5 نصائح تساعدك في تجاوز صعوبات الثقة في النفس
– ترجمة: رامي بديار
إنه لأمر غاية في الصعوبة أن يتمكن الإنسان في هذا العصر الصعب من التكيف مع متطلبات العيش وفقا لمعايير ومتطلبات الحياة العصرية. حيث أصبح عالمُ اليوم أشبه ما يكون بحلبة الصراع التي ينزلها ملايين البشر كلّ صباح لبلوغ معاييرَ صعبة المنال وأبعد ما تكون عن الواقعية، ليجني هؤلاء في نهاية اليوم الكثيرَ من الخيبة المشوبة بالقلق، وحين تتفق الخيبةُ والقلق على حربِ مَن هو عُرضة للنقد، فإنّ تلاشي ثقته بنفسه –أو ما تبقّى منها سليمًا حتى تلك اللحظة- لا يعدو أن يصبح مسألة وقت.
دعني بداية أخبرك عزيزي القارئ أنّك لستَ مُطالبًا بأن تُضحّيَ بثقتك بنفسك في سبيل أن تنسجم مع جُملة من القوالب الجائرة التي يُراد لها أن تجعل منك مسخًا عديم الهويّة – أنت بلا شكّ أفضل من هذا. حينما يتعذّر عليك أن تجد لك مكانًا ضمن تلك القوالب فتلك لربما الإشارة بأنّه حان وقت البحث عن مقاييس أخرى لتقييم قدراتك، ولكن لنبدأ الرحلة من بداياتها، متزوّدين بهذه النصائح الخمس:
1- لا ضرر في توضيح بعض المفاهيم العلمية:
لا يوجد إجماع بين علماء النفس حول ماهية “الثقة بالنفس”، ولكن ثمّة نوع من التوافق بينهم حول بعض المفاهيم. دعنا بداية نُشير إلى الفرق بين مصطلحي “تقدير الذات” و “الثقة بالنفس”. ببساطة، فإنّه كلّما زاد اعتزازك بشخصك كلّما نما تقديرك لذاتك وكلما ازدادت ثقتك بنفسك.
لتقدير الذات صورٌ تتفرّع بتفرّع الأدوار الحياتية التي نلعبها، وتختلف صور تقدير الذات باختلاف منسوب ما يختلجنا من مشاعر الرضا عن أدائنا ضمن كلّ دور من تلك الأدوار، كدورنا في الوسط العائلي مثلًا، أو اسهاماتنا مع فريق العمل، علاقاتنا العاطفية أو دورنا كأفراد في المجتمع.
لابدّ إذًا من وجود مواقعُ متفاوتة لصور تقدير الذات المتنوّعة على سُلّم الأولويات الخاصّ بنا، ذلك أنّ جوانب حياتنا المختلفة ليست على نفس القدر من الأهمّية. حينما يفشل طباخ ماهر بعد ساعات من العمل الدؤوب في إعداد وجبة محترمة فإنّ أحاسيس الخيبة ستلازمه برهة من الزمن؛ أمّا عندما يضطر أعزب لتناول “خبز بالجبنة” بعد أن يكون قد أحرق ما كان سيعدّه للعشاء فإنّه سيتذكّر التجربة برمّتها على أنّها مادّة للتندّر والطرفة.
ليست سلوكياتنا وحدها هي ما يحدّد تقديرنا لذواتنا، حيث أنّنا نتأثر بكمّ لا حصر له من الأحداث الصغيرة الخارجة عن سيطرتنا، كأن نستيقظ صباحاً لنتفاجأ بالبثور الذي قرّر فجأة أن “يزيّن” وجهنا، أو أن يختار شعرُنا صبيحة ذات اليوم حرماننا من امتياز تسريحه بالشكل الذي نُحب، أو عندما تنهال علينا عبارات المديح أو أن يطول انتظار تلك العبارات دون أن تطرق لنا بابًا.
أحدُ الحقائق الجديرة بالاهتمام كذلك هي أنّ “النرجسية” لا تعني مُطلقًا بلوغ أعلى درجات الثقة بالنفس. الإنسان النرجسي هو شخص عاطفي ومرتبك بطبعه يعشق أن تُسلّط عليه جميع الأضواء ويذبُل كلّما قلّ مقدار ما يحصل عليه من اهتمام، ما يجعله دائم الشكّ في قدراته. يفتقر النرجسي للاستقرار العاطفي ويتقلّب مزاجه متأثرا بتقلّبات الوسط الذي يعيش فيه وبحسب ردود الأفعال على أفعاله وسلوكياته.
وعلى العكس من ذلك، نجدُ أنّ الأشخاص الذين يقلّ تقديرهم لذواتهم لا يستقبلون ردود الأفعال الايجابية بكثير من الحماسة، فيما يتأثّرون سلبا بما يتلقّونه من ملاحظات سيّئة. حتّى حينما يسعى أحدُهم لإبداء شيء من التقدير نحوهم وأن يُشعرهم ببعض الرضا عن أنفسهم، فإنّهم سُرعان ما يُترجمون هذا التصرّف على أنّه شكلٌ من أشكال اظهار الشفقة.
تتدخّل “الوسطية” هنا لتقترح نفسها كحلٍّ لهذه المعضلة. المجدُ كلّ المجد لمن كان تقديره لذاته راسخًا لا تزعزعه الاضطرابات العابرة، سُعداء الحظّ هؤلاء هم وحدهم من يُدرك شعور الثقة بالنفس.
2- ضع اصبعك على مكمن الجرح:
إذا كنت قد واصلتَ القراءةَ حتّى هذه النقطة، فلا شكّ في كونك قد استشعرتَ بأنّ احدى الحالات المذكورة آنفاً تصفُ وضعَك الراهن إلى حد ما. الغايةُ من هذه الملاحظة هو أن نلفت انتباهك إلى أنّ التأمّل هو سلاحُك الذي لابدّ أن تلجأ إليه إن أردتَ ايجاد حلول لمشكلة ثقتك في نفسك؛ وحدَه التأمّل سيُمكّنك من تحديد منبع المشكلة والتعامل معها.
يُفترض بك إذًا أن تخصّص وقتًا للجلوس إلى نفسك و”إلقاء القبض” على ذلك الجانب من جوانب حياتك الشخصية الذي يُؤرّق وجودك ويجعله على هذا القدر من التعاسة. لربّما ستكتشف أنّ تجاهلك لأصحابك خلّف عندك شعورًا بالذنب والأنانية، أو لربّما تكون قد أحسست بأنّك لا تصلح للعب دور الأبوّة بعد أن تخلّفت عن حضور إحدى مباريات ابنك أو حفلاته الموسيقية؛ لعلّك بدأت تشكّ في مهارتك كموظّف بعد أن أخفقت مرة أو مرتين في الانتهاء من مهامك في الوقت المطلوب.
ما عليك والحال تلك سوى أن تُراعي أواصر الصُحبة التي جمعتك بأصدقائك وأن تقضي المزيد من اللحظات الجديرة بالذكرى مع أهلك وأن تبذل جهدًا أكبر في العمل، مارس هذه “الطقوس” بانتظام وستتحسّن مشاعرُك حيال نفسك بعد فترة معقولة.
3- اعتزّ بقُدُراتك المميّزة:
كلّنا نعرف ذلك الشخص الواثق الذي يُنهي كلّ ما يُطلب منه في ميعاده دون أن تسمع له تأفّفاً، بل أكثر من ذلك: يبدو كمن قد طوّر مناعة ضدّ التعب. دعنا نعترف أنّ الحظّ ربمّا يكون قد عقد مع هذا النوع من الأشخاص حِلفًا أزليًا منذ مجيئهم إلى الدنيا، ولكن دعنا أيضًا نشير إلى جزئية مهمّة: لعلّ قدرات هؤلاء تتلاءم وقوالب الحياة العصرية أكثر من قدراتك أنت.
لستُ هنا بصدد أن أجرّد تلك الثلّة من المميّزين من أي فضل فيما وصلوا اليه بجهدهم وعرقهم، أودّ فقط أن أنبّه أنّه لربمّا كانت قُدُراتهم تجعل من اليسير عليهم أن يتأقلموا، بل ويتألّقوا، في الأجواء العادية ليظهروا بمظهر المتمكّن الناجح؛ فيما يلزمك أنت أن تبحث عميقًا لتتعرّف على قُدُراتك، وحين تنجح في ذلك المسعى وتنمّي ما في جُعبتك من قدرات فريدة، لن يبقى أمامك سوى أن تبحث عن الجو المناسب لإظهارها وكتابة سطور تألّقك.
4- اعتنِ بجسمك وعقلك:
لا ترتبط ثقة الشخص بنفسه بمدى جاذبيته من عدمها. صحيح أنّ الأشخاص الذين يتمتّعون بجمال ظاهري كثيرًا ما يُبدون الثقة في وضعيات معيّنة، ولكن غالبًا ما تكون سطحيتهم طاغية و واضحة للعيان بسبب ما تعوّدوا عليه من معاملة مميّزة.
دعني الآن أرسم لك هذه الصورة: تخيّل معي شخصين على نفس القدر من الجاذبية، أحدُهما على أعلى مستويات الثقة بالنفس والثاني دائم الشك في قدراته. بينما يتحلّى الأوّل بنفَسٍ إيجابي، يظهر في اختياراته البرّاقة لملابسه وتعبيره عن نفسه بشكل سلس و واثق، مدفوعًا في كلّ هذا بمستويات مرتفعة من تقدير الذات، تجد الثاني خجولًا يخشى الظهور ويتعمّد التحفّظ في سلوكه ومظهره حتى “لا يُثير الشبهة”.
يبدو إذًا أنّ تعاسة هذا الأخير سببُها عددٌ من الحواجز الزائفة التي لا وجود لها سوى في مخيّلته. إذا لم تكن راضٍ عن نفسك فما عليك ببساطة سوى أن تولي المزيد من العناية لجسمك وعقلك. مارس بعض الرقابة على أفكارك والتقط السلبية منها وارمها في سلّة المهملات دون رجعة. افتح بعدها خزانة ملابسك و ودّع كلّ تلك الثياب الفظيعة التي ظلّت تحجب روعتك حتى هذه الساعة. انزل لتتسوّق ودلّل نفسك بثياب تعكس حقيقةً جمالَ الشخص الذي في داخلك.
5- ويبقى كلّ شيء ممكن:
أعلم أنّ هذه العبارة تبدو مستهلكة ومكرّرة، ولكنّها مع ذلك تبقى من أكثر الحقائق ثباتًا. فعلاً، كلّ شيء ممكن. لا شيء يحول دون أن تبدأ ممارسة هواية القفز بالمظلّة، لا شيء يقف في طريق انتقالك للعيش في افريقيا السمراء، بإمكانك اليوم أن تبدأ في تعلّم فنون الخياطة أو أن تنمّي مواهبك في الرسم مثلا، في واقع الأمر، هناك طرق فعلية ومجرّبة لتصبح أكثر طولًا. كل ما تحتاجه لفعل ما سبق هو أن تتبنّى طريقة التفكير المناسبة التي ستمنحك الإرادة والعزيمة لبلوغ هدفك.
لا يسعني في النهاية سوى أن أذكّر بأنّ جميع البشر لديهم مخاوفهم التي لا تكاد تفارقهم وهذا أمر طبيعي. ما يصنع الفرق بين الشخص الواثق في نفسه ومن هو على النقيض من ذلك هو مدى سماح المرء لتلك المخاوف بأن تتغلّب عليه.
..............
المصدر: موقع ليستات- عن «المكتبة العامة»