هل يحل تأميم الأردن للجوامع مسألة التطرف؟
كتب : مالك العثامنة*
تبتكر أوروبا المدهش دوما، حتى في الرقص على جراحها، التي لم تلتئم بعد، فاليوم، الأربعاء، تخرج وسائل الإعلام كلها بقضها وقضيضها معلنة أن بروكسل ستحيي الذكرى الأولى لتفجيرات العام الماضي الإرهابية في مطارها ومحطات المترو بدقيقة «ضجيج»، لا دقيقة صمت على ما درجت عليه عادة المؤبنين.
قررت المدينة أن تبعث رسالة مفادها أن قلب أوروبا نابض بالحياة، أقصى الحياة ما استطاعت إليها سبيلا، وللتعبير عن هذا النبض، قررت المدينة أن تخصص دقيقة في اليوم، هي دقيقة ضجيج، حيث ستطلق السيارات والقطارات والباصات وحافلات الترام وأجهزة الإنذار العامة أبواقها وتنبيهاتها الصوتية في الدقيقة المحددة ذاتها!
دقيقة الضجيج تلك ستكون مميزة في بلد لا يألف الساكنون فيه الضجيج أصلا، وزامور السيارات حالة نادرة، وهو ما يجعلني أفكر بتلك الأسبقية العربية في الابتكار، فالضجيج الصوتي في شوارع المدن العربية هو في كل دقيقة، وأبواق السيارات هي عنوان النهارات اليومية، وفي التفكير بالحكمة في ذلك ومع المقارنة بقرار بروكسل أكتشف أن العقل الباطن العربي، وبلا وعي (لأن وجود الوعي نادر أصلا)، ابتكر فكرة ضجيج كل دقيقة، فالإرهاب والدم الذي يصبغ وجه العالم العربي لا يمكن تأطيره بلحظة ذكرى محددة، فكل ساعة معينة في أي يوم من أيام الأسبوع هنالك ذكرى فَقِد، أو تيتم أو ترمل مستمرة.
كم انت كبير أيها «اللاوعي» العربي.
البرلمان المصري ولونه الـ«بمبي»
وعلى قنوات تبث طرائف المساخر العربية في ألقها، يتوارد فيديو مداخلة سريعة لبرلماني مصري اسمه سعيد شبارك، يطلب إلقاء مداخلة سريعة مكتوبة على ورق أمام المجلس المصري العريق بتاريخه المأسوف على حاضره، فتكون ابتهالات حمد وشكر لله على وجود السيسي مبعوث العناية الإلهية لمصر، والعطف بالحمد لله على انتصار ترامب التاريخي في أمريكا وهزيمة هيلاري وأوباما، وانتهاء حكم «المسيح الدجال»، ويبدو أن سعيد الله يسلمه يقصد حكم الرئيس السابق محمد مرسي، مما يجعل السيسي بالضرورة التاريخية حسب الإسقاط، قد أقام مملكة السماء المنشودة!!
ثم ينهي سعيد الله يسلمه لمجلس النواب، بالحمد على انتهاء السبع العجاف!! على أساس طبعا أن المصريين الآن في السبع السمان و»الدنيا بمبي بمبي» على رأي الراحلة سعاد حسني.
حين أرى إلى أي درك وصل بمصر الحال، أتوجع، وهي التي صدرت للعالم العربي فقه القانون الدستوري، وكان في هذا المجلس وعلى سدة رئاسته رجل بحجم الدكتور صوفي أبو طالب مثلا.
دوما، يخطر ببالي بيت شعر قديم لماجد المجالي، كلما توجع القلب على مصر، أردده بيني وبين نفسي حين يقول: والنيل في مصر ما خانته عادته…. وخائن العهد قد يغتاله الهرم.
مذيع «بي بي سي» والزوجة الخادمة!
من أطرف ما يجود به الفضاء التلفزيوني تلك العثرات، التي لا يمكن برمجتها، لكنها تكسر رتابة الأحداث، وتكشف الإنسان بكل عفويته أحيانا.
قبل فترة، أجرت «بي بي سي» حوارا مع البروفيسور روبرت كيلي، وهو خبير في الشأن الكوري، وكان اللقاء عبر «سكايب»، من غرفة مكتب البروفيسور الخبير والمتأنق بربطة عنقه، وبينما هو على الهواء، يتحدث بتركيز شديد، يتفاجأ المشاهدون حول العالم جميعا بباب مكتبه يفتح، وطفل صغير يدخل ويتجه إلى أبيه البروفسور، وعلى الهواء مباشرة وتحت حرج واضح عند الأب، الذي حاول دفع ابنه للخلف ويواصل الحديث معتذرا، تدخل عربة أطفال عليها رضيع ليكتمل المشهد بعفوية كوميدية بدخول الأم، التي اقتحمت المشهد بركض وزحلقة ثم زحف على الأرض في فانتازيا كوميدية ولا أحلى.
«بي بي سي»، أجرت حوارا لاحقا مع كيلي وعائلته، ولم يخل اللقاء من تلك اللمسات العفوية للأطفال النجوم أنفسهم، لكن المؤسف حسب كيلي وحديثه في اللقاء، هو هذا الكم الهائل من التعليقات، التي جرحته وزوجته، وهي التي افترضت أن زوجته هي الخادمة، فقط بسبب ملامحها الآسيوية.
عدت لموقع «بي بي سي» والفيديو الأصلي، لأصدم بهذا الكم الهائل، من التعليقات الجارحة جدا، لا لاعتبار الزوجة خادمة، بل لتلك النظرة العنصرية البشعة، التي يحملها الكثير نحو مفهوم «الخادمة».
هل أفاجئ أحدا لو قلت إن أغلب التعليقات التي تحتقر مفهوم «الخادمة» كانت لمعلقين عرب؟!
مكافحة الإرهاب في الأردن بالفازلين
قررت الحكومة الأردنية في سياق تصديها للإرهاب والفكر المتطرف، أن تعمل على تأميم خطبة الجمعة، وتعلن جوامع المملكة شركة حكومية عامة!
ما زلت أرى في تلك القرارات ما يشبه وضع مرهم «فازلين» على ورم سرطان، دون أدنى تفكير بمحاربة الورم وخلاياه التي تنتشر مع الوقت الضائع عبثا بقرارات حكومية مثل تلك، بل إن مراهم من هذا النوع قد تحفز الخلايا السليمة على التشوه والتسرطن.
في التجارة عموما، ومع أي سلعة، بما فيها الدين نفسه، فهناك تجارب واضحة النتائج، فقد أثبتت مثلا، أنه حين منعت الحكومات السجائر المستوردة في زمن مضى، ازدهرت تجارة تهريب السجائر الأجنبية، التي نافست المحلية بقوة، وصارت لدينا في الأردن حينها سوق موازية للدخان.
احتكرت الدولة البترول ومشتقاته من وقود.. وصارت في الأردن على أي منطقة حدودية مع السعودية او العراق، مراكز وقود مهرب، وسوق موازية للبترول.
بناء عليه: إذا حددت الحكومة خطبة الجمعة وأممتها واحتكرتها، حسب مزاج موظف نصف أمي نصف جاهل، فقد نواجه غدا سوق جوامع موازية والأئمة من الخطباء أغلبهم «تهريب» من حيث يأتينا البترول المهرب نفسه.
نعم، هنالك تطرف وفكر سلفي مرفوض ينتشر، معالجته لا تتم بقرارات ساذجة، بل بخطة تنمية شاملة تعالج الفقر والقهر، وتنشر الوعي بشكل تكتيكي واستراتيجي.
المعركة قبل كل شيء معركة وعي، وهي عميقة جدا.
..................
* إعلامي أردني يقيم في بروكسل