كيف‭ ‬اخترقت‭ ‬الشوفينية‭ ‬إعلام‭ ‬الأردنيين


أنباء الوطن -

 

كتب‭ : ‬مالك‭ ‬العثامنة

‭- ‬تذهلني‭ ‬هذه‭ ‬البراعة‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬الإثارة‭ ‬من‭ ‬العدم‭ ‬لدى‭ ‬صانعي‭ ‬برنامج‭ ‬‮«‬أراب‭ ‬أيدول‮»‬‭ ‬على‭ ‬شبكة‭ ‬إم‭ ‬بي‭ ‬سي‭.‬

تلك‭ ‬القدرة‭ ‬الفذة‭ ‬في‭ ‬ابتكار‭ ‬ثواني‭ ‬الإثارة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تحمل‭ ‬أي‭ ‬قيمة‭ ‬مضافة‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬مستوى‭ ‬معرفي‭ ‬اللهم‭ ‬إلا‭ ‬اجتراح‭ ‬الصمت‭ ‬وشد‭ ‬الانتباه‭ ‬إلى‭ ‬أقصى‭ ‬حد‭ ‬ممكن‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تقطعه‭ ‬المغنية‭ ‬الإماراتية‭ ‬أحلام‭ ‬كعادتها‭ ‬بتعليق‭ ‬أو‭ ‬مداخلة‭ ‬تعيد‭ ‬المشاهد‭ ‬إلى‭ ‬الفراغ‭ ‬العادي‭ ‬بلا‭ ‬تشويق‭.‬

حتى‭ ‬أحلام‭ ‬نفسها‭ ‬تم‭ ‬ترويضها‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬ضمن‭ ‬مقاسات‭ ‬صناعة‭ ‬الترفيه‭ ‬المدروس،‭ ‬وحسب‭ ‬صديق‭ ‬أثق‭ ‬برؤيته‭ ‬الثاقبة‭ ‬والفاحصة،‭ ‬فإن‭ ‬أحلام‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬وحسب‭ ‬لغة‭ ‬الجسد‭ ‬التي‭ ‬تكشف‭ ‬الكثير،‭ ‬يبدو‭ ‬أنها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموسم‭ ‬من‭ ‬‮«‬أراب‭ ‬أيدول‮»‬‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬تحجيم‭ ‬فلتاتها‭ ‬المعروفة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬إدارة‭ ‬إم‭ ‬بي‭ ‬سي‭ ‬بحزم،‭ ‬ومن‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬سماعة‭ ‬أذن‭ ‬تنقل‭ ‬لها‭ ‬الأوامر‭ ‬مباشرة‭ ‬من‭ ‬غرفة‭ ‬كونترول‭ ‬خاصة،‭ ‬تمنعها‭ ‬من‭ ‬إكمال‭ ‬تعليق‭ ‬أو‭ ‬مداخلة‭ ‬والصمت‭ ‬أحيانا‭ ‬لفترة‭ ‬طويلة‭.‬

لذا،‭ ‬ربما‭ ‬صرنا‭ ‬نلاحظ‭ ‬ان‭ ‬هناك‭ ‬فترات‭ ‬صمت‭ ‬طويلة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتحدث‭ ‬أحلام،‭ ‬وهي‭ ‬فترات‭ ‬صمت‭ ‬ليست‭ ‬كتلك‭ ‬التي‭ ‬تسبق‭ ‬حديث‭ ‬الحكماء‭ ‬بالتأكيد،‭ ‬بل‭ ‬صمت‭ ‬يحمل‭ ‬غيظا‭ ‬واضحا‭ ‬على‭ ‬ملامح‭ ‬وجه‭ ‬أحلام‭ ‬يجعلها‭ ‬تكظمه،‭ ‬وتسكت‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬الكلام‭ ‬غير‭ ‬المباح‭ ‬ولا‭ ‬المتاح‭.‬

حسب‭ ‬صديقي‭ ‬نفسه،‭ ‬فإن‭ ‬رئاسة‭ ‬اللجنة‭ ‬فعليا‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬يد‭ ‬اللبناني‭ ‬الوسيم‭ ‬وائل‭ ‬كفوري،‭ ‬ومجاملات‭ ‬وائل‭ ‬وباقي‭ ‬اللجنة‭ ‬مع‭ ‬احلام،‭ ‬ليست‭ ‬إلا‭ ‬تعويضا‭ ‬نفسيا‭ ‬بدافع‭ ‬الشفقة‭ ‬على‭ ‬سيدة‭ ‬صمتها‭ ‬ضجيج‭ ‬احتجاج‭ ‬مستمر‭.‬

مدافع‭ ‬شرم‭ ‬الشيخ

بشيء‭ ‬من‭ ‬أمل‭ ‬كاد‭ ‬ان‭ ‬يتلاشى،‭ ‬تابعت‭ ‬تلفزيونيا‭ ‬تلك‭ ‬اللحظات‭ ‬المدهشة‭ ‬والاستثنائية‭ ‬حين‭ ‬حكم‭ ‬القضاء‭ ‬المصري‭ ‬ببطلان‭ ‬تسليم‭ ‬جزيرتي‭ ‬تيران‭ ‬وصنافير‭ ‬إلى‭ ‬السيادة‭ ‬السعودية،‭ ‬واعتبار‭ ‬الجزر‭ ‬مصرية‭ ‬السيادة‭.‬

وبين‭ ‬صمت‭ ‬حذر‭ ‬لدى‭ ‬معلقي‭ ‬قنوات‭ ‬الدولة‭ ‬المصرية،‭ ‬وابتهاج‭ ‬معلن‭ ‬لدى‭ ‬قنوات‭ ‬تعارض‭ ‬السيسي،‭ ‬وطبعا‭ ‬استثنائية‭ ‬أحمد‭ ‬موسى‭ ‬صاحب‭ ‬اول‭ ‬تطبيق‭ ‬لنظرية‭ ‬الأواني‭ ‬المستطرقة‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬التلفزيوني،‭ ‬كنت‭ ‬أسرح‭ ‬بذاكرتي‭ ‬إلى‭ ‬زمن‭ ‬كنا‭ ‬ندرس‭ ‬فيه‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬عن‭ ‬التاريخ‭ ‬الحديث،‭ ‬وكانت‭ ‬الإجابة‭ ‬النموذجية‭ ‬للسؤال‭ ‬عن‭ ‬الأسباب‭ ‬المباشرة‭ ‬لقيام‭ ‬حرب‭ ‬حزيران‭ ‬1967،‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬الراحل‭ ‬جمال‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬قرر‭ ‬حينها‭ ‬إغلاق‭ ‬مضائق‭ ‬تيران،‭ ‬فاعتبرت‭ ‬إسرائيل‭ ‬ذلك‭ ‬بمثابة‭ ‬إعلان‭ ‬حرب،‭ ‬فكانت‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭ ‬وراحت‭ ‬فلسطين‭.‬

اليوم،‭ ‬وبفضل‭ ‬الحكمة‭ ‬السياسية‭ ‬السيسية‭ ‬عرفنا‭ ‬جزر‭ ‬تيران،‭ ‬وببحث‭ ‬أكثر‭ ‬نعرف‭ ‬أيضا‭ ‬أن‭ ‬منتجعات‭ ‬شرم‭ ‬الشيخ‭ ‬كانت‭ ‬حينها‭ ‬أيضا‭ ‬مرابض‭ ‬المدفعية‭ ‬المصرية‭ ‬الموجهة‭ ‬نحو‭ ‬إسرائيل‭.‬

فانظر‭ ‬يا‭ ‬رعاك‭ ‬الله‭ ‬إلى‭ ‬التاريخ‭ ‬وتقلباته‭.‬

صاحب‭ ‬الدكانة

تقريبا،‭ ‬وبتجربة‭ ‬شخصية‭ ‬مررت‭ ‬بها‭ ‬تعلمت‭ ‬كيف‭ ‬تتسلل‭ ‬الفيروسات‭ ‬الطائفية‭ ‬والشوفينية‭ ‬إلى‭ ‬الأوطان‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مفاصل‭ ‬الإعلام‭ ‬عبر‭ ‬ثغرات‭ ‬صغيرة‭ ‬تتسع‭ ‬لحجم‭ ‬تلك‭ ‬الفيروسات‭ ‬المؤذية‭.‬

قبل‭ ‬أسبوع،‭ ‬أشار‭ ‬لي‭ ‬صديق‭ ‬في‭ ‬الأردن‭ ‬إلى‭ ‬عنوان‭ ‬منحط‭ ‬نشره‭ ‬دكان‭ ‬إخباري‭ ‬مغمور،‭ ‬يسيء‭ ‬للشعب‭ ‬السوري‭ ‬العظيم‭ ‬بكامله،‭ ‬والعنوان‭ ‬منسوب‭ ‬لرئيس‭ ‬بلدية‭ ‬أردنية‭ ‬زورا‭ ‬و‭ ‬بهتانا‭.‬

المادة‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬البلدية‭ ‬قتلت‭ ‬مئات‭ ‬من‭ ‬الكلاب‭ ‬الضالة،‭ ‬ولكن‭ ‬الدكان‭ ‬الإخباري‭ ‬وبصفاقة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬صاغ‭ ‬العنوان‭ ‬بحيث‭ ‬حشر‭ ‬الهوية‭ ‬السورية‭ ‬فيه‮…‬‭ ‬حاشا‭ ‬لسوريا‭ ‬وأهلها‭ ‬الذين‭ ‬نحن‭ ‬امتدادهم‭ ‬الحضاري‭.‬

طبعا،‭ ‬استفزني‭ ‬العنوان‭ ‬إلى‭ ‬أقصى‭ ‬حد‭ ‬ممكن،‭ ‬ونشرت‭ ‬على‭ ‬صفحتي‭ ‬الفيسبوكية‭ ‬محتجا‭ ‬ومستنكرا‭ ‬ومطالبا‭ ‬بالاعتذار‭ ‬والتحقيق‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المستويات‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الإساءة‭ ‬التي‭ ‬ستحسب‭ ‬على‭ ‬الإعلام‭ ‬الأردني‭ ‬بلا‭ ‬شك‭.‬

تلك‭ ‬التجربة‭ ‬جعلتني‭ ‬أفكر‭ ‬أكثر‭ ‬بما‭ ‬يمكن‭ ‬تسريبه‭ ‬عبر‭ ‬الفضائيات‭ ‬من‭ ‬رسائل‭ ‬خبيثة‭ ‬يتلقاها‭ ‬ملايين‭ ‬المشاهدين‭ ‬العرب،‭ ‬وعن‭ ‬حجم‭ ‬التفاصيل‭ ‬المخفية‭ ‬خلف‭ ‬طروحات‭ ‬الفتنة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬وتلك‭ ‬الأجندات‭ ‬المتنكرة‭ ‬والتي‭ ‬تسكن‭ ‬في‭ ‬زوايا‭ ‬العتمة‭ ‬وتعطي‭ ‬أوامرها‭ ‬بسرية‭ ‬وغموض‭.‬

الارتجالية‭ ‬في‭ ‬برامج‭ ‬الحوار

وقياسا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يبثه‭ ‬عموم‭ ‬الفضاء‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬برامج‭ ‬حوارية‭ ‬خفيفة‭ ‬دم‭ ‬أو‭ ‬ثقيلة‭ ‬دم‭ ‬جدا‭ (‬تحياتنا‭ ‬لبدر‭ ‬صالح‭ ‬وبرنامجه‭ ‬بهذه‭ ‬المناسبة‭)‬،‭ ‬فإن‭ ‬المحتوى‭ ‬الإعلامي‭ ‬العربي‭ ‬قلما‭ ‬يحتفل‭ ‬بغير‭ ‬صناعة‭ ‬النجوم‭ ‬التقليدية‭ ‬لديه،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬شخصيات‭ ‬ذات‭ ‬قيمة‭ ‬مضافة،‭ ‬وهذا‭ ‬القصور‭ ‬مرده‭ ‬غالبا‭ ‬إلى‭ ‬فرق‭ ‬إعداد‭ ‬قاصرة‭ ‬ثقافيا‭ ‬وغير‭ ‬متابعة‭ ‬ولا‭ ‬لديها‭ ‬حافز‭ ‬البحث‭ ‬والاطلاع‭.‬

في‭ ‬الجهة‭ ‬المقابلة،‭ ‬ورغم‭ ‬حجم‭ ‬صناعة‭ ‬الترفيه‭ ‬الضخمة‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربي‭ ‬والأمريكي‭ ‬خصوصا،‭ ‬فإن‭ ‬الإعداد‭ ‬وفرقه‭ ‬جيوش‭ ‬محترفة‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬والمتابعة‭ ‬واقتناص‭ ‬الجيد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬العالم‭.‬

مثلا،‭ ‬برنامج‭ ‬‮«‬دايلي‭ ‬شو‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يقدمه‭ ‬آلان‭ ‬تريفور‭ ‬نواه‭ ‬كوريث‭ ‬شرعي‭ ‬لسلفه‭ ‬جون‭ ‬ستيوارت،‭ ‬استضاف‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي‭ ‬دبلوماسيا‭ ‬عربيا‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات،‭ ‬لفت‭ ‬الانتباه‭ ‬بأناقته‭ ‬ولغته‭ ‬الانكليزية‭ ‬السليمة‭ ‬وذكائه‭ ‬في‭ ‬الحوار‭ ‬في‭ ‬برنامج‭ ‬ساخر‭.‬

السفير‭ ‬عمر‭ ‬سيف‭ ‬الغباش،‭ ‬وهو‭ ‬سفير‭ ‬الإمارات‭ ‬في‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية،‭ ‬تمت‭ ‬استضافته‭ ‬كمؤلف‭ ‬لكتاب‭ ‬موجه‭ ‬للأطفال‭ ‬هو‭ ‬أساسا‭ ‬رسائل‭ ‬من‭ ‬غباش‭ ‬إلى‭ ‬ولده،‭ ‬تتعلق‭ ‬بفهم‭ ‬محتوى‭ ‬التسامح‭ ‬وربطه‭ ‬بالإسلام،‭ ‬وعدم‭ ‬الانزلاق‭ ‬لتضليل‭ ‬التطرف‭ ‬والارهاب‭.‬

لن‭ ‬أخوض‭ ‬في‭ ‬تفاصيل‭ ‬أكثر،‭ ‬المهم‭ ‬وما‭ ‬يعنيني‭ ‬هنا‭ ‬تلك‭ ‬القدرة‭ ‬الاحترافية‭ ‬لطواقم‭ ‬إعداد‭ ‬البرامج‭ ‬الحوارية‭ ‬هناك‭ ‬على‭ ‬التقصي‭ ‬والبحث،‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬الارتجالية‭ ‬والسذاجة‭ ‬التي‭ ‬ننتهي‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬فضائنا‭ ‬العربي‭.‬

‭..................‬

‭- ‬عن‭ ‬‮«‬القدس‭ ‬العربي‮»‬

٭‭ ‬إعلامي‭ ‬أردني‭ ‬يقيم‭ ‬في‭ ‬بروكسل