شباب.. للمرة الثانية
كتبت : ضحى عبد الخالق*
لو كنتَ في موقع يتطلّبُ منك أن تخطط للشباب وأن ترسم لمُستقبلهم، فتذكّر أولا، وللحظات، أنك أول من لبس البنطال الغريب، وأطال شعره، وسافر سرا، و»طنّش» التعليمات. وقد حدث بالطريق أن تعلّمت التدخين، وإمّا قسوت على نفسك أو على قريب أو بعيد، وعلى الأغلب تمرّدت! لكنك اليوم هنا قائد وأب رائع ومُلهم لشباب وصبايا كورود القُرنفل؛ ولتُدرك (بالتقادم) أن شيئا ما في الطريق قد انقطع.
ومن عمّق تجربة بالحياة والعيش، تعلم أن مساحة زائدة من الحُريّة ما كانت لتضرّ بك أو بهم، أو بأي أحد آخر من جيلكُم. كما وتعرف اليوم أن كلمة «حُريّة» ليست شعارا يرفعه الشاب في مُظاهرة، بل هي «مسيرة» تختزلُ الروح والمعنى عبر تطبيقات الحُريّة لديهم على أرض الواقع في مجتمعات مُركّبة وإرث تناقض.
وعليه، لا «تقاتلوا» اليوم الصبايا والشباب، ولا تُشرّعوا لهم القوانين التي سُنّت لكم. ولا تطلبوا مُنهم أن يكونوا أنتم. اقبلوهم بكلّ شكل وبأي شكل، وأحبّوهم. فهم اليوم مشغولون باستجواب كل ما هو صائب في مجتمعاتهم من قيم بذاتها؛ الحرية والعدل والمساواة. وما لم يحصلوا على مُخرجات عمليّة لتلك الشعارات، فسيأخذون هم «حُريّتهم» عنوة، أو بطريقتهم الخاصة.
في كل مرة نقابل فيها الشباب يقولون: «نريد المساهمة.. ونحن نرغب في المشاركة، ولكن لا نعرف كيف، وما هو المطلوب منّا؟». وهي مقولة تشير إلى غياب الشعور بالصلة، وعدم التفعيل أو التقاط الدور.
ويقولون ثانيا: «نريد اعترافاً بمبادراتنا، وأن يُعمل بمظلّة تُعنى بنا». وهي مقولة تشير إلى شعور بعدم التقدير، مع الحاجة الى التنظيم.
والترحيب موصول بوزارة الشباب الجديدة، لتبثّ الروح في مجالس وهيئات الشباب، ومن أهمّها «هيئة شباب كلنا الأردن»، ومبادرة «حقّق».
ثم، ثالثا، يقولون: «ما في حدا تحكي معو! وأنتو ما بتفهمو علينا». وهو ما يُظهر شعور الشابّ بأن الواقع من حوله قد لا يُمثّل الحالة الشابّة التي يُريدها. وعليه، يمكن التنبّؤ بأنّ «مُؤسّسة وليّ العهد» ستكون ذات صلة وثيقة بالشباب ودار أمان لهم.
وتشير المراحل إلى أنّ وسيلة الشباب السلميّة لنزع الاعتراف بوجودهم ستكون عبر الاستعانة بالصيغ التعبيريّة المُتوافرة، ومنها العيشُ في فضاءات الإنترنت وتطبيقات الحاسوب، وإنشاء الشركات والمقاهي والأعمال الصغيرة، والأعمال الحُرّة والتطوّع، عبر الموهبة بشكل عام (مسرح وتمثيل، نقد، كوميديا، رقص، موسيقى، مُلكيّة فكريّة، اكتشافات، تصاميم، مهارات تقنيّة متخصّصة، ألعاب)؛ أو عبر الحركة (سياحة داخليّة، سفر، إنجازات رياضيّة، إنجازات شخصيّة، مبادرات وفرق، وتوجّهات متخصّصة)؛ أو عبر خياراتهم الشخصية اللصيقة بهم تحت بند «الحرية الشخصية»، ومنها حرية اختيار المسكن والملبس والمأكل والمشرب والصديق، والإبداعات.
لهذا أعتقد أن التحدّي بالإدارة بعد أولويّة «العمل»، سيكمُن في «إعادة هندسة» تطبيقات الحُريّة الجديدة للفرد الشاب في الأردن، عبر «هندسة» كل السياسات والتشريعات والمؤسسات والأفراد والممارسات الصديقة والمنفتحة على الشباب. ثم، ثانياً، عبر الإمعان في مؤشر السعادة لديه. وهي حالة مركّبة ستختلط فيها أزمات الوجود بأزمات السير والوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. ثم بالبناء على الخُلاصات.
الشباب «قطاع»، دعمه أساسي. وهو محرّك للاقتصاد. ويأتي هذا بالطبع من حركة الشباب وإنفاقهم المتزايد، أو عبر الاستثمار فيهم على مدى طويل. وهم سيلتقطون أي مبادرة تظهر فيها الفُرصة، وجودة الحياة، ومبادئ الطيبة والسعادة. لأنها القيم ذاتها التي تُمثّلها فئة الشباب.
والشّاب ليس «أنتَ»، والشابة ليست «أنتِ». وهذا ليس بالشيء المخيف.
..................
* خبيرة في قطاع تكنولوجيا المعلومات
- عن : «الغد»