كيف اخترقت الشوفينية إعلام الأردنيين
كتب : مالك العثامنة
- تذهلني هذه البراعة في خلق الإثارة من العدم لدى صانعي برنامج «أراب أيدول» على شبكة إم بي سي.
تلك القدرة الفذة في ابتكار ثواني الإثارة التي لا تحمل أي قيمة مضافة على أي مستوى معرفي اللهم إلا اجتراح الصمت وشد الانتباه إلى أقصى حد ممكن قبل أن تقطعه المغنية الإماراتية أحلام كعادتها بتعليق أو مداخلة تعيد المشاهد إلى الفراغ العادي بلا تشويق.
حتى أحلام نفسها تم ترويضها على ما يبدو ضمن مقاسات صناعة الترفيه المدروس، وحسب صديق أثق برؤيته الثاقبة والفاحصة، فإن أحلام على ما يبدو وحسب لغة الجسد التي تكشف الكثير، يبدو أنها في هذا الموسم من «أراب أيدول» قد تم تحجيم فلتاتها المعروفة من قبل إدارة إم بي سي بحزم، ومن الواضح أن هناك سماعة أذن تنقل لها الأوامر مباشرة من غرفة كونترول خاصة، تمنعها من إكمال تعليق أو مداخلة والصمت أحيانا لفترة طويلة.
لذا، ربما صرنا نلاحظ ان هناك فترات صمت طويلة قبل أن تتحدث أحلام، وهي فترات صمت ليست كتلك التي تسبق حديث الحكماء بالتأكيد، بل صمت يحمل غيظا واضحا على ملامح وجه أحلام يجعلها تكظمه، وتسكت عن كل الكلام غير المباح ولا المتاح.
حسب صديقي نفسه، فإن رئاسة اللجنة فعليا هي في يد اللبناني الوسيم وائل كفوري، ومجاملات وائل وباقي اللجنة مع احلام، ليست إلا تعويضا نفسيا بدافع الشفقة على سيدة صمتها ضجيج احتجاج مستمر.
مدافع شرم الشيخ
بشيء من أمل كاد ان يتلاشى، تابعت تلفزيونيا تلك اللحظات المدهشة والاستثنائية حين حكم القضاء المصري ببطلان تسليم جزيرتي تيران وصنافير إلى السيادة السعودية، واعتبار الجزر مصرية السيادة.
وبين صمت حذر لدى معلقي قنوات الدولة المصرية، وابتهاج معلن لدى قنوات تعارض السيسي، وطبعا استثنائية أحمد موسى صاحب اول تطبيق لنظرية الأواني المستطرقة في الإعلام التلفزيوني، كنت أسرح بذاكرتي إلى زمن كنا ندرس فيه في المدارس عن التاريخ الحديث، وكانت الإجابة النموذجية للسؤال عن الأسباب المباشرة لقيام حرب حزيران 1967، أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قرر حينها إغلاق مضائق تيران، فاعتبرت إسرائيل ذلك بمثابة إعلان حرب، فكانت تلك الحرب وراحت فلسطين.
اليوم، وبفضل الحكمة السياسية السيسية عرفنا جزر تيران، وببحث أكثر نعرف أيضا أن منتجعات شرم الشيخ كانت حينها أيضا مرابض المدفعية المصرية الموجهة نحو إسرائيل.
فانظر يا رعاك الله إلى التاريخ وتقلباته.
صاحب الدكانة
تقريبا، وبتجربة شخصية مررت بها تعلمت كيف تتسلل الفيروسات الطائفية والشوفينية إلى الأوطان من خلال مفاصل الإعلام عبر ثغرات صغيرة تتسع لحجم تلك الفيروسات المؤذية.
قبل أسبوع، أشار لي صديق في الأردن إلى عنوان منحط نشره دكان إخباري مغمور، يسيء للشعب السوري العظيم بكامله، والعنوان منسوب لرئيس بلدية أردنية زورا و بهتانا.
المادة تتحدث عن أن تلك البلدية قتلت مئات من الكلاب الضالة، ولكن الدكان الإخباري وبصفاقة غير مسبوقة صاغ العنوان بحيث حشر الهوية السورية فيه… حاشا لسوريا وأهلها الذين نحن امتدادهم الحضاري.
طبعا، استفزني العنوان إلى أقصى حد ممكن، ونشرت على صفحتي الفيسبوكية محتجا ومستنكرا ومطالبا بالاعتذار والتحقيق على كل المستويات في هذه الإساءة التي ستحسب على الإعلام الأردني بلا شك.
تلك التجربة جعلتني أفكر أكثر بما يمكن تسريبه عبر الفضائيات من رسائل خبيثة يتلقاها ملايين المشاهدين العرب، وعن حجم التفاصيل المخفية خلف طروحات الفتنة في العالم العربي، وتلك الأجندات المتنكرة والتي تسكن في زوايا العتمة وتعطي أوامرها بسرية وغموض.
الارتجالية في برامج الحوار
وقياسا إلى ما يبثه عموم الفضاء العربي من برامج حوارية خفيفة دم أو ثقيلة دم جدا (تحياتنا لبدر صالح وبرنامجه بهذه المناسبة)، فإن المحتوى الإعلامي العربي قلما يحتفل بغير صناعة النجوم التقليدية لديه، من دون البحث عن شخصيات ذات قيمة مضافة، وهذا القصور مرده غالبا إلى فرق إعداد قاصرة ثقافيا وغير متابعة ولا لديها حافز البحث والاطلاع.
في الجهة المقابلة، ورغم حجم صناعة الترفيه الضخمة في الإعلام الغربي والأمريكي خصوصا، فإن الإعداد وفرقه جيوش محترفة في البحث والمتابعة واقتناص الجيد في كل مكان في العالم.
مثلا، برنامج «دايلي شو» الذي يقدمه آلان تريفور نواه كوريث شرعي لسلفه جون ستيوارت، استضاف الأسبوع الماضي دبلوماسيا عربيا من دولة الإمارات، لفت الانتباه بأناقته ولغته الانكليزية السليمة وذكائه في الحوار في برنامج ساخر.
السفير عمر سيف الغباش، وهو سفير الإمارات في روسيا الاتحادية، تمت استضافته كمؤلف لكتاب موجه للأطفال هو أساسا رسائل من غباش إلى ولده، تتعلق بفهم محتوى التسامح وربطه بالإسلام، وعدم الانزلاق لتضليل التطرف والارهاب.
لن أخوض في تفاصيل أكثر، المهم وما يعنيني هنا تلك القدرة الاحترافية لطواقم إعداد البرامج الحوارية هناك على التقصي والبحث، على عكس الارتجالية والسذاجة التي ننتهي إليها في فضائنا العربي.
..................
- عن «القدس العربي»
٭ إعلامي أردني يقيم في بروكسل