الحكومة تغولت على سلطة الأمة والنواب غايب فيلة
أقدم مجلس الوزراء الاربعاء الماضي بما أصدره من قرارات قاسية تضمنت رفعا للضرائب والرسوم وبدلات الخدمة على انتهاكات دستورية بحق الشعب الاردني وسلطته التي يمثلها مجلس الأمة.
فالحكومة استمرأت تعديل نسب الضرائب والرسوم ارتفاعا وهبوطا وتحديد ماهية السلع التي تطالها عبر تعديل النظم والتعليمات المستندة الى قوانين اقتصادية يقرها مجلس الأمة، والأصل أن هذه الصلاحية هي صلاحية الامة وحدها ممثلة بمجلس الأمة الذي يفترض ان تعود اليه الحكومة بمشاريع قوانين معدلة عند تعديل نسب الضرائب والرسوم والسلع والخدمات التي تطالها، أما الاكتفاء بتعديل النظام او التعليمات دونما عودة الى مجلس الامة فما هو الا انتهاك صريح لنص المادة 111 من الدستور التي تنص على انه لا تفرض ضريبة ولا رسم الا بقانون، وهو ما يجعل هذه القرارات غير دستورية، حتى ان حدث ووجد نص معيب هنا او هناك في قوانين تفوض بها مجالس سابقة صلاحياتها في تعديل الضرائب والرسوم للسلطة التنفيذية، سواء في ضريبة المبيعات او الجمارك او الاقامة وشؤون الاجانب او جوازات السفر، فإن هذه النصوص معيبة ويفترض أن تتصدى لها المحكمة الدستورية، فمجلس الأمة لا يجوز ان يفوض صلاحياته للحكومة والا هدم ركنا دستوريا في مفهوم سلطة الأمة والعلاقة بين السلطات الثلاث ودور كل منها واصبح حله واجبا، فمن يأبى ممارسة سلطاته في التشريع ويحولها الى سلطة التنفيذ هو غير جدير بها بالاساس.
لقد حددت المادة 111 من الدستور قواعد عند فرض الضرائب والرسوم عبر قوانين يقرها مجلس الامة وليس نظم وتعليمات تنفرد بها الحكومات المعينة، منها ان تتلاءم مع قدرة المكلف بالاداء وان لا تتجاوز حاجة الدولة الى المال، ومنها ايضا تصاعدية التكليف بحسب تلك القدرة على الاداء، وقد انتهكت الحكومة بقراراتها الاخيرة هذه القواعد الدستورية كلها، فضريبة المبيعات العامة والخاصة تلقي بالحمل على الجميع فقراء واغنياء ومتوسطي الدخل دون تمييز ، ورفعها بهذه الطريقة وبنسب تتجاوز 100% بل و 400% على بعض السلع والخدمات هو عبث بمعيشة المواطنين وبالنمو الاقتصادي ذاته، الذي سيتهاوى الى منحدر اعمق مما كان فيه طيلة سبع سنوات عجاف هرب فيها الاستثمار المحلي من السوق، وتدنت مستويات السيولة حتى انعدمت في يد الاكثرية، وتراجع الانفاق الاستهلاكي والاستثماري جراء سياسات غير رشيدة وتذبذب في التشريعات أفقد البعض الثقة في الحكومة فخبأ ماله في ودائع بنكية وأحجم عن الاستثمار، في حين القى بالكثير من المواطنين الى قاع الياس او غياهب السجون وحولهم الى مجرمين تطاردهم دوائر التنفيذ القضائي لعجزهم عن سداد الديون، ودفع ببعضهم الاخر الى الانتحار أوقتل كل افراد الاسرة هربا من ألم الحاجة.
والامر ذاته ينطبق على رفع رسوم جوازات السفر بنسب تتجاوز 150% و 500% في حين ان حق الحماية هو حق أممي كفله ميثاق الأمم المتحدة والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية واتفاقية حق الطفل لكل طفل وفرد على سطح الكرة الارضية، ومن حق المواطن الاردني ان يحظى بوثيقة تثبت انه من رعايا دولته بتكاليف لا تتجاوز كلفة اصدار تلك الوثيقة، لا ان تتحول هذه الوثيقة الى مصدر للجباية يهدد قدرة المواطن في الحصول عليها بالاساس لاثبات حقه في الحماية. وحتى حين تقدم الدول على رفع سعر اي خدمة او سلعة عبر رفع الضريبة او الرسم او بدل الخدمة فإن هذه الرفوعات تكون تدرجية ولا تأتي عبر قفزات رهيبة كتلك التي استمرأت الحكومات الاردنية القيام بها.
لقد حطمت قرارات الحكومة كل القواعد الدستورية، فما فرضته مؤخرا من رسوم وضرائب على المحروقات والاتصالات وغيرها من سلع وخدمات اساسية يتجاوز قدرة غالبية المكلفين على الاداء، هذا ناهيك عن التعرفة الخرافية للكهرباء التي باتت بحد ذاتها مصدر القلق الاساس في كل بيت أردني. أما اقدامها على اقتطاع مبلغ 10% من رواتب موظفي القطاع العام التي تتجاوز الالفي دينار دونما تعديل لقانون ضريبة الدخل فما هو إلا تجاوز آخر على الدستور وأي منطق قانوني سليم.
لقد أثبتت مرارا في ندوات متلفزة أن الحكومة ليست بحاجة الى فرض هذه الضرائب والرسوم الاضافية لجني مزيد من الاموال ، وأن عجز الموازنة وهمي، والتوسع في الاقتراض غير مبرر وغير رشيد، وقد أثبتت تقارير ديوان المحاسبة بأن هناك هدرا كبيرا في المال العام قدره امين عام الديوان في ندوة عقدت بغرفة التجارة بستمائة الى سبعمائة مليون دينار لعام 2016، هذا عدا عن بند نفقات اخرى بقيمة 414 مليون دينار الذي خصصته وزارة المالية لنفسها لعام 2017 والذي لا يعرف اين وكيف سيصرف ولمن؟ ومبلغ 230 مليون دينار معونة نقدية متكررة لم تصرف للاعوام 2015 و2016 ومنتصف 2014، وسيضاف اليها 90 مليون اخرى للعام 2017 لن تصرف ايضا لمستحقيها لأن سعر برميل النفط لم يتجاوز 100 دولار بحسب قرار مجلس الوزراء السابق، هذا عدا عن قرارات محاكم قطعية بمستحقات ضريبية تتجاوز 4 مليارات بحسب تقرير ديوان المحاسبة الرابع والستين، وهذا يثبت ان الحكومة أمامها طرق متعددة لجمع المال ووقف الهدر دونما حاجة الى رفع الضرائب والرسوم والبدلات.
إنني أطالب مجلس الأمة بالتصدي للحكومة في هذه القرارات وإلغائها ، والاصرار على حقه في الاتيان بمشاريع قوانين معدلة لضريبة الدخل وضريبة المبيعات وجوازات السفر وشؤون الاقامة والاجانب وأي قوانين أخرى تقع في دائرة الرفوعات، وإلا فإن عليه أن يرحل غير مأسوف عليه إن كان عاجزا عن القيام بأبسط مهامه وهي الدفاع عن دوره الدستوري، وعن حق الشعب الذي وكله، ويا له من توكيل!!!
** جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط