الموضوعية والواقعية وإعادة الترتيب !
عقب خطاب العرش السامي الذي افتتح به جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين أعمال مجلس الأمة الجديد ، راح المجلس على الفور نحو إجراءاته المعتادة لانتخاب رئيس المجلس ونوابه ورؤساء لجانه ، وجرى كل شيء كالمعتاد ، وفي الأثناء راحت الحكومة تراجع بيانها الوزاري على ضوء التوجيه الملكي ، الذي دعا الحكومة إلى توخي " الموضوعية والواقعية " في بيانها الوزاري ، الذي ستقدمه إلى مجلس النواب لنيل الثقة على أساسه .
جلالة الملك وضع ما يمكن اعتباره قاعدة لترتيب العلاقة بين الحكومة ومجلس النواب بالنسبة للمرحلة المقبلة ، أساسها الثقة التي طالما تواصلت من المجلس إلى الحكومة ، فالحكومة مستمرة في مهمتها التنفيذية ، وبذلك يفترض أن يكون حسن الأداء هو معيار الاستمرارية .
في مثل هذه الأوضاع غير العادية التي تمر بها منطقتنا ، والعالم من حولنا ، وفي ظل الأوضاع الصعبة التي يمر بها بلدنا ، على المستويين الاقتصادي والاجتماعي ، فضلا عن التحديات الأمنية والسياسية ، يتوجب على مجلس النواب أن يعيد ترتيب أدائه وموقفه من التحديات التي يواجهها الأردن ، بقدر مناسب من الموضوعية والواقعية أيضا .
إذا التقت موضوعية وواقعية الحكومة مع موضوعية وواقعية مجلس النواب ، فهذا يعني أن إعادة ترتيب الدولة بشكل موضوعي يصبح ممكنا ، فخطاب العرش السامي حدد الأولويات والتحديات ، مثلما حدد الطريق إلى الإصلاح الشامل ، وترسيخ المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار من خلال قانون اللامركزية ، فضلا عن تطوير القضاء وسيادة القانون ، والقوى البشرية ، وغيرها من العناصر التي تخدم المصالح العليا للدولة .
هل بالإمكان تغيير النمط السائد منذ زمن بعيد في آلية العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية ، والطريقة المتبعة في عرض مشاريع القوانين ومناقشتها بعيدا عن الصخب والمزايدة والتجريح ؟ هل من الممكن أن يتذكر مجلس النواب أنه يستطيع هو
الآخر اقتراح مشاريع القوانين ومناقشتها وإقرارها ، ويستطيع كذلك مراجعة القوانين السابقة ، وإدخال تعديلات عليها ؟
لا بأس ، فتلك الإشارة مرتبطة بمبدأ إعادة الترتيب ، التي تقتضي مراجعة الأثر السلبي لبعض القوانين السابقة على القطاعات المنتجة ، وعلى الاستثمار الداخلي والخارجي ، وهناك الكثير من المسائل المعلقة ، التي نعرفها جميعا ، ولكننا لا نعرف كيف نعالجها حتى أن مقولة " من يعلق الجرس " تنطبق علينا !
لقد حان الوقت لكي نعيد إلى بعض المصطلحات قيمتها ومعانيها ، مثل روح المسؤولية والتشاركية والتكاملية ، التي أشار إليها جلالة الملك في وصف العلاقة الصحيحة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ، وكذلك الحال بالنسبة للمحاسبة والمساءلة والشفافية والعدالة وتكافؤ الفرص ، والشراكة بين القطاعين العام والخاص ، والتشاور مع القواعد الانتخابية ، وممثلي القطاعات ذات العلاقة ، وغيرها مما يحقق مفهوم التكامل بين القطاعات كافة .
إذا كانت الحكومة بحاجة لنيل ثقة مجلس النواب ، فعلى المجلس أن يدرك هذه المرة أنه هو أيضا بحاجة لأن ينال ثقة الشعب ، فكلاهما أمام اختبار موضوعي وواقعي أمام الملك والشعب على حد سواء ! yacoub@meuco.jo www.yacoubnasereddin.com