مشكلة الحل !
الدكتور يعقوب ناصر الدين
كل أسباب الأزمة الاقتصادية التي يمر فيها بلدنا معروفة للجميع ، والنقاش الذي يدور بيننا عند التقييم الصحيح لمواردنا الطبيعية ، يدور حول ما إذا كانت قليلة أو أقل ، و بالمقارنة مع الدول النفطية ، حيث معيار الغنى هو صادرات النفط الموجود بكثرة في دول عربية ، أو الصادرات الصناعية والتكنولوجية الضخمة ، كما هو الحال لدى الدول الغنية على المستوى العالمي فنحن بلد متواضع الإمكانات !
ولكن الحقيقة الساطعة هي أننا لسنا دولة فاشلة ، أو فقيرة بالمعنى الذي تصنف به دول كثيرة من العالم الثالث ، أو دول كانت غنية بالنفط وتحولت إلى دول فاشلة ، ونحن قادرون على معالجة الأزمات والمشكلات بقدر ما نستطيع ترتيب بيتنا ، ومد أرجلنا على قد اللحاق !
لنتوقف عند ما قاله جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين في مناسبات عديدة ، ومؤخرا في محافظة عجلون حول ضرورة أن تأخذ الحكومة في الاعتبار مصالح الطبقتين الوسطى والفقيرة ، أي ما نسبته 85% من الشعب الأردني ، ذلك أن التقديرات تشير إلى أن نسبة الأغنياء هي في حدود 15% ، وهذا النوع من التوجيه يتعلق حتما بأسعار السلع الأساسية ، والضرائب والرسوم وغيرها ، مما قد تعجز عنها الطبقتان المتوسطة والفقيرة .
نظرة على طبقة الأغنياء وهم ينتمون إلى القطاع الخاص ، وغالبهم يمتلكون ويديرون مصانع ومزارع وشركات تجارة عامة وبنوك ومستشفيات وجامعات ، فهؤلاء يشغلون مئات الآلاف من القوى البشرية التي تندرج في فئة الطبقة الوسطى بسبب إنتاجيتهم ورواتبهم المناسبة ، وطبعا هناك نسبة من الفقراء ، ولكنهم ليسوا على الأقل عاطلين عن العمل .
نسبة الطبقة الفقيرة مساوية إلى حد كبير لنسبة الطبقة الغنية ، ولكن النسبة الأكبر هي شريحة الطبقة الوسطى ، وهي التي تشكل الميزان الحقيقي للواقع الاقتصادي وأثره على المجتمع ، من حيث مستوى المعيشة ، ومتطلبات الحياة اليومية ، وفي الواقع أن كل إجراء حكومي لمعالجة الأزمة الاقتصادية بناء على برنامج الإصلاح الاقتصادي ستمس مصالح الأغلبية ، مهما حاولت الحكومة تخفيف تلك الإجراءات ، وبالتالي فإن توجيه جلالة الملك مبني على أهمية البحث عن البدائل والحلول الإبداعية ، وتنشيط وتيرة النمو الاقتصادي ، وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية ، وتحويل التهديدات
إلى فرص ، وغير ذلك كثير مما يجب أن يتحرك الجميع نحوه بالقوة والقدرات الكافية !
والسؤال الملح في هذه المرحلة هو هل بإمكاننا تبسيط المشكلة بدل تعقيد الحل ، والتقدم خطوة واحدة نحو المكاشفة الشاملة من أجل أن تعيد الحكومة مراجعة بعض ما تظن أنها ثوابت لا يمكن تجاوزها ، والإجابة على كثير من الأسئلة الصعبة حول بدائل الطاقة مثلا ، والاستغلال الأمثل لمواردنا الطبيعية ، أو المردود الحقيقي للقوى البشرية في القطاعين العام والخاص ، ومدخلات ومخرجات التعليم بجميع مراحله ، وغير ذلك مما ندرك أنه متجمد عند نقطة معينة وكأنه قدر محتوم ؟
خيارنا الوحيد هو تجاوز الأزمة ، وانفراجها في أمد قريب ، من خلال إستراتيجية وطنية تساهم جميع الأطراف في صياغتها ، ولا بد كذلك من ثقافة جديدة تجعل الطبقة الوسطى تعيد ترتيب طريقة حياتها وأولوياتها ، تماما كما تفعل الطبقة الوسطى ، حتى في الدول الغنية من ضبط للمصروفات بما يتناسب مع الإمكانات .
أما الطبقة الغنية والميسورة فعليها أن تدرك مسؤولياتها المجتمعية ، وأن تساهم في حل مشاكل الفقر والبطالة ، والحفاظ على الطبقة الوسطى ، فهي كذلك صاحبة مصلحة لأنها الأكثر تضررا إذا تفاقمت الأزمة لا سمح الله ، وفي يقيني أننا قادرون على تجاوزها ، وقد أثبت التاريخ أننا كنا دائما قادرين على تجاوز الأزمات ، عندما نصبح على قلب رجل واحد ، وعندما ندرك القيمة الحقيقية لبلدنا ، نخاف عليه ونحميه كلف ذلك ما كلف .