عادل إمام وتقنيات التهريج، وكلنا سحلية «رامز»
عادل إمام وتقنية التهريج المكررة ورامز السحلية «تحت الأرض» وعن دقائق كوميديا «رؤيا» الأردنية
كتب : مالك العثامنة
بعد أربعين عاما من مسرحية «شاهد ما شفش حاجة» يصر عادل إمام على إعادة إنتاج تقنية التهريج نفسها بملامح الوجه، رغم تغضنه وكثرة تجاعيده، وبلوغه من العمر عتيا، وها نحن في موسم رمضاني جديد، مع مسلسل من تأليف يوسف معاطي مرة أخرى، كأنه عطاء تلزيم عادل إمام، والإخراج لابنه، الذي يدير العمل بتقنيات أكثر حداثة محورها والده بكل تاريخه الفني الطويل.
«عفاريت عدلي علام»، مسلسل الفنان المصري الجديد لهذا الموسم الرمضاني، ربما الجديد فيه لمسة الفانتازيا في القصة، التي لم نعرف تفاصيلها بعد، لكن اللافت فيها أيضا أن عادل إمام رجع إلى الحارة من جديد، بشخصية تنازلت عن برجها البرجوازي العاجي، والملفت أكثر هو الجهد القائم في تصوير عظمة دار الكتب المصرية والخروج عن نمطية الحارة المصرية، التي تحتوي على فتوات وطبقة جاهلة.
في تتر المسلسل، يمكن تلمس ما يقف وراء النزاع، الذي تناقلته الأنباء بين هالة صدقي وغادة عادل، فلأول مرة أرى في مسلسل عربي اسم أحد أبطاله الرئيسيين في الشارة، وقد أتى بعد عرض أسماء الطاقم الفني وقبل المخرج بقليل، فتم عرض اسم هالة صدقي في توليفة تسوية غريبة تكشف تهافت الفنانين على ظهور الأسماء بما يرضي غرورهم الفني.
شخصيا، ومن ثلاث حلقات، أعتقد أن هالة صدقي أبدعت في تقديم شخصيتها بأداء شجاع يكسر نمطية السيدة الجميلة بكامل مكياجها، ويبقى السؤال حول الفنان بطل المسلسل وشاغل الناس، عادل إمام، إن كان سيفاجئنا بكسر نمطية الأداء التهريجي بملامح وجهه، ويخرج عصارة الأداء الدرامي الذي يتقنه ويخفيه.
رامز: «اقرفنا لنشاهدك»
مرة أخرى، ما زالت صناعة الترفيه العربية في فضائها المعلب، تقوم على فلسفة «خالف تعرف» أو ربما في حالة «رامز تحت الأرض» تصبح الفلسفة «اقرفنا لنشاهدك»، فما نراه من تطور في أداء العبث اللامعقول يتجاوز حدودا كثيرة، فننتهي إلى ساعة تلفزيونية مكررة الفكرة ترصد أحط حالات الغضب والرعب الإنساني «تمثيلا أو عفويا»، والمدهش هو المشاهدات العالية لهذه السماجة التلفزيونية التي تدعها صامدة إلى ما شاء الله.
صناعة الترفيه في العالم لها أصولها، وهناك فرق محترفين من كتاب ومنفذين وفنيين وإنتاج ضخم يجمع ذلك كله للوصول إلى المتلقي وتحقيق ذلك الترفيه.
الزميل الصحافي الأردني عبدالله بني عيسى وصفها بدقة قائلا: «عندما تعرف أن برنامجا مثل «رامز تحت الأرض» من الأعلى مشاهدة في رمضان، فلا بد أن تتأكد إنه مش بس رامز الي تحت الأرض !!».
بين كوميديا الماضي و«الديجيتال»
أتابع من لاتفيا، في أطراف أوروبا الشمالية، قناة «رؤيا» الأردنية، في ساعة كوميديا بعد موعد الإفطار، حسب التوقيت المحلي للأردن، وتلك الساعة الكوميدية ترسخ ارتباط الترفيه الرمضاني «تلفزيونيا» منذ عرفناه أيام البث الأرضي، لكن الكوميديا نفسها اختلف محتواها، وما كان يضحكنا زمان يبدو أنه لا يضحك جيل اليوم الديجيتالي، والنكتة أو «الإفيه»، الذي كان يجعلنا نقهقه بفرح من غوار الطوشة أو حسني البورظان، أصبح اليوم أداء باهتا في العموم.
على ساعة «رؤيا» الكوميدية لا شيء يستحق المشاهدة أكثر من تلك الدقائق المختصرة من «وطن على وتر» للفنان الفلسطيني عماد فراجين، والذي استقطبته «رؤيا» بذكاء، ليقدم سكتشاته الكوميدية بلهجته الفلسطينية المحببة وحضوره الذكي، لكن مع نقص واضح في النص الذي تعوزه ورشة كتاب محترفة يقودها الفراجين نفسه، فالأفكار ذكية، لكن يبدو أنها سلقت في حوارات مستعجلة، ومراهنة على الارتجال الذي قد لا ينجح كل مرة.
باقي ساعة كوميديا ليست أكثر من تجميع لمهرجين شباب، كل يقدم اسكتشاته بما يشبه حقول التجريب، ولـ «رؤيا» في ما تراه حكمة في ذلك.
رمضان يفتقد «فطوم حيص بيص»
وعلى سيرة زمن الفن الجميل، الذي ما ينفك أربعيني الحنين إليه، فكم كان موجعا «والموت حق» رحيل الفنانة السورية نجاح حفيظ، التي ارتبطت في ذاكرتنا بشخصية «فطوم حيص بيص» مديرة وصاحبة أوتيل «صح النوم»، الذي لن يتكرر لا هو ولا زبائنه، وقد شكلوا في حارة «كل من إيدو إلو» بواكير السخرية الكوميدية الناجحة في الدراما التلفزيونية بلونيها الأبيض والأسود.
ميزة ذلك الفن في ذلك الزمن أنه يعلق بالذاكرة حتى أن شخصياته لا تكبر في وجداننا، وكثيرا ما نتذكرهم أو نتمثلهم في مواقف حياة يومية حتى اليوم.
كانت «فطوم حيص بيص»، أيقونة شامية شعبية، تحب بإخلاص، وتقسو بحنو، وتدير عملها باقتدار.
تلك شخصية، رغم طرافتها المفرطة، تلامس واقع امرأة شعبية من الشام، تعمل بنفسها وتملك قرارها أيضا بنفسها.
ننتهي اليوم، بدراما «باب الحارة» مثلا، ومشتقاتها من مسلسلات شبيهة، بامرأة شامية مهيضة الجناح، ورجال يفتلون شواربهم وحين يحضنون بعضهم تكاد تسمع قرقعة العظام، وتضليل تاريخي فانتازي غير واقعي سطحي يجعلك تتخيل أن حلاقا في حارة منسية في الشام، كان يقض مضجع ديغول نفسه.
لا نقصد أن نقول إنه لم تكن هناك مقاومة، لكن تلك المقاومة كانت بعيدة عن تهريج «باب الحارة» التاريخي، تلك مقاومة كان فيها مثلا وليس حصرا، رجل اسمه فخري البارودي، ابن حارة سورية، متعلم وحقوقي، وشاعر غزل، ومؤسس لدار موسيقى ورقص للفتيات والفتيان. وهو لمن لا يعرف، مؤلف النشيد الذي حفظناه عن ظهر قلب ذات أوطان وحس عروبي، وهو نشيد «بلاد العرب أوطاني»، وقد لحنه الأخوان فليفل من لبنان، والأخوان فليفل بالمناسبة، هما أول من اكتشف موهبة السيدة فيروز قبل حليم الرومي وعاصي ومنصور الرحباني.
ما علينا… كل ما أريد قوله، لا أفهم ماذا تريد «أم بي سي» بالضبط، في ترسيخ فكرة الحارة وبابها واختصار تاريخ سوريا المتخم بالوعي والمدنية في شوارب مفتولة، وزنود وصراخ مستمر وكشرة حلاق يقود كل الفكرة!
* مالك العثامنة : إعلامي أردني يقيم في بروكسل
- عن القدس العربي