مصادر صحفية : مصر مقبلة على كارثة في أقل من شهر!
حذر الكاتب الصحفي، عبدالناصر سلامة، رئيس تحرير «الأهرام» السابق،من اتفاقية إعلان المبادئ حول نهر النيل، التى وقَّعت عليها كل من مصر والسودان وإثيوبيا، مؤكدا أنها لا تمنح مصر نقطة مياه واحدة من النيل.
وأضاف سلامة في مقال له بصحيفة «المصري اليوم»، والذي جاء تحت عنوان « النيل.. المعركة الشعبية المقبلة « أن العمل يجرى على قدم وساق فى السد المزمع، الذى أصبح حقيقة واقعة، ومن المنتظر أن يبدأ فى تخزين المياه بعد أقل من شهر، دون انتظار لتقارير اللجان الفنية، أو المكاتب الاستشارية، أو أى شىء من هذا القبيل، انطلاقاً مما وقَّعت عليه مصر».
وتابع « الغريب أن سد النهضة الإثيوبى قد تم تمويل الجزء الأكبر منه بأموال خليجية، وهذا لم يعد سراً بعد أن كررت السلطات الإثيوبية الشكر لكل من المملكة السعودية، ودولة الإمارات تحديداً، فى الوقت الذى تلعب فيه الاستثمارات الخليجية عموماً هناك الدور الأكبر فى التنمية الإثيوبية».
ونقل «سلامة» عن خبراء قولهم «العطش قادم لا محالة، فى ظل ما يجرى بناؤه الآن من سدود على امتداد النيل، وليس سد النهضة فقط».
وفيما يلي نص المقال كاملاً..
«اتفاقية إعلان المبادئ حول نهر النيل، التى وقَّعت عليها كل من مصر والسودان وإثيوبيا، يؤكد العلماء والخبراء والمتخصصون أنها لا تمنح مصر نقطة مياه واحدة من النيل، حتى الآن لم تنشر مصر نص الاتفاقية تفصيلاً، لذا استخدمنا تعبير: يؤكد العلماء، أى الذين استطاعوا الاطلاع عليها، المعروف أن اتفاقية 1959، ومن قبلها اتفاقية 1929، تمنح مصر 55 مليار متر مكعب، فى الوقت الذى كان يصل فيه مصر من المياه على أرض الواقع نحو 80 مليار متر، أى أننا بجرة قلم تنازلنا عن الـ55 والـ80 وكل شىء تقريباً.
الغريب أن سد النهضة الإثيوبى قد تم تمويل الجزء الأكبر منه بأموال خليجية، وهذا لم يعد سراً بعد أن كررت السلطات الإثيوبية الشكر لكل من المملكة السعودية، ودولة الإمارات تحديداً، فى الوقت الذى تلعب فيه الاستثمارات الخليجية عموماً هناك الدور الأكبر فى التنمية الإثيوبية، على الرغم من أنها ليست دولة جاذبة للاستثمار أبداً، بحكم أنها محرومة من السواحل البحرية، فهى تعتمد على سواحل الصومال، وإريتريا، وجيبوتى، حسب طبيعة العلاقات المتقلبة مع كل منها، بما يجعل من الاستثمارات والنقل هناك أكثر تكلفة من نظيرتها فى أى من هذه البلدان، لذا فإن السؤال الذى يطرح نفسه طوال الوقت: لماذا إثيوبيا؟!
المهم، أن اتفاقية إعلان المبادئ بدا أنها لا تمثل أى أهمية للجانب الإثيوبى، بدليل تلك التصريحات الرسمية هناك: إننا ننفذ ما وقَّعت عليه كل من مصر والسودان، أيضاً بدليل أن العمل يجرى على قدم وساق فى السد المزمع، الذى أصبح حقيقة واقعة، ومن المنتظر أن يبدأ فى تخزين المياه بعد أقل من شهر، دون انتظار لتقارير اللجان الفنية، أو المكاتب الاستشارية، أو أى شىء من هذا القبيل، انطلاقاً مما وقَّعت عليه مصر، حسبما يؤكدون بصفة مستمرة.
السؤال الذى يطرح نفسه بقوة الآن: لماذا لم تتحرك القوى الشعبية فى مصر باتجاه مجلس الدولة، أو المحاكم الدولية، لإبطال إعلان المبادئ المشار إليه، أسوة بما حدث مع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، على اعتبار أن إعلان المبادئ هذا هو الأكثر ضرراً على مصر فى تاريخيها القديم والحديث معاً، ولماذا عوَّلت القوى الشعبية على الدولة الرسمية فى هذا الشأن، على الرغم من ذلك الموقف المخزى تجاه هذه القضية، خاصة إذا أخذنا فى الاعتبار تصريحات الخبراء الذين يؤكدون أن العطش قادم لا محالة، فى ظل ما يجرى بناؤه الآن من سدود على امتداد النيل، وليس سد النهضة فقط.
أعتقد أن الشعب مازال يأمل خيراً فى قيادته السياسية، بمعنى أن أى استطلاع بسيط للرأى سوف نكتشف من خلاله أن البعض يرى عدم إمكانية السكوت على ذلك الذى يجرى، سوف يتم قصف هذا السد إن عاجلاً او آجلاً، البعض الآخر أصبح مقتنعاً بما روَّجت له اللجان الإلكترونية الرسمية، وخبراء الفضائيات، بأن السد سوف ينهار من تلقاء نفسه لأسباب جيولوجية، البعض الثالث يعيش بطبيعته حالة الاتكالية، أن الله سبحانه وتعالى يحفظ مصر دائماً وأبداً، ولا يمكن أن يخذلها، أو يهين شعبها، وذلك دون الأخذ بالأسباب، أو دون قراءة للتاريخ، الذى سوف نكتشف من خلاله أن المصريين قد أكلوا بعضهم بعضاً يوماً ما، نتيجة الجوع.
لابد إذن أن نعترف بأننا مقبلون على أزمة حقيقية، ربما هى الأخطر والأهم فى تاريخنا الحديث، مما كان يتطلب مواجهة هذا الوضع على المستوى الشعبى، ليس من خلال القضاء الإدارى لدينا فقط، وإنما من خلال المحاكم الدولية أيضاً، دون التعويل على موقف الدولة الرسمية، وبصفة خاصة بعد أن قامت الدولة بالطعن على حكم القضاء الإدارى حول الجزيرتين، فى تحدٍّ واضح للإرادة الشعبية من جهة، وفى إمعان واضح فى التنازل عن الأرض من جهة أخرى، وفى سابقة هى الأولى من نوعها فى التاريخ من جهة ثالثة.
أتصور أن هذا الأمر ليس بحاجة إلى قوى سياسية أو ثورية، بقدر ما هو فى حاجة إلى خبراء ومتخصصين فى هذا المجال، وما أكثرهم فى بر مصر، ربما كل وزراء الرى السابقين بلا استثناء يعيشون حالة امتعاض واضحة، جرّاء الموقف الرسمى للدولة، ربما كل خبراء الموارد المائية، كل المهتمين بشؤون المياه والرى، الجميع أعلنوا مواقفهم واضحة دون تحفظات، عليهم أن يشكلوا تحالفاً لصالح الدولة المصرية، وتبقى فقط الإشارة إلى ذلك الأ?وكاتو المخضرم، محلياً ودولياً، الذى يستطيع حمل هذه المسؤولية، سوف يحصل على تفويض شعبى واسع النطاق، فى أقل فترة زمنية، سوف يجد دعماً شعبياً غير محدود.
هى دعوة لكل ذوى الشأن، من القانونيين الذين يستطيعون خوض هذه المواجهة المصيرية مع السلطات الإثيوبية، ومع المنبطحين من الشخصيات العامة فى آن واحد، الذين يعزّ عليهم استرداد حقوق الدولة المصرية المتنازل عنها، إلا أنها فى النهاية سوف تمثل رسالة إلى الداخل والخارج معاً، بأن فى مصر شعباً لا يُفرط فى حقوقه التاريخية أو المصيرية، لا فى الماضى، ولا فى الحاضر، ولا فى المستقبل.