الدرس المفيد ! الدكتور يعقوب ناصر الدين
الذين التقى بهم جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين يوم الأربعاء الماضي يمثلون وجهات نظر وطنية أكثر مما يمثلون تيارا معينا ، فهم في الحقيقة أصحاب خبرة في الشؤون العامة ، ولهم تجربتهم سواء في مناصبهم العليا أو في التجربة الحزبية ، وحديث جلالة الملك إليهم أو من خلالهم هو منهج دأب عليه جلالة الملك ، سنة حميدة للنظام الهاشمي منذ تأسيس الدولة على يد الملك عبدالله الأول طيب الله ثراه .
ودائما كانت الفرصة متاحة للحاضرين قد يدلوا بآرائهم ، وتصوراتهم حول القضايا التي يعرضها جلالة الملك أمامهم ، من أجل أن يتحقق مبدأ المشورة الوطنية ، الذي هو أحد أهم المبادئ التي تقوم عليها العلاقة بين الملك وشعبه وفي جميع المستويات ، وبالتالي ربط قنوات الاتصال التي تكسر الحواجز ، وتعزز النقاش والآراء بمسؤولية عالية .
وتلك اللقاءات معلنة بصفة عامة ، وما يقوله أو يشرحه جلالة الملك يسمعه الرأي العام ويراه ، ويستخلص منه النتائج كما هو الحال للقاء الأربعاء الماضي الذي حمل في مضمونه قدرا مريحا من التطمينات المتعلقة بقوة الدولة وسلامة حدودها ، حيث قواتنا المسلحة قادرة على التعامل مع الوضع على حدودنا الشمالية بجاهزية عالية ، وأجهزتنا الأمنية تحقق نجاحا في مقاومة الإرهاب ، في الوقت الذي يؤكد جلالته عزمه على مواجهة التحدي الاقتصادي ، والتصدي لمشكلتي الفقر والبطالة .
جلالة الملك شدد على دور القطاع الخاص في توفير فرص العمل ، والمساهمة في زيادة النمو الاقتصادي ، وتضافر الجهود لتخفيف الأعباء على المواطنين ، ولاسيما الطبقتين الفقيرة والوسطى ، ولفت الانتباه إلى أن أولوياتنا هي مصالحنا الوطنية ، وفي ذلك ما يستحق التأمل والتدبر ليكون الدرس مفيدا للجميع .
ذلك هو النموذج الذي يستحق أن نقتدي به ، وفي مقدمتنا الحكومة من أجل تحقيق مبدأ التشاور واستطلاع آراء المختصين والخبراء والمعنيين في كل شأن ، ولا ينقص من قدر أي مسؤول أن يستشير " فما خاب من استشار " خاصة وأننا ندرك بحكم التجربة أن القرارات الفردية ، والفصاحة الشخصية قادتنا إلى أخطاء فادحة ، وسياسات فاشلة ، دفعنا ثمنها غاليا !
لقد تحدثنا طويلا عن الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص على سبيل المثال ، وأكاد أجزم أننا لم نضع آلية لتلك الشراكة إلى يومنا هذا ، وتلك الشراكة تحتاج إلى مشورة لوضع الآلية ، وتحديد المنطلقات والأولويات ، وفق إستراتيجية وطنية توصلنا إلى ما يدعو إليه جلالة الملك من شراكة تتيح للقطاع الخاص مزيدا من النهوض والإنتاج ، وفتح أبواب جديدة لفرص العمل أمام القوى العاملة الأردنية ، وخاصة الشباب من خريجي الجامعات والمعاهد الذين يمكن إعادة تأهيلهم بما يتوافق مع طبيعة الإنتاج والتنمية الشاملة !
وما الذي يمنعنا من فتح قنوات الاتصال بين كل وزارة وما يقابلها من قطاعات وخبرات وهيئات وجمعيات وغرف تجارة وصناعة وزراعة ، وغيرها مما يعيد بناء العلاقة على أساس أن جميع الأطراف هي في الحقيقة طرف واحد يفهم ويعمل في سبيل الوصول إلى تحقيق مصالحنا الوطنية التي أشار إليها جلالة الملك ؟
لا يجوز أن يكون لدينا هذا النهج العظيم في التواصل بين القائد والشعب ، وهذه الرغبة القوية من القوى الوطنية كي تتشارك مع الحكومة ومع مجلس الأمة أيضا في معالجة التحديات ، وتحقيق النمو الاقتصادي ، والسلم الاجتماعي ، ولا نتعلم الدرس المفيد الواضح في مضمونه وأبعاده ومعانيه !