دبكة “لبنان”.. رغم أنف بلفور
كتب : جهاد العمري
عندما خرج الأخوين رحباني بأغنية “دبكة لبنان” في منتصف الستينات لم تكن هذه الأغنيه وليدة الصدفه ولحناً أخر يضاف إلى مسيرتهم الفنيه ولكنها بكلماتها ولحنها وإيقاعاتها إنما خرجت مع سبق الأصرار والتصميم معلنه للعالم ولادة “الدبكه اللبنانيه” كما نعرفها الآن كمنتج فني و ثقافي مكتمل الأركان و “ماركه مسجله” لها شكلها المميز وبداية الأغنيه تقول:
دبكة لبنان بالملقى دبـــــكة شيل السواعد
نزلوا الفرسان عالحلقة والسيف الأبيض واعد
ضاق الميدان بضيوفه والملعب لان لسيوفه
طلوا الغزلان تيشوفوا والساعد يشبك ساعد
ولكن كيف أخذت الدبكه اللبنانيه شكلها الحالي وعلى يد من؟ البدايه كانت مع التحضير لمهرجانات بعلبك وفي العام ١٩٥٦ وبعد لقاء “زلفا شمعون” (زوجة الرئيس شمعون) مع الخبير الروسي “إيغور موزاييف” تمخض عنه وضع “الفنون الشعبيه والفولكلوريه” تحت المجهر وعلى محمل الجد ومع إنطلاق مهرجان بعلبك في العام التالي والذي كان من المفترض أن يكون “عالمياً” متعدداً خاض الأخوين رحباني معركه محسوبه لصالح الفن اللبناني وكان التحدي بين أن يرتبط الفن اللبناني بأوروبا بادواته والحانه وإيقاعاته أو أن يطور ألياته وإيقاعاته ويبعث بها الحياه من جديد ومع “موسم العز” في العام ١٩٦٠ بدا جلياً أن الأخوين رحباني نجحا في التحدي وكسبا الرهان تلاه في العام التالي مسرحية “جسر القمر” ومن ثم “الليل والنديل” في العام الذي يليه.
ولكن هل كانت الدبكه اللبنانيه التي تم تحديثها وتطويرها وصقلها “لبنانيه بحته” وكيف إختلفت عن مثيلاتها في المشرق العربي في فلسطين والآردن وسوريا وفي العراق ؟ المفاجأه هنا دخول الفلسطينيان “وديعه حداد” و “مروان جرار” على الخط وإليهما يعود الفضل الأول والأكبر في التعاون مع الأخوين رحباني في تطوير الدبكه اللبنانيه وإعطاءها شكلها الحالي بعيداً عن الرتابه والعفويه لتحلق معهما الدبكه اللبنانيه وتصبح ماده ثريه للتعبير عن الهويه اللبنانيه وقبل صعود “عبدالحليم كركلا” وفرقته في السبعينات وكذلك راقص الدبكه الأشهر في تاريخ لبنان الأرمني “كيغام جرجيان”.
وديعه إلياس حداد هي إبنة مدينة صفد والتي تخرجت من ثانوية حيفا في العام ١٩٤٤ بتفوق لتتجه بعدها إلى إنجلترا لأكمال دراستها وبعد النكبه عادت إلى بيروت حيث نزح أهلها وبدأت هي بالتدريس في الجامعه الأمريكيه و ثانوية برمانا والمقاصد (الخيريه) ومن ثم تأسيس فرقه للفنون الفولكلوريه اللبنانيه ومن بعدها لقائها مع “مروان جرار” المسلم وزواجهما (خطيفه) حيث هربت معه حاملة معها ثوباً رياضياً الذي كان فستان عرسها أما عن المبدع “مروان جرار” فهو الذي خاطبه “والده الروحي” وديع الصافي” (عندما هم بالرحيل عن لبنان) فإهداه أغنيته المشهورة في مغناة «حكاية لبنان» أول مهرجان في بعلبك يقول له: «لوين يا مروان ع مهلك ع مين تارك أرضك وأهلك».
لم تكن وديعه حداد إلا واحده من ضمن القافله المنسيه من الفلسطينيين الذين أسهموا في إثراء لبنان ثقافياً وإقتصادياً ولتكون شاهده على الأرث الحضاري المشترك على إمتداد المنطقه ونموذجاً للأندماج الأيجابي والعطاء اللامحدود حين تتهيأ له الفرص والأمكانيات وقبلها هاجر اللبنانيون والسوريون إلى مصر حيث كانوا من رواد الصحافه والفن والثقافه والأقتصاد ومازالت أسماء العائلات المشتركه في لبنان وسوريا وفلسطين والأردن خير شاهد على الأرث المشترك ورغماً عن سايكس و بيكو وبلفور.