أردني يسطر قصة نجاح في السعودية

يزخر التاريخ القديم والحديث بكثير من القيادات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والشخصيات العامة البارزة التي صعدت من اصول بسيطة، بل وعاشت فترات من الفقر المدقع، ولكن يبدو أن هذه التجارب المعيشية لم تزدهم إلا خبرة وتحدياً للوصول الى القمة، فنجحوا وحققوا إنجازات سجلها لهم التاريخ، فالنجاح رغبة يتوجها عمل متواصل وإخلاص، وعندما يكون التميز والنجاح هدفاً وأسلوب حياة تهون الصعاب والتحديات أمامهما.
قصص النجاح كثيرة والعبر المستفادة أكثر، وقلما نسمع بقصة نجاح عظيمة لم تسبقها آلام بل تكاد لا تخلو قصة نجاح من حادثة أو أحداث مثيرة للاهتمام تسبقها أو تقف وراءها، كثيرٌ من العظماء عانوا وكافحوا وتألموا، ولكنهم تميزوا عن الآخرين لانهم لم يتركوا المشاكل تتغلب عليهم بل تغلبوا هم عليها.
إحدى هذه القصص، شاب اردني لم يولد وفي فمه «ملعقة من ذهب»، شق طريقه في الحياة اعتماداً على ذراعه فقط، وكل منصب حازه اكسبه بساطة وتبصر، فالابطال الحقيقيون ينبغي ان نبحث عنهم بين ابناء الشعب عبارة قالها «فريجليوس» قبل الفي عام، وما تزال معاصرة كأنه قالها اليوم، وبهذا المعنى يمكن القول ان المبدعين والناجحين الحقيقيين ينبغي البحث عنهم بين ابناء الشعب.
المهندس أمجد عودة الشباطات انسان عادي، شق طريقه في الصخر، لكنه وإن اكتسب صلابة الصخر الا انه ما فتئ يمتلك ديناميكية الماء، رأى النور في الطفيلة، حيث تشابكت شمس واغصان، ووعى في طفولته سر الجبال، فأنها كلما طالت قاماتها تنحني لتنثر الخير في السفوح والاخضر البهيج.
عانى الفقر وشظف العيش في طفولته، درس في المدارس الحكومية متنقلاً بين الطفيلة ومعان، وحين وعى الدنيا اختار ان ينحاز الى العلم، هذا الشاب الطموح الذي ايقن ان العلم اساس بناء الامم، حيث حاز على البكالوريوس في الهندسة الميكانيكية من الجامعة الاردنية ثم الماجستير في إدارة الاعمال من جامعة تشيفلي الاسترالية والماجستير في الادارة التطبيقية من الجامعة السويسرية زيورخ، وطالب حالياً في مرحلة الدكتوراة في تخصص ادارة المشاريع الإنشائية في الجامعة السويسرية.
ترك العمل في القطاع العام بعد أن كان مديرا لإدارة المياه في لواء الشوبك ولواء البترا لينتقل للعمل كمدير مشاريع في مجال الإشراف الهندسي في الشركة العالمية (البريطانية الهولندية هايدرأركيدس) وهي من أكبر الشركات على مستوى العالم في الإشراف الهندسي ومن أعمالها التصميمية والإشرافية برج خليفة في دبي، وجسر شلالات فيكتوريا في بريطانيا الذي انشئ عام (1905)، وجسر البسفور الذي انشئ عام (1973) والعديد من الأعمال على مستوى العالم.
وسطّر الاردني الشباطات أكبر قصة نجاح الأسبوع الماضي حينما حصل على جائزة أفضل مشروع في قطاع المياه على مستوى المملكة العربية السعودية، وهي أهم جائزة تتنافس عليها الشركات العالمية العاملة في منطقة الشرق الأوسط، تحت إشراف محكمين عالميين محايدين وهي مرتبطة بمجموعة (آي تي بي) العالمية، وحقق المشروع الجائزة بعد منافسة ما بين مئات المشاريع العاملة في الشرق الأوسط.
وعن المشاريع التي تنفذ حالياً في مدينة مكة المكرمة بكلفة تتجاوز المليار ريال سعودي، قال الشباطات ان الشركة العالمية البريطانية الهولندية هايدرأركيدس، التي يديرها في السعودية تنفذ بناء اربعة خزانات استراتيجية للمياه بسعة اجمالية تصل الى (760) الف متر مكعب، ويعد هذا المشروع أكبر مشروع خزانات مياه حديدية في العالم، يتضمن ازالة جبال بالتفجير واعمال طرق وخطوط وانظمة تحكم، ويغذي هذا المشروع بشكل رئيسي المشاعرالمقدسة (منى، وعرفات، ومزدلفة) بالمياه أثناء مواسم الذروة مثل موسم الحج بالإضافة لبعض أحياء مدينة مكة المكرمة.
وقال الشباطات ان الشركة تنفذ بناء شبكة صرف صحي ومحطة ضخ جنوبي مكة المكرمة ويعتبر هذا المشروع ثاني أضخم مشروع تنفذه شركة المياه الوطنية من حيث التكلفة على مستوى السعودية وسيستفيد من هذا المشروع (10) آلاف منزل جنوبي مكة المكرمة، مضيفا ان العمل جار على بناء أربعة خزانات حديدية استراتيجية بسعة إجمالية تصل الى (560) ألف متر مكعب بهدف رفع الطاقة التخزينية من المياه لتغذية الحرم المكي الشريف خاصة في أوقات الذروة، وانشاء خطوط ناقلة رئيسية تنقل المياه من المصدر الرئيسي القادم من محطة تحلية المياه الى خزانات تجميعية ضخمة لضخها الى بعض الأحياء داخل مدينة مكة المكرمة.
هذا الإنجاز الذي يسجل للشباطات بشكل خاص وللأردن بشكل عام، يبعث رسالة ان الوطن كان ولا زال ينتج الكفاءات والقدرات والطاقات الشبابية التي ترفع اسم الوطن عاليا داخلياً وخارجياً.