حروب‭ ‬الغاز‭ .. ‬من‭ ‬الذي‭ ‬يحكم‭ ‬العالم‭ ‬؟‭! ‬


أنباء الوطن -

 

{مقال‭ ‬بقلم‭ ‬‮«‬د‭. ‬محمد‭ ‬عجلان‮»‬‭- ‬نقلاً‭ ‬عن‭ ‬موقع‭ ‬‮«‬المكتبة‭ ‬العامة‮»}‬

‭- ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الاقتصاد‭ ‬هو‭ ‬عصب‭ ‬السياسة،‭ ‬فإن‭ ‬الطاقة‭ ‬هي‭ ‬عصب‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬لذا‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭: ‬إن‭ ‬الطاقة‭ ‬هي‭ ‬عصب‭ ‬السياسة‭. ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬فهم‭ ‬خريطة‭ ‬الصراع‭ ‬السياسي‭ ‬عالمياً‭ ‬أو‭ ‬إقليمياً‭ ‬دون‭ ‬فهم‭ ‬حقيقة‭ ‬الصراع‭ ‬الدائر‭ ‬حول‭ ‬الطاقة‭ ‬بصفة‭ ‬عامة،‭ ‬والغاز‭ ‬الطبيعي‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص،‭ ‬باعتبار‭ ‬الغاز‭ ‬هو‭ ‬الطاقة‭ ‬الصديقة‭ ‬للبيئة‭ ‬قياساً‭ ‬بالنفط،‭ ‬وهو‭ ‬الأوفر‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الاحتياطي،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬البترول‭ ‬قد‭ ‬استنفدته‭ ‬عقود‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬الاستهلاك،‭ ‬وهو‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬النفاد‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬عقود‭ ‬خمسة‭ ‬أو‭ ‬سبعة‭ ‬على‭ ‬أقصى‭ ‬تقدير‭.‬

ومن‭ ‬يراجع‭ ‬خريطة‭ ‬الاحتياطي‭ ‬الغازي‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يفهم‭ ‬طبيعة‭ ‬الصراع‭ ‬الدائر‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬متفرقة،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬بؤرة‭ ‬الصراع‭ ‬الأكثر‭ ‬سخونة‭.‬

تأتي‭ ‬روسيا‭ ‬على‭ ‬قائمة‭ ‬الدول‭ ‬صاحبة‭ ‬الاحتياطي‭ ‬الأكبر‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي،‭ ‬تليها‭ ‬إيران‭ ‬وقطر‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والسعودية‭. ‬وإذا‭ ‬دققنا‭ ‬في‭ ‬أسماء‭ ‬الدول‭ ‬الخمسة‭ ‬الأولى‭ ‬سنجد‭ ‬أنها‭ ‬الأطراف‭ ‬البارزة‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬الدائر‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وعلى‭ ‬الأرض‭ ‬السورية‭ ‬بشكل‭ ‬خاص،‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهل‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬إذا‭ ‬أردنا‭ ‬أن‭ ‬نفهم‭ ‬حقيقة‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬من‭ ‬صراع‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬والتي‭ ‬أصبحت‭ ‬ساحة‭ ‬العالم‭ ‬الحربية‭.‬

تحاول‭ ‬روسيا‭ ‬–‭ ‬سيدة‭ ‬الغاز‭ ‬العالمي‭ ‬–‭ ‬أن‭ ‬تفرض‭ ‬نفسها‭ ‬عبر‭ ‬هذه‭ ‬الثروة‭ ‬على‭ ‬السياسة‭ ‬الدولية،‭ ‬باعتبارها‭ ‬لاعباً‭ ‬أساسياً،‭ ‬وتأتي‭ ‬شركة‭ ‬غازبروم‭ ‬لتمثل‭ ‬رأس‭ ‬الحربة‭ ‬الروسية‭ ‬في‭ ‬اختراق‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وكما‭ ‬هو‭ ‬واضح‭ ‬في‭ ‬الخريطة‭ ‬التالية‭ ‬مساحة‭ ‬الانتشار‭ ‬الواسعة‭ ‬للشركة،‭ ‬والتي‭ ‬تعني‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬عوائدها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الضخمة‭ ‬للدولة‭ ‬الروسية‭ ‬مساحة‭ ‬النفوذ‭ ‬الذي‭ ‬يسير‭ ‬في‭ ‬خطوط‭ ‬متوازية‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الانتشار‭ ‬الواسع‭.‬

ولو‭ ‬استعرضنا‭ ‬خريطة‭ ‬خط‭ ‬السيل‭ ‬الشمالي‭ ‬الروسي‭ ‬سوف‭ ‬نضيف‭ ‬بعداً‭ ‬آخر‭ ‬للمشهد‭ ‬الغازي‭ ‬لروسيا،‭ ‬حيث‭ ‬تقوم‭ ‬روسيا‭ ‬عبر‭ ‬هذا‭ ‬الخط‭ ‬بمد‭ ‬أوروبا‭ ‬بحوالي‭ ‬34‭ % ‬من‭ ‬حاجتها‭ ‬من‭ ‬الغاز،‭ ‬بما‭ ‬يمثله‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬حضور‭ ‬قوي‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬السياسي،‭ ‬وتحكم‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهله‭ ‬في‭ ‬الشأن‭ ‬الأوروبي‭.‬

وكان‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬الذي‭ ‬يمثله‭ ‬السيل‭ ‬الشمالي‭ ‬من‭ ‬تحكم‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬الغاز‭ ‬الأوروبي،‭ ‬السبب‭ ‬المباشر‭ ‬لمحاولة‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬القبضة‭ ‬الروسية‭ ‬بإنشاء‭ ‬خط‭ ‬غاز‭ ‬نابوكو؛‭ ‬ليكون‭ ‬البديل‭ ‬للخط‭ ‬الروسي،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬كانت‭ ‬تنوي‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬إنشاء‭ ‬خط‭ ‬آخر‭ ‬باسم‭ ‬السيل‭ ‬الجنوبي‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬تنوي‭ ‬القيام‭ ‬به‭ ‬شركة‭ ‬غاز‭ ‬بروم‭ ‬الروسية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يحاول‭ ‬نابوكو‭ ‬فك‭ ‬قبضة‭ ‬الروس‭ ‬عن‭ ‬عنق‭ ‬الأوروبيين،‭ ‬بما‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬الدور‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬اختصامه‭ ‬لصالح‭ ‬المنافس‭ ‬الروسي‭. ‬ويعتمد‭ ‬خط‭ ‬نابوكو‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬على‭ ‬تصدير‭ ‬الغاز‭ ‬من‭ ‬تركمنستان،‭ ‬صاحبة‭ ‬رابع‭ ‬أكبر‭ ‬احتياطي‭ ‬غاز‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬وتقوم‭ ‬فكرة‭ ‬نابوكو‭ ‬على‭ ‬تمرير‭ ‬خط‭ ‬أنابيب‭ ‬عبر‭ ‬قزوين‭ ‬يحمل‭ ‬غاز‭ ‬تركمنستان‭ ‬إلى‭ ‬أذربيجان‭ ‬ومنها‭ ‬إلى‭ ‬خط‭ ‬أنابيب‭ ‬نابوكو‭ ‬الذي‭ ‬يمر‭ ‬عبر‭ ‬الأراضي‭ ‬التركية‭ ‬في‭ ‬طريقه‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭. ‬فمشروع‭ ‬نابوكو‭ ‬هو‭ ‬مشروع‭ ‬لتحويل‭ ‬تجارة‭ ‬الغاز‭ ‬الطبيعي‭ ‬من‭ ‬آسيا‭ ‬الوسطى‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا‭ ‬دون‭ ‬المرور‭ ‬بروسيا‭.‬

ولم‭ ‬يكن‭ ‬متوقعاً‭ ‬أن‭ ‬تقف‭ ‬روسيا‭ ‬مكتوفة‭ ‬الأيدي‭ ‬بينما‭ ‬يتم‭ ‬ضرب‭ ‬معاقلها،‭ ‬فتحركت‭ ‬بكل‭ ‬قوتها‭ ‬لوقف‭ ‬هذا‭ ‬التهديد‭ ‬بكل‭ ‬الطرق،‭ ‬فلجأت‭ ‬إلى‭ ‬عقد‭ ‬صفقات‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬سوف‭ ‬يعتمد‭ ‬عليها‭ ‬نابوكو،‭ ‬مما‭ ‬جعلها‭ ‬محتكرة‭ ‬للغاز‭ ‬الطبيعي؛‭ ‬مما‭ ‬دفع‭ ‬البعض‭ ‬إلى‭ ‬اعتبار‭ ‬خط‭ ‬نابوكو‭ ‬ولد‭ ‬ميتاً،‭ ‬لأنه‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬إنفاقه‭ ‬عليه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬لديه‭ ‬المصدر‭ ‬الذي‭ ‬قامت‭ ‬الفكرة‭ ‬من‭ ‬أساسها‭ ‬عليه‭. ‬فقد‭ ‬توجهت‭ ‬روسيا‭ ‬لشراء‭ ‬الغاز‭ ‬المنتج‭ ‬في‭ ‬أواسط‭ ‬آسيا؛‭ ‬ساعية‭ ‬بذلك‭ ‬نحو‭ ‬احتكار‭ ‬بيعه‭ ‬عبر‭ ‬أنابيبها‭ ‬التي‭ ‬تغطي‭ ‬مساحات‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬العالم،‭ ‬فعقدت‭ ‬اتفاقات‭ ‬طويلة‭ ‬الأجل‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬فكرة‭ ‬خط‭ ‬نابوكو‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬الغاز‭ ‬بها،‭ ‬كتركمانستان‭ ‬وأوزبكستان‭ ‬وأذربيجان،‭ ‬وبذلك‭ ‬قضت‭ ‬روسيا‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬نابوكو‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يولد‭.‬

لكن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬لتسلم‭ ‬بهذه‭ ‬السهولة‭ ‬لغريمها‭ ‬الروسي،‭ ‬فسعت‭ ‬جاهدة‭ ‬ومن‭ ‬ورائها‭ ‬الدول‭ ‬الأوربية‭ ‬صاحبة‭ ‬المصلحة‭ ‬نحو‭ ‬إيجاد‭ ‬بديل‭ ‬يمثل‭ ‬إحياءً‭ ‬لخط‭ ‬نابوكو،‭ ‬فولت‭ ‬وجهها‭ ‬شطر‭ ‬حلفائها‭ ‬التقليديين‭ ‬في‭ ‬الخليج،‭ ‬وكانت‭ ‬قطر‭ ‬هي‭ ‬المنقذ‭ ‬هذه‭ ‬المرة،‭ ‬حيث‭ ‬تمثل‭ ‬ثالث‭ ‬احتياطي‭ ‬غاز‭ ‬في‭ ‬الترتيب‭ ‬العالمي‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬روسيا‭ ‬وإيران،‭ ‬حيث‭ ‬يمر‭ ‬خط‭ ‬غاز‭ ‬من‭ ‬قطر‭ ‬مروراً‭ ‬بالسعودية‭ ‬ثم‭ ‬سوريا‭ ‬حيث‭ ‬يلتقي‭ ‬بخط‭ ‬الغاز‭ ‬المصري،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬تركيا،‭ ‬كي‭ ‬يعبر‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬عبر‭ ‬خط‭ ‬نابوكو‭. ‬لكن‭ ‬كان‭ ‬النظام‭ ‬السوري‭ ‬هو‭ ‬العقبة‭ ‬أمام‭ ‬اكتمال‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬البديل،‭ ‬حفاظاً‭ ‬على‭ ‬مصالحه‭ ‬مع‭ ‬حليفه‭ ‬التقليدي‭ ‬في‭ ‬روسيا،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬كانت‭ ‬ضرورة‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬العقبة‭ ‬عبر‭ ‬إسقاط‭ ‬النظام‭ ‬السوري،‭ ‬وهذا‭ ‬يوضح‭ ‬أيضاً‭ ‬الدور‭ ‬القطري‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الدائرة‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬السورية،‭ ‬وكذلك‭ ‬يوضح‭ ‬الدور‭ ‬التركي،‭ ‬لأن‭ ‬مشروع‭ ‬نابوكو‭ ‬كان‭ ‬يمثل‭ ‬لها‭ ‬فوائد‭ ‬عديدة،‭ ‬ربما‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬تحقيق‭ ‬حلمها‭ ‬في‭ ‬الانضمام‭ ‬للاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬الذي‭ ‬سعت‭ ‬لسنوات‭ ‬نحو‭ ‬تحقيقه‭.‬

وهنا‭ ‬ظهر‭ ‬الدعم‭ ‬الروسي‭ ‬للنظام‭ ‬السوري‭ ‬منذ‭ ‬البداية،‭ ‬لا‭ ‬دعماً‭ ‬معنوياً‭ ‬لحليف‭ ‬تقليدي‭ ‬كما‭ ‬يتوهم‭ ‬البعض،‭ ‬بل‭ ‬دعم‭ ‬كامل‭ ‬وصل‭ ‬حد‭ ‬المشاركة‭ ‬المباشرة‭ ‬في‭ ‬المعارك،‭ ‬فالهدف‭ ‬هو‭ ‬إيقاف‭ ‬مد‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬لا‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬نظام‭ ‬بشار‭ ‬الأسد؛‭ ‬لكن‭ ‬التقى‭ ‬الهدفان‭ ‬فكان‭ ‬دفاع‭ ‬روسيا‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬يمثل‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬دفاعاً‭ ‬عن‭ ‬النظام‭ ‬السوري‭. ‬فتحركت‭ ‬روسيا‭ ‬على‭ ‬كافة‭ ‬المستويات‭ ‬كي‭ ‬تمنع‭ ‬مرور‭ ‬خط‭ ‬الغاز‭ ‬القطري،‭ ‬وكان‭ ‬الهدف‭ ‬الظاهر‭ ‬والمعلن‭ ‬هو‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬نظام‭ ‬الأسد،‭ ‬لكن‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬تدافع‭ ‬عن‭ ‬حقها‭ ‬في‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬خريطة‭ ‬الغاز‭ ‬العالمية،‭ ‬لكن‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬طبيعة‭ ‬المعارك‭ ‬السياسية‭ ‬أن‭ ‬تعلن‭ ‬الأوراق‭ ‬الحقيقية،‭ ‬طالما‭ ‬أنها‭ ‬تمتلك‭ ‬البديل‭ ‬الوهمي‭ ‬كي‭ ‬ترفعه‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬المتابعين‭ ‬لما‭ ‬يدور‭ ‬على‭ ‬الأرض‭.‬

وحين‭ ‬فشلت‭ ‬هذه‭ ‬المحاولة‭ ‬الأمريكية‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬عن‭ ‬محاولاتها،‭ ‬وكأننا‭ ‬في‭ ‬لعبة‭ ‬شطرنج‭ ‬رقعتها‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬ولاعبوها‭ ‬روسيا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬فكان‭ ‬الحل‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬هو‭ ‬ضرب‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الروسي‭ ‬عبر‭ ‬إغراق‭ ‬السوق‭ ‬العالمية‭ ‬بالنفط‭ ‬السعودي،‭ ‬فإن‭ ‬كانت‭ ‬قطر‭ ‬فشلت‭ ‬في‭ ‬ضخ‭ ‬غازها‭ ‬لضرب‭ ‬الدب‭ ‬الروسي،‭ ‬فستحاول‭ ‬السعودية‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬أن‭ ‬تفعلها،‭ ‬وكله‭ ‬لصالح‭ ‬الأب‭ ‬الروحي‭ ‬وحامى‭ ‬الحمى‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬الأمريكي،‭ ‬فأغرقت‭ ‬السعودية‭ ‬السوق‭ ‬العالمية‭ ‬بالنفط،‭ ‬فهبطت‭ ‬أسعار‭ ‬النفط‭ ‬من‭ ‬130‭ ‬دولاراً‭ ‬للبرميل‭ ‬إلى‭ ‬27‭ ‬دولاراً‭ ‬وكان‭ ‬الخاسر‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬الدول‭ ‬النفطية،‭ ‬بينما‭ ‬استفاد‭ ‬الشريك‭ ‬الأمريكي‭ ‬كثيراً،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬الضربات‭ ‬المتلاحقة‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬الهبوط‭ ‬الحاد‭ ‬لأسعار‭ ‬النفط‭ ‬كافية‭ ‬لإسقاط‭ ‬الدب‭ ‬الروسي،‭ ‬فتلقى‭ ‬الضربات‭ ‬وتعامل‭ ‬معها‭ ‬بشكل‭ ‬جيد،‭ ‬وبذلك‭ ‬لم‭ ‬تحقق‭ ‬الضربات‭ ‬هدفها،‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬المؤشرات‭ ‬تؤكد‭ ‬على‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الضربات‭ ‬طويلاً،‭ ‬لعدة‭ ‬أسباب‭: ‬أهمها‭ ‬اعتماد‭ ‬السعودية‭ ‬على‭ ‬النفط‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬اقتصادها،‭ ‬ومن‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الهبوط‭ ‬الحاد‭ ‬في‭ ‬الأسعار‭ ‬أوقف‭ ‬إنتاج‭ ‬النفط‭ ‬الصخري‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬تعتمد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬نسبة‭ ‬كبيرة‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬سد‭ ‬حاجاتها،‭ ‬مما‭ ‬سيضطرها‭ ‬لاستيراد‭ ‬كميات‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬النفط‭ ‬لسد‭ ‬حاجات‭ ‬السوق‭ ‬الأمريكية،‭ ‬مما‭ ‬سيؤدي‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬الأسعار‭.‬

ومازالت‭ ‬المعركة‭ ‬مستمرة‭ ‬بين‭ ‬قطبي‭ ‬العالم،‭ ‬لكن‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الدب‭ ‬الروسي‭ ‬بدا‭ ‬أقوى‭ ‬مما‭ ‬توقع‭ ‬خصومه،‭ ‬يتلقى‭ ‬الضربات‭ ‬لكنه‭ ‬لا‭ ‬يسقط،‭ ‬ثم‭ ‬يستعيد‭ ‬لياقته‭ ‬ليوجه‭ ‬ضرباته‭ ‬ويتشبث‭ ‬بالأرض‭ ‬التي‭ ‬استحوذ‭ ‬عليها‭. ‬والخاسر‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المعارك‭ ‬هم‭ ‬العرب،‭ ‬حيث‭ ‬يحاربون‭ ‬بالوكالة‭ ‬على‭ ‬أراضيهم،‭ ‬فيهلكون‭ ‬شعوبهم،‭ ‬ويبددون‭ ‬ثرواتهم،‭ ‬لصالح‭ ‬هذا‭ ‬الطرف‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭.‬

لكن‭ ‬يبدو‭ ‬من‭ ‬طبيعة‭ ‬هذه‭ ‬المعركة‭ ‬الدائرة‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬أنها‭ ‬معركة‭ ‬طويلة‭ ‬الأمد،‭ ‬وأن‭ ‬مستقبل‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬مرتهن‭ ‬بنتائجها،‭ ‬وبالتالي‭ ‬بقاء‭ ‬نظام‭ ‬أو‭ ‬سقوطه،‭ ‬لن‭ ‬يتحدد‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬بأسباب‭ ‬داخلية،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬سيتوقف‭ ‬على‭ ‬نتائج‭ ‬معركة‭ ‬تكسير‭ ‬العظام‭ ‬بين‭ ‬الكبار،‭ ‬وسيكون‭ ‬الغاز‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬هو‭ ‬المحدد‭ ‬لمن‭ ‬سيحكم‭ ‬العالم‭!‬