمر.
وأفادت الورقة أن التشريعات الوطنية في مجال عمل الأطفال تتوائم بشكل كبير مع المعايير الواردة في الاتفاقيات المذكورة، اذ أن قانون العمل الأردني رقم (8) لسنة 1996 والتعديلات التي أجريت عليه، يحظر تشغيل الأطفال والأحداث، فقد نصت المادة (73) منه، على منع تشغيل الأحداث (الأطفال) الذين لم يكملوا السادسة عشرة من عمرهم بأي صورة من الصور، وحظرت المادة (74) من القانون ذاته تشغيل الأحداث الذين لم يكملوا الثامنة عشرة من عمرهم في الأعمال الخطرة أو المضرة بالصحة. وهذا ينسجم مع المعايير الدولية الواردة في الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة بإلغاء والحد من عمالة الأطفال أهمها اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1989 ودخلت حيز التنفيذ عام 1990، الى جانب بعض اتفاقيات منظمة العمل الدولية المتمثلة في اتفاقية الحد الأدنى لسن الاستخدام رقم 138، واتفاقية حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال رقم 182، واتفاقية العمل الجبري رقم 29.
وتفيد القراءات التي طورها فريق المرصد العمالي في مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، في ضوء متابعته لسوق العمل، أن عمالة الأطفال الأردنية والسورية تتكثف بين الذكور وفي القطاع غير المنظم، حيث هنالك أعداد كبيرة يعملون كبائعين في الشوارع وعلى الإشارات الضوئية وفي العديد من الحرف مثل النجارة والحدادة وتصليح المركبات وأعمال الدهان وتنظيف السيارات والمطاعم والمخابز، الى جانب العديد من القطاعات الأخرى.
وأوضح عوض أن مختلف الدراسات تشير الى أن الأطفال العاملين يتعرضون للعديد من المخاطر أثناء عملهم وأبرزها الضرر من الآلات الثقيلة والأصوات العالية والإضاءة الضعيفة والتعرض للمواد الكيميائية، ولإصابات عمل بحكم عدم موائمة قدراتهم الجسمانية وطبيعة الأعمال التي يقومون بها. هذا بالإضافة إلى أن غالبيتهم يعملون بأجور متدنية جدا، وبساعات عمل طويلة، ناهيك عن سوء المعاملة والاهانات النفسية والجسدية التي يتعرضون لها أثناء عملهم، وفي العديد من الحالات الى اعتداءات جنسية. ويعاني الأطفال العاملين من مشكلات واضطرابات نفسية واجتماعية وجسمية.
وأوصت الورقة بضرورة اعادة النظر في السياسات الاقتصادية التي عززت التفاوت الاجتماعي وأدت الى زيادة معدلات الفقر، وضرورة تحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته تجاه اللاجئين السوريين، للحؤول دون اضطرارهم لدفع أطفالهم الى سوق العمل لمساعدة اسرهم في تغطية نفقاتهم الأساسية. وتطوير العملية التربوية والتعليمية خلال المرحلة الأساسية للحد من عمليات تسرب الأطفال من مدارسهم. وتشديد الرقابة من قبل المؤسسات الرسمية على الأماكن التي تتركز فيها عمالة الأطفال، والعمل على تطبيق القوانين التي تحظر عمل الأطفال، ووضع عقوبات رادعة بحق المخالفين وعدم الاكتفاء بدفع غرامات بسيطة، هذا إلى جانب تفعيل الحملات التوعوية حول الآثار السلبية الناتجة عن عمل الأطفال في المدارس والأسر. وضرورة تطوير قاعدة بيانات دقيقة يتم تحديثها دوريا لعمالة الأطفال في الأردن.
وينطبق مفهوم عمالة الأطفال على فئتين، الاولى تتمثل في الأطفال دون سن 16 عاما، ويحظر تشغيلهم بأي شكل من الأشكال، والشريحة الثانية تتمثل في الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين (16-18) عاماً، يسمح بتشغيلهم في مهن غير خطرة وغير مضرة بالصحة. وتفيد المؤشرات الاحصائية العالمية المتعلقة بعمالة الأطفال والصادرة عن منظمة العمل الدولية أن العدد الإجمالي للأطفال العاملين في العالم يبلغ (168) مليون طفل، يعمل (85) مليون منهم في الأعمال الخطرة. وتتركز النسبة الأكبر منهم (78) مليون تقريبا في منطقة آسيا والمحيط الهادي.
....................
- عن «المرصد العمالي»