مصري‭ ‬كاد‭ ‬أن‭ ‬يتسبب‭ ‬في‭ ‬إسلام‭ ‬إمبراطور‭ ‬اليابان‭ ‬أوائل‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬؟‭!‬


أنباء الوطن -

 

‮«‬وحسبي‭ ‬شرفًا‭ ‬أنّها‭ ‬رحلة‭ ‬أوّل‭ ‬مصري‭ ‬وطئت‭ ‬قدمه‭ ‬تلك‭ ‬الأرض‭ ‬من‭ ‬قديم‭ ‬الزمان‭ ‬إلى‭ ‬الآن‮»‬

‭- ‬يُقال‭ ‬إنّ‭ ‬أوّل‭ ‬عربي‭ ‬وطئت‭ ‬قدماه‭ ‬أرض‭ ‬اليابان،‭ ‬كان‭ ‬مصريًا‭ ‬صعيديًا‭. ‬وإنّه،‭ ‬وقليل‭ ‬سبقوه،‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬المسلمين‭ ‬الذين‭ ‬اتصلوا‭ ‬بشعب‭ ‬هذا‭ ‬الأرخبيل‭ ‬الواقع‭ ‬أقصى‭ ‬مشارق‭ ‬الأرض‭ ‬على‭ ‬مسافة‭ ‬أكثر‭ ‬100‭ ‬آلاف‭ ‬كيلومتر‭ ‬عن‭ ‬مصر‭. ‬وكان‭ ‬ممن‭ ‬لهم‭ ‬كبير‭ ‬الأثر‭ ‬الإسلامي‭ ‬هُناك‭.‬

هذا‭ ‬الصعيدي‭ ‬المصري‭ ‬العربي‭ ‬المُسلم،‭ ‬يُدعى‭ ‬علي‭ ‬الجرجاوي‭. ‬دعونا‭ ‬نتعرف‭ ‬عليه‭ ‬وعلى‭ ‬رحلته‭ ‬إلى‭ ‬اليابان‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التقرير‭.‬

تفاصيل‭ ‬عن‭ ‬ابن‭ ‬جرجا‭ ‬السوهاجي

علي‭ ‬أحمد‭ ‬علي‭ ‬القرعاني‭ ‬الجرجاوي‭. ‬أو‭ ‬الشيخ‭ ‬علي‭ ‬الجرجاوي،‭ ‬أو‭ ‬الشاعر‭ ‬أو‭ ‬الرحّالة‭ ‬إن‭ ‬شئت،‭ ‬فكلها‭ ‬ستدلك‭ ‬على‭ ‬ابن‭ ‬قرية‭ ‬أم‭ ‬القرعان‭ ‬بمركز‭ ‬جرجا‭ ‬التابع‭ ‬لمحافظة‭ ‬سوهاج‭ ‬بصعيد‭ ‬مصر‭. ‬وكما‭ ‬هو‭ ‬واضح،‭ ‬فقد‭ ‬لُقّب‭ ‬بالقرعاني‭ ‬نسبة‭ ‬إلى‭ ‬قريته‭ ‬أم‭ ‬القرعان‭ ‬وبالجرجاوي‭ ‬نسبة‭ ‬إلى‭ ‬مدينته‭ ‬جرجا‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬واضح‭.‬

لا‭ ‬يُعرف‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد‭ ‬متى‭ ‬وُلد،‭ ‬لكن‭ ‬يُقدر‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬أهم‭ ‬مراحل‭ ‬سيرته‭ ‬الذاتية،‭ ‬أنّ‭ ‬ولادته‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬الثلث‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬فيما‭ ‬كانت‭ ‬منيّته‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1961‭. ‬في‭ ‬السنين‭ ‬الأوُلى‭ ‬من‭ ‬حياته،‭ ‬وكما‭ ‬جرت‭ ‬العادة‭ ‬آنذاك‭ ‬ولفترة‭ ‬طويلة‭ ‬لاحقة،‭ ‬انتظم‭ ‬في‭ ‬الكُتاب‭ ‬بقريته‭ ‬أم‭ ‬القرعان،‭ ‬وفيه‭ ‬تلقى‭ ‬تعليمه‭ ‬الأوّل‭ ‬للقراءة‭ ‬والكتابة‭ ‬وحفظ‭ ‬القرآن،‭ ‬مع‭ ‬نتف‭ ‬من‭ ‬العلوم‭ ‬الدينية‭.‬

تشتهر‭ ‬جرجا‭ ‬بمعهدها‭ ‬الأزهري‭ ‬العتيق،‭ ‬الذي‭ ‬يعود‭ ‬إنشاؤه‭ ‬إلى‭ ‬عام‭ ‬1596‭. ‬ومن‭ ‬هُنا‭ ‬فقد‭ ‬اشتهرت‭ ‬هذه‭ ‬المدينة‭ ‬بعلماء‭ ‬الأزهر‭ ‬المخضرمين،‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬تلقى‭ ‬علي‭ ‬الجرجاوي‭ ‬على‭ ‬يديه‭ ‬العلوم‭ ‬الشرعية‭ ‬وعلوم‭ ‬اللغة،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ينتقل‭ ‬أخيرًا‭ ‬–

كما‭ ‬العادة‭ ‬آنذاك

–‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة،‭ ‬للالتحاق‭ ‬بالأزهر‭ ‬الشريف‭ ‬لإكمال‭ ‬دراسته‭.‬

في‭ ‬عام‭ ‬1907‭ ‬أُنشئت‭ ‬مدرسة‭ ‬القضاء‭ ‬الشرعي‭ ‬تحت‭ ‬إشراف‭ ‬شيخ‭ ‬الأزهر‭. ‬وكان‭ ‬الغرض‭ ‬من‭ ‬إنشائها‭ ‬تخريج‭ ‬قضاة‭ ‬شرعيين،‭ ‬ومُحامين‭ ‬ومُفتشين‭ ‬في‭ ‬المحاكم‭. ‬عقب‭ ‬إنشائها‭ ‬مُباشرة‭ ‬التحق‭ ‬بها‭ ‬الجرجاوي،‭ ‬وتخرّج‭ ‬منها‭ ‬للعمل‭ ‬في‭ ‬المحاماة‭ ‬أمام‭ ‬المحاكم‭ ‬الشرعية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬منتشرة‭ ‬آنذاك،‭ ‬قبل‭ ‬إعادة‭ ‬هيكلة‭ ‬نظام‭ ‬القضاء‭.‬

قبل‭ ‬ذلك،‭ ‬أنشأ‭ ‬الجرجاوي‭ ‬صحيفة‭ ‬الإرشاد‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1899،‭ ‬وتمرّس‭ ‬عبرها‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬الصحافي‭ ‬الذي‭ ‬فتح‭ ‬له‭ ‬مجال‭ ‬الاتصال‭ ‬بالعالم‭ ‬الخارجي،‭ ‬ومنه‭ ‬كانت‭ ‬بداية‭ ‬رحلته‭ ‬إلى‭ ‬اليابان‭. ‬هذه‭ ‬الجريدة‭ ‬أُغلقت‭ ‬حين‭ ‬سافر‭ ‬في‭ ‬رحلته،‭ ‬ولمّا‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬مصر،‭ ‬أصدر‭ ‬صحيفة‭ ‬أخرى‭ ‬أسماها‭ ‬“الأزهر‭ ‬المعمور”‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1907‭.‬

في‭ ‬العام‭ ‬1909‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬إنشاء‭ ‬الجمعية‭ ‬الأزهرية،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬بمثابة‭ ‬مرتكزٍ‭ ‬للأزهرين‭ ‬المُعارضين‭ ‬لسياسات‭ ‬الحكومة‭ ‬والإدارة‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬وقد‭ ‬بدا‭ ‬أنّ‭ ‬للشيخ‭ ‬ميول‭ ‬قوية‭ ‬للثورة‭ ‬العُرابية،‭ ‬أظهرتها‭ ‬كتاباته‭. ‬في‭ ‬فترات‭ ‬لاحقة،‭ ‬تولّى‭ ‬الجرجاوي‭ ‬رئاسة‭ ‬الجمعية‭.‬

‮«‬الرحلة‭ ‬اليابانية‮»‬‭ .. ‬قصة‭ ‬إسلام‭ ‬12‭ ‬ألف‭ ‬ياباني‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬واحد‭!‬

في‭ ‬عام‭ ‬1907‭ ‬ألّف‭ ‬الشيخ‭ ‬علي‭ ‬الجرجاني‭ ‬كتابًا‭ ‬أسماه‭ ‬“الرحلة‭ ‬اليابانية”‭ ‬يعرض‭ ‬فيه‭ ‬تفاصيل‭ ‬التفاصيل‭ ‬في‭ ‬رحلته‭ ‬إلى‭ ‬اليابان‭. ‬دوافع‭ ‬الرحلة‭ ‬وأسبابها‭ ‬ونواتجها؛‭ ‬كُل‭ ‬ذلك‭ ‬معروض‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬صنّفه‭ ‬مُؤلفه‭ ‬تحت‭ ‬أدب‭ ‬الرحلات‭.‬

بعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬دفعٍ‭ ‬ورد‭ ‬بين‭ ‬اليابان‭ ‬وروسيا‭ ‬التي‭ ‬سعت‭ ‬إلى‭ ‬بسط‭ ‬نفوذها‭ ‬على‭ ‬كوريا؛‭ ‬استطاعت‭ ‬اليابان‭ ‬إنهاءها‭ ‬لصالحها‭ ‬فيما‭ ‬عُرف‭ ‬بمعركة‭ ‬تسوشيما‭. ‬تلك‭ ‬المعركة‭ ‬البحرية‭ ‬استمرت‭ ‬ليومي‭ ‬27‭ ‬و28‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬مايو‭ ‬1905‭.‬

هذه‭ ‬المعركة‭ ‬ألقت‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬اليابان،‭ ‬الدولة‭ ‬الصغيرة‭ ‬حجمًا،‭ ‬باعتبارها‭ ‬قوة‭ ‬صاعدة‭ ‬ستلعب‭ ‬دورًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬في‭ ‬منطقتها،‭ ‬ولعل‭ ‬بعض‭ ‬الأرقام‭ ‬الإحصائية‭ ‬ستوضح‭ ‬لك‭ ‬أهمّية‭ ‬هذه‭ ‬الحرب،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬استطاعت‭ ‬اليابان‭ ‬بـ16‭ ‬قطعة‭ ‬بحرية‭ ‬عسكرية،‭ ‬إغراق‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬21‭ ‬من‭ ‬مثيلاتها‭ ‬الروسية‭. ‬وفي‭ ‬مُقابل‭ ‬116‭ ‬جُنديًا‭ ‬يابانيًا،‭ ‬سقط‭ ‬نحو‭ ‬4‭ ‬آلاف‭ ‬و500‭ ‬جندي‭ ‬روسي‭. ‬هذا‭ ‬ويُشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬خسارة‭ ‬روسيا‭ ‬القيصرية‭ ‬المدوية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب،‭ ‬كانت‭ ‬واحدةً‭ ‬من‭ ‬إرهاصات‭ ‬الاضطرابات‭ ‬التي‭ ‬أودت‭ ‬نهايةً‭ ‬إلى‭ ‬الثورة‭ ‬الروسية‭.‬

على‭ ‬إثر‭ ‬تلك‭ ‬الحرب،‭ ‬وفي‭ ‬إطار‭ ‬سعيها‭ ‬لإعادة‭ ‬رسم‭ ‬ملامحها‭ ‬الدولية،‭ ‬نظّمت‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬اليابانية‭ ‬لمؤتمر‭ ‬عالمي‭ ‬للأديان‭. ‬ووجّهت‭ ‬اليابان‭ ‬دعوات‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬لمشاركة‭ ‬ممثلين‭ ‬عن‭ ‬كافة‭ ‬الأديان‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬بُغية‭ ‬الحضور‭ ‬والمشاركة‭ ‬في‭ ‬مناظرات‭ ‬المُؤتمر‭.‬

وفقًا‭ ‬للمصادر‭ ‬المُتاحة‭ ‬بين‭ ‬أيدينا،‭ ‬والتي‭ ‬منها‭ ‬كتاب‭ ‬الرحلة‭ ‬الياباني‭ ‬للجرجاوي‭ ‬نفسه،‭ ‬فإنّ‭ ‬هدف‭ ‬اليابان‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬هذا‭ ‬المُؤتمر‭ ‬كان‭ ‬المقارنة‭ ‬بين‭ ‬أديان‭ ‬العالم،‭ ‬لاختيار‭ ‬واحدٍ‭ ‬منها‭ ‬ليصبح‭ ‬الدين‭ ‬الرسمي‭ ‬الجديد‭ ‬لليابان،‭ ‬مُواكبة‭ ‬لما‭ ‬هي‭ ‬مُقبلة‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬تاريخها‭. ‬قطعًا‭ ‬لا‭ ‬يُمكننا‭ ‬التثبت‭ ‬من‭ ‬صحّة‭ ‬هذه‭ ‬الرواية،‭ ‬بخاصة‭ ‬وأنّ‭ ‬الميثولوجيا‭ ‬اليابانية‭ ‬المُؤسسة‭ ‬لذاكرة‭ ‬الشعب‭ ‬الياباني‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬منذ‭ ‬قرون‭.‬

على‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬وصل‭ ‬الخبر‭ ‬إلى‭ ‬الجرجاوي،‭ ‬فسعى‭ ‬حثيثًا‭ ‬عبر‭ ‬صحيفته‭ ‬الإرشاد،‭ ‬إلى‭ ‬الدعوة‭ ‬لتشكيل‭ ‬وفد‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬المصريين‭ ‬يكون‭ ‬له‭ ‬سبق‭ ‬في‭ ‬تمثيل‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬بالمؤتمر،‭ ‬وبحسب‭ ‬قوله‭ ‬في‭ ‬كتابه،‭ ‬فإن‭ ‬“مسلمو‭ ‬مصر‭ ‬أولى‭ ‬بأن‭ ‬يحوزوا‭ ‬هذه‭ ‬الفضيلة‭ ‬لوجود‭ ‬الأزهر‭ ‬بين‭ ‬ظهرانيهم”‭.‬

دعوة‭ ‬الجرجاني‭ ‬لاقت‭ ‬صداها‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الصحف‭ ‬“الإسلامية”‭. ‬لكنّه‭ ‬في‭ ‬المقابل‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬مستجيبًا‭ ‬لدعوته‭ ‬هذه،‭ ‬سوى‭ ‬اثنين‭ ‬هما‭ ‬الشيخ‭ ‬أحمد‭ ‬موسى‭ ‬المصري‭ ‬المنوفي‭ ‬إمام‭ ‬المسجد‭ ‬الكبير‭ ‬بمدينة‭ ‬كلكتا‭ ‬الهندية‭ (‬إذ‭ ‬كان‭ ‬مُبتعثًا‭ ‬من‭ ‬الأزهر‭)‬،‭ ‬وكذا‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬تونس‭ ‬لم‭ ‬يرد‭ ‬ذكر‭ ‬اسمه‭ ‬في‭ ‬الكتاب‭.‬

طفقت‭ ‬أبحث‭ ‬عمّن‭ ‬يُرافقني‭ ‬من‭ ‬إخواني‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬الرحلة‭ ‬إلى‭ ‬اليابان‭ ‬للدعوة‭ ‬إلى‭ ‬الإسلام،‭ ‬فكان‭ ‬ذلك‭ ‬أندر‭ ‬من‭ ‬الكبريت‭ ‬الأحمر

انتقل‭ ‬الجرجاني‭ ‬إلى‭ ‬قريته‭ ‬أم‭ ‬القرعان،‭ ‬وباع‭ ‬ما‭ ‬بحوزته‭ ‬من‭ ‬أملاك،‭ ‬وهي‭ ‬5‭ ‬فدادين،‭ ‬ليستخدم‭ ‬أموالها‭ ‬نفقةً‭ ‬على‭ ‬رحلته‭ ‬التي‭ ‬استغرقت‭ ‬جميعها‭ ‬نحو‭ ‬شهرين،‭ ‬عاد‭ ‬ليحكي‭ ‬تفاصيلهما‭ ‬الدقيقة‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬المتقدم‭ ‬ذكره‭ ‬“الرحلة‭ ‬اليابانية”‭.‬

يبدأ‭ ‬الجرجاوي‭ ‬في‭ ‬حديثه‭ ‬عن‭ ‬رحلته،‭ ‬منذ‭ ‬استقل‭ ‬القطار‭ ‬من‭ ‬القاهرة‭ ‬إلى‭ ‬الإسكندرية،‭ ‬حيث‭ ‬منها‭ ‬صعد‭ ‬الباخرة‭ ‬التي‭ ‬نقلته‭ ‬إلى‭ ‬اليابان‭ ‬مُرورًا‭ ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬الأمصار‭. ‬ويُسهب‭ ‬في‭ ‬ذكر‭ ‬كل‭ ‬تفصيلة‭ ‬رآها،‭ ‬منذ‭ ‬خروجه‭ ‬من‭ ‬القاهرة‭. ‬كما‭ ‬يعرج‭ ‬إلى‭ ‬الخواطر‭ ‬التي‭ ‬جاءته‭ ‬في‭ ‬أثناء‭ ‬رحلته،‭ ‬فيتوقف‭ ‬على‭ ‬التوصيف‭ ‬لبرهة،‭ ‬يتحدث‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬الخاطرة‭ ‬ويغوص‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬مرّة‭ ‬أُخرى‭ ‬إلى‭ ‬وصف‭ ‬معالم‭ ‬رحلته‭. ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬بلد‭ ‬ينزل‭ ‬فيه،‭ ‬يذكر‭ ‬طرفًا‭ ‬من‭ ‬تاريخها،‭ ‬وعلاقاتها‭ ‬بالإسلام‭ ‬وكيف‭ ‬دخلها،‭ ‬أو‭ ‬علاقاتها‭ ‬بالعالم‭ ‬الإسلامي‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬دولةً‭ ‬إسلامية،‭ ‬حتّى‭ ‬أنّه‭ ‬فعل‭ ‬ذلك‭ ‬مع‭ ‬المدن‭ ‬المصرية‭ ‬التي‭ ‬مرّ‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬رحلته‭ ‬بالقطار،‭ ‬وآخرها‭ ‬الإسكندرية‭. ‬لم‭ ‬يتوقف‭ ‬عند‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الوصف‭. ‬لكنّه‭ ‬أيضًا‭ ‬اهتم‭ ‬بذكر‭ ‬طرف‭ ‬من‭ ‬عادات‭ ‬أهل‭ ‬البلد،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬رآه‭ ‬فيهم،‭ ‬ومن‭ ‬أزيائهم،‭ ‬وعن‭ ‬مجالهم‭ ‬الثقافي‭ ‬والتعليمي‭.‬

هذا،‭ ‬ويُشار‭ ‬إلى‭ ‬أنّ‭ ‬جانبًا‭ ‬من‭ ‬إسهاب‭ ‬الشيخ‭ ‬علي‭ ‬الجرجاوي‭ ‬في‭ ‬وصفه‭ ‬للبقاع‭ ‬التي‭ ‬حطّ‭ ‬بها،‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬اعترف‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬كتابه،‭ ‬من‭ ‬أنّ‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬دافعه‭ ‬لخوض‭ ‬غمار‭ ‬الرحلة،‭ ‬كان‭ ‬الاستكشاف‭ ‬والاطلاع‭ ‬على‭ ‬العالم‭.‬

وأخيرًا‭ ‬وصل‭ ‬الجرجاوي‭ ‬إلى‭ ‬ميناء‭ ‬يوكوهاما،‭ ‬وهناك‭ ‬استقبله‭ ‬شيخان‭ ‬أحدهما‭ ‬روسي‭ ‬والآخر‭ ‬صيني؛‭ ‬صاحباه‭ ‬خلال‭ ‬رحلته‭ ‬في‭ ‬اليابان،‭ ‬والتي‭ ‬امتدت‭ ‬32‭ ‬يومًا‭.‬

بعد‭ ‬يومين‭ ‬من‭ ‬الراحة‭ ‬في‭ ‬يوكوهاما،‭ ‬انتقل‭ ‬الجرجاوي‭ ‬إلى‭ ‬العاصمة‭ ‬اليابانية‭ ‬طوكيو،‭ ‬وفيها‭ ‬أقام‭ ‬للمشاركة‭ ‬في‭ ‬المؤتمر‭ ‬الذي‭ ‬حضر‭ ‬له‭. ‬كما‭ ‬أنّه‭ ‬استغل‭ ‬الإقامة‭ ‬هُناك‭ ‬للدعوة‭ ‬إلى‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭. ‬وقد‭ ‬أسس‭ ‬رفقة‭ ‬الشيخين‭ ‬الروسي‭ ‬والصيني،‭ ‬جمعيةً‭ ‬إسلامية‭ ‬استأجر‭ ‬مقرّها‭ ‬من‭ ‬تاجر‭ ‬ياباني‭.‬

ووفقًا‭ ‬لما‭ ‬ذكره‭ ‬الشيخ‭ ‬علي‭ ‬الجرجاوي،‭ ‬فإنّ‭ ‬أوّل‭ ‬ياباني‭ ‬أسلم‭ ‬على‭ ‬يده‭ ‬وكان‭ ‬يُسمّى‭ ‬“جازييف”،‭ ‬قد‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬ترجمة‭ ‬خطبٍ‭ ‬إسلامية‭ ‬كان‭ ‬الشيخ‭ ‬يكتبها‭ ‬وينشرها‭ ‬على‭ ‬اليابانيين،‭ ‬ما‭ ‬يدفعهم‭ ‬لزيارة‭ ‬الجمعية،‭ ‬التي‭ ‬أعدّ‭ ‬فيها‭ ‬نحو‭ ‬18‭ ‬لقاءً‭ ‬جامعًا‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬الأيام‭ ‬التي‭ ‬قضاها‭ ‬هُناك‭. ‬خلال‭ ‬تلك‭ ‬اللقاءات‭ ‬أسلم‭ ‬نحو‭ ‬12‭ ‬ألف‭ ‬ياباني،‭ ‬وفقًا‭ ‬لما‭ ‬ذكره‭ ‬الجرجاوي‭ ‬نفسه‭.‬

‭                                     ‬نص‭ ‬إحدى‭ ‬خُطب‭ ‬التي‭ ‬وضعتها‭ ‬الجمعية‭ ‬لدعوة‭ ‬اليابانيين‭ ‬إلى‭ ‬الإسلام

 

وكما‭ ‬عادته‭ ‬في‭ ‬الوصف‭ ‬المُسهب،‭ ‬تكرر‭ ‬الأمر‭ ‬بمزيد‭ ‬إسهاب‭ ‬وتدقيق‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬فترة‭ ‬مكوثه‭ ‬في‭ ‬اليابان‭. ‬بالإضافة‭ ‬فقد‭ ‬أظهر‭ ‬الجرجاوي‭ ‬إعجابًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬بإمبراطور‭ ‬اليابان‭ ‬وقتها‭ ‬“متسوهيتو”،‭ ‬والذي‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ ‬لقب‭ ‬الميكادو‭. ‬وقد‭ ‬قال‭ ‬عنه‭: ‬“يصح‭ ‬أن‭ ‬يُقال‭ ‬إن‭ ‬الميكادو‭ ‬فردٌ‭ ‬جمعَ‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬العالم”‭. ‬في‭ ‬النهاية،‭ ‬كاد‭ ‬هذا‭ ‬الإمبراطور‭ ‬أن‭ ‬يُسلم،‭ ‬لولا‭ ‬خوفه‭ ‬من‭ ‬انشقاق‭ ‬أمّته‭ ‬على‭ ‬بعضها،‭ ‬وفقًا‭ ‬لما‭ ‬أخبر‭ ‬به‭ ‬الجرجاوي‭ ‬في‭ ‬كتابه‭!‬

في‭ ‬النهاية،‭ ‬هل‭ ‬حدثت‭ ‬تلك‭ ‬الرحلة‭ ‬بالفعل؟

بعض‭ ‬الباحثين‭ ‬ينفون‭ ‬صحّة‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الشيخ‭ ‬علي‭ ‬أحمد‭ ‬الجرجاوي‭ ‬قد‭ ‬زار‭ ‬اليابان‭ ‬أصلًا،‭ ‬ولهم‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬حُجج‭ ‬من‭ ‬قلب‭ ‬كتابه‭. ‬من‭ ‬بين‭ ‬هؤلاء‭ ‬حُسام‭ ‬تمام‭ ‬الباحث‭ ‬المصري‭ ‬الراحل،‭ ‬وصالح‭ ‬مهدي‭ ‬السامرائي‭ ‬رئيس‭ ‬المركز‭ ‬الإسلامي‭ ‬في‭ ‬طوكيو‭.‬

كما‭ ‬ذكرنا،‭ ‬فإنّ‭ ‬نفي‭ ‬صحة‭ ‬الرحلة‭ ‬اليابانية‭ ‬للجرجاوي،‭ ‬ينطلق‭ ‬مما‭ ‬ذكره‭ ‬هو‭ ‬بنفسه‭ ‬في‭ ‬كتابه‭. ‬فبدايةً‭ ‬يعتبر‭ ‬حسام‭ ‬تمام‭ ‬أنّ‭ ‬إسلام‭ ‬12‭ ‬ألف‭ ‬ياباني‭ ‬خلال‭ ‬شهر‭ ‬واحد،‭ ‬هو‭ ‬رقمٌ‭ ‬مبالغ‭ ‬فيه،‭ ‬فضلًا‭ ‬عن‭ ‬“المبالغة”‭ ‬الخاصة‭ ‬بأنّ‭ ‬إمبراطور‭ ‬اليابان‭ ‬كاد‭ ‬أن‭ ‬يُسلم‭ ‬لولا‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬تأثير‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬شعبه‭.‬

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬فإنّ‭ ‬صالح‭ ‬السامرائي‭ ‬ينفي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الجرجاني‭ ‬قد‭ ‬زار‭ ‬اليابان‭ ‬أصلًا،‭ ‬انطلاقًا‭ ‬من‭ ‬وصفه‭ ‬المُسهب‭ ‬لها،‭ ‬والذي‭ ‬يُؤكّد‭ ‬السامرائي‭ ‬على‭ ‬أنّه‭ ‬وصف‭ ‬شخص‭ ‬لم‭ ‬تطأ‭ ‬قدماه‭ ‬أرض‭ ‬اليابان‭.‬

وبالجملة،‭ ‬فإنّ‭ ‬الشكوك‭ ‬حول‭ ‬صحة‭ ‬رحلة‭ ‬الجرجاوي‭ ‬إلى‭ ‬اليابان‭ ‬لم‭ ‬تقف‭ ‬عند‭ ‬هذين‭ ‬الأمرين‭ ‬فقط،‭ ‬ولكنّ‭ ‬أيضًا‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬سجل‭ ‬الصحافة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت،‭ ‬يتكشّف‭ ‬لنا‭ ‬أنّ‭ ‬المؤتمر‭ ‬كان‭ ‬للحوار‭ ‬والتعاون‭ ‬بين‭ ‬الأديان،‭ ‬وليس‭ ‬كما‭ ‬أخبر‭ ‬الجرجاوي‭ ‬بأنّه‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬دين‭ ‬جديد‭ ‬لليابان،‭ ‬وقد‭ ‬نسج‭ ‬حول‭ ‬ذلك‭ ‬حكاية‭ ‬طويلة‭ ‬بين‭ ‬رجال‭ ‬الحكم‭ ‬اليابانيين‭ ‬ووقوفهم‭ ‬نهايةً‭ ‬على‭ ‬فكرة‭ ‬المؤتمر‭ ‬لاختيار‭ ‬دين‭ ‬جديد‭!‬

في‭ ‬المُقابل‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬تُثبت‭ ‬بعض‭ ‬المواقف‭ ‬وصول‭ ‬الجرجاوي‭ ‬إلى‭ ‬اليابان‭ ‬بالفعل،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬ما‭ ‬ذكره‭ ‬باحثٌ‭ ‬ياباني‭ ‬يُدعى‭ ‬عبد‭ ‬الرحمن‭ ‬سوزوكي،‭ ‬من‭ ‬أنّه‭ ‬زار‭ ‬الفندق‭ ‬الذي‭ ‬ذكر‭ ‬الجرجاوي‭ ‬أنّه‭ ‬أقام‭ ‬به‭ ‬يومين‭ ‬في‭ ‬يوكوهاما،‭ ‬فوجد‭ ‬اسمه‭ ‬بالفعل‭ ‬في‭ ‬سجلات‭ ‬الفندق‭ ‬القديمة‭ ‬وبجواره‭ ‬ختمه‭ ‬الخاص‭. ‬كما‭ ‬أنّ‭ ‬مُؤلف‭ ‬كتاب‭ ‬“عالم‭ ‬إسلام”،‭ ‬عبد‭ ‬الرشيد‭ ‬إبراهيم‭ ‬قد‭ ‬ذكر‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬لقاءً‭ ‬جمع‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الياباني‭ ‬عام‭ ‬19066،‭ ‬وأنّه‭ ‬أخبره‭ ‬بأنّ‭ ‬مصريًا‭ ‬جاءه‭ ‬ليطلعه‭ ‬عن‭ ‬رغبته‭ ‬في‭ ‬إسلام‭ ‬الإمبراطور،‭ ‬لكنّه‭ ‬لا‭ ‬يعلم‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬قابله‭ ‬بالفعل‭ ‬أم‭ ‬لا‭.‬

المصدر‭: ‬ساسة‭ ‬بوست

- عن "المكتبة العامة