رسالة إلى معالي الدكتور المحترم عمر الرزاز وزير التربية والتعليم
كتب : زيد النابلسي
- في الصف الرابع ابتدائي في مدرسة المطران «1980»، دخل علينا أستاذ الدين ذات حصة حُفِرَت في ذاكرتي ولن أنساها في حياتي...
أتذكر إسمه الكامل و أتذكر شكله وأحتفظ بصورة له، فقد دخل تلك الحصة متجهماً وعيناه تلمع بالدموع والجزع وكأنه رأى الجن، فسألناه نحن الأطفال الأبرياء ما الذي فعل بك كل هذا يا أستاذ هلال؟
بدأ على الفور بالضغط على وجناته وعينيه وهو يبلع ريقه ويتمالك نفسه، ثم أخذ يروي قصة عن جارته التي قال لنا أنها توفيت قبل أسبوعين، إلا أنه وأثناء خروجه من بنايته صباح ذلك اليوم، صادفها أمام مدخل البناية التي يسكن فيها وهي مُحَجَّبة على غير ما كان يعرفها!!
نعم، قال أستاذ الدين لتلاميذه الأطفال أن جارتهم المتوفية عادت إلى الحياة بعد أسبوعين من الموت، وكان يروي القصة بكل جدية محتفظاً بذات تعابير الوجه الوَجِلة التي تكاد أن تذرف الدموع من شدة الخشوع...
سأل أستاذنا جارته ماذا رأت في مماتها، فأجابته أنها رأت النساء معلقات من شعرهن على أسياخ من نار، فسألها عن السبب، فقالت إنه عذابهن لأنهن لم يكن محجبات في الدنيا، إلا أن الله منحها فرصة ثانية في الحياة، فقررت عدم خلع الحجاب في حياتها خوفاً من أن يتم ربطها من شعرها بأسياخ من نار...
في حصص الدين وقتها، كان الطلاب المسلمون من الشعبة -أ- ينتقلون عندنا إلى الشعبة -ب- بينما يذهب المسيحيون من شعبتنا إلى زملائهم في الشعبة -أ-، أو بالعكس، فيتاح لنا أن نغير مقاعدنا، وبما أنني كنت دائماً أجلس في الخلف بسبب طولي، كنت أحياناً أحب أن أجرب المقعد الأمامي أثناء حصة الدين...
تَسمَّرت في مقعدي وأنا أسمع هذه القصة العجيبة، فنخن لم نكن نتخيل أو نشك أن الأستاذ المؤتمن على تدريسنا دين الرحمة والصدق بإمكانه أن يكذب على طلابه أو يختلق القصص، فأصابني الرعب وقتها وخفت على والدتي غير المحجبة أطال الله في عمرها، وتخيلتها مربوطة من شعرها على سيخ من أسياخ جهنم...
وكأي طفل كان يعبث بأعواد الكبريت ويعرف كيف يحترق الشعر ويتبخر بسرعة البرق إذا تعرض لأي لهب، سألت أستاذ هلال السؤال التالي:
«أستاذ، كيف تبقى النساء معلقات من شعورهن إذا كان السيخ من نار؟ ألا يحترق شعرهن فيسقطن؟»
وفي لحظتها اختلفت نظرة الأستاذ، وبدأ بالمشي البطيء نحوي في الصف الأمامي وأنا أنتظر الجواب بلهفة، إلى أن وصل إلى حيث أجلس وأنا أحملق فيه النظر قلقاً على مصير والدتي، فما كان منه إلا أن توقف أمامي ونظر في عيني، ثم وجه لي صفعة على وجهي بكل ما آتاه الله من قوة، صفعة لا زالت تدوّي في أذني من شدتها كلما تذكرت هذه الحادثة...
في اليوم التالي، أخذتني أمي إلى الطبيب لتشكو له من انتفاخ خدي الأيسر لانتشار ما كان يسمى مرض «أبو دغيم» وقتها، ولكن الطبيب قال لها هذا لا أبو دغيم ولا ما يحزنون، إبنك ماكل هواية جامدة على راسه وعينه وفي حدا معتدي عليه، وأنا من شدة صدمتي لم أجرؤ أن أعترف لأمي بما حصل معي، فأنا كنت أتعذب أصلاً لما سيسومها هي من عذاب وحرق بسبب شعرها غير المغطى بحجاب...
يا معالي وزير التربية والتعليم الذي نتوسم به خيراً في منصبه الجديد، هكذا تربت أجيال في بلدنا بسبب الغزو الوهابي الذي بدأ في مناهجنا بعد اعتماد كتب أبي الأعلى المودودي كأساس لها في 1974...
فقصتي هذه حصلت في مدرسة المطران المسيحية في عمان الغربية، ولك أن تتخيل ماذا كان يحدث في باقي مدارس الحكومة في مدننا قرانا وأريافنا...
ولهذا اسمح لي أن أقول لك إن الذي اعتدى على خصوصيتك ونشر صورتك الجميلة بالأمس مع عائلتك حفظها الله قد نشأ متأثراً بغسيل دماغٍ لثقافة همجية تقول له أن كل امرأة أو بنت غير محجبة هي إنسانة فاسقة فاجرة سافرة سيعذبها رب العباد ويحرقها بالنار، فهو تم تلقينه أن ينظر نظرة دونية واحتقارية على مثل هذه الصور واللباس والمناسبات التي لا تشبه المجتمع الإنغلاقي المتحجر الذي رسمه له رجال الدين...
تعديل المناهج وحده لا يكفي يا معالي الوزير ولن يحل المشكلة، فأساس الداء هم المعلمون المنغلقون المتزمتون الذين يزرعون الكراهية والخوف في عقول وقلوب الطلبة، ولو أتيت بأفضل منهاج في العالم وكان الأستاذ غارقاً في وهابيته وسلفيته وتعصبه، ما استفدنا شيئاً لأن الصف الدراسي يتحكم به الأستاذ وطريقة عرضه لذلك المنهاج، لا المنهاج نفسه...
الطريق أمامك وعرة ومليئة بالصعاب والتحديات دكتور عمر، إلا أن معركتك معركة مصيرية لا بد من خوضها مهما كلف الأمر، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أجيال هذا الوطن وتخليصهم من براثن الوهابية المقيتة التي تم حشوها في مدارسنا وحان الوقت لمحاربتها واقتلاعها، وآن الأوان لتطهير وزارة التربية والتعليم من آفاتها وشرورها ودعاتها ومحرضيها...
...........
- * عن الصفحة الشخصية للكاتب