أنا ايضا؛ مع المقاطعة
كتب : علي عبيدات
لا وقت للكتابة! لا وقت للهذر واستهلاك المخزون اللغوي، سيقولُ قائلٌ: «اللعنة على الحكومة»، وسيقول الكاتب الذي يظن الناس بانتظار رأيه: «المواطن مُتعب..كفى»، ويكررُ بهذا قولةَ إمام الجمعة أو الخوري بينما يحاول الناطقان أن يجمعا شتات المجتمع بثوب الدين خوفًا من الإنفلات والاضطراب، لأن الأردنيين على ثقةٍ تامةٍ ببيت العبادة. بيت العبادة المليء بالهواء البارد -صيفًا- ومثله هواءٌ ساخنٌ يصحح عظام المصليين وقت الصلاة ويزيد برودتهم في بيوتهم الفقيرة لأن جاهلًا أطفأ النار وألف عاقل لا يشعلون جذوة.
كتابةٌ عن النارِ والماءِ والطعام! ماذا يقدمُ الكاتبُ للخمسيني الأردني الذي أدخل بطاقة الصراف الآلي عشرين مرةً في مخبأ المال، ولا حياة لمن تنادي! ماذا ستقدمُ الكتابة لأرملةٍ أردنيةٍ ينقصها خمسين دينار لتكمل رسوم ابنها الجامعية!.
ماذا ستقدمُ الكتابة والفذلكة اللغوية لعامل البناء والحلاق وسائق مركبة الأجرة ومصلح الأحذية وفني المركبات وملايين الأردنيين الذين لا تربطهم أدنى علاقة بزيادة راتب الموظف الحكومي بعض الدنانير! ماذا ستقدمُ الكتابة والإنشاء لطفل أردني مريض منعوا عنه الاعفاء الطبي ويُلِحُّ على أبيه مكررًا: «حكيتلي بدي اعمل عملية لعيوناتي واشوف زين بعدها»!
الكتابةُ مفيدةٌ، عمود في الرأي يكسب منه الخبير الاقتصادي الآف الدنانير كل شهر، وتقدمُ للكاتب الساخر ألفًا أخرى، وللإعلامية التي تتقاضى راتب جيش من النساء العاملات في صندوق المرأة أو صاحبات العجين الممدد في قرية بعيدة تصرف لهن التنمية حفنة دنانير كل شهر، أو مثل الاعلامي الذي يتقاضى راتب فرقة عسكرية. والكتابةُ نافعةٌ للإعلامية التي تفوقت على قناة «فتافيت» بطبيخها الوطني.
الكتابةُ مفيدةٌ خارجَ نطاق الأمهات الواقفات في مستشفى أيدون، والرجال المخضبين بألوان غطاء الرأس الأردني وهم يجلسون على أبواب شاحناتهم بانتظار مرور موظف الجمرك.
الكتابةُ بعيدةٌ عن خشخشة العملة في يد محصل الأجرة الأردني من جبل التاج، في باص وطني تفوحُ منه رائحة خبز خرجَ من الفرن توًا، مثل قلبي.