المطربة مكادي نحاس لا تطقطقُ عظام أحد
كتب - علي عبيدات
من هو الرجل الذي يخافُ تقديم الفنانة العربية مكادي نحاس في المهرجانات الاردنية؟
من هذا الرجل الأصم الذي يمنع مكادي من الوقوف على مدرجات الرومان الواقفة في منتصف قرانا ومخابزنا وبيادرنا المليئة بأغنيات الحصاد، مكادي نحاس الفنانة القادمة من جبل «نيبو» حيثُ مادبا عمّة يوحنا المعمدان، مطربةٌ تتقنُ البحّة الطربية وتلبس الثوب الفلاحي دون التشدق فيه، وتحبُّ البلاد دون أن تردد الأغنية المستهلكة التي جعلت من الأردن دولة المطربين الوطنيين بينما يطقطقون عظام العدو ويصعدون فوق الدبابات ويلبسون الزي العسكري بحناجرهم الغليظة وكلماتهم الممجوجة.
هؤلاء تحبينهم يا بلاد! هؤلاء من يصعدون أدراج جرش ويغنون ويُكّرمون، مكادي ليست معهم، ذلكَ أنَّ مكادي تغني وهم يبادلون المسؤولين عن الفن الأردني أبشع المصالح والتلميع.
مكادي ممنوعة من الغناء في هذه البلاد! المنعُ ليس قسريًا ولا يندرج تحت محاربة مكادي كمطربة، المنعُ هنا بسبب فساد الذائقة الفنية المسؤولة عن تَنْجيم المطربات الرديئات واغفال قامة بحجم مكادي، مكادي لا تظهر على القناة الرسمية، وإذا ظهرت تمرُّ عابرةً مثل أي فنٍ ملتزم لا يتغنى بالكلام الشوفاني المستهلك، ولا تعرض لحمًا مبتذلًا ولا تسهرُ سهرات العلاقات العامة مع مطرب لا يميزُ بين الرست والنهاوند، مكادي في بيتها وفي بيوت الوطن العربي كله، هناك حيث تُقدر وتحترمها السلطات الفنية الحقيقية والشعوب التي ترفض طقطقة العظام في أغنية. لا يعجبها أن يكون المطربُ مهرجًا والمطربةُ سلعةً جسديةً بائسة تلوكها الأفواه ويتربصُ لها تجار العلاقات.
هذا ذنبك يا مكادي، ذنبك يا ابنة سالم النحاس الذي تعرفه البلاد، ذنبك أنك لا تملكين هويات مزدوجة ولا تجاملين المواقع الإخبارية الرخيصة التي تخشى تحرير خبر عن ألبومك الأخير، تخشى تحرير الخبر لأن جمالًا ما سيكلل الصحافة الأردنية الرخيصة والصحافي البهلول.
ذنبك أنك تحبين هذه البلاد وتعيشين فيها مع طفليك وزوجك الذي يراقب خراب البلاد وهي تخنق صوت فنانته الأولى، بلادٌ يترأس نقابة فنها راهب الافتاء ويحيط بمثقفيها وهم الشبابة وغثاء القربّه والتحية العسكرية في أغنية عاطفية. بلاد تصمُّ آذانها خوفًا من جملة موسيقية سليمة تنطقُ بوضوح، أغنية ليس فيها بطولات الشيخ ولا ربابة الملحن الأمي أو أورغ الموزع العابث.
حتى الملتزمون في هذه البلاد يتعاطفون مع فاسدي الذائقة ومعدومي الحس وينشغلون بتدريس الموسيقى الخرساء. البلادُ قاسيةٌ جدًا.
البلادُ جِدُ قاسية وتأكل ثياب أبنائها. هناك مخرجٌ محترف ينام في بيته، ذلك أنّه ملّ من تصوير الخيل والغدير البدوي، وهنا ممثلٌ ترك دور الكنترول في المسلسل الأردني الرديء وأمسى منافسًا لأعلام الدراما العربية، وبينهما كاتب مغمور تُرْفَضُ نصوصه لأنه لا يخطئُ في الإملاء. البلاد التي تأكل ثوب مكادي نفسها البلاد التي تُحبها مكادي وترفض تركها، لكن البلاد تصر على غناء مكادي على الغدير مع جمع من الحمقى المرددين لكلام تافه. هؤلاء الحمقى يسمون مكادي التي تغني مع أكبر القامات العربية «زميلة»، وهذا أصلُّ الخراب يا بلاد!
على الفن الأردني -إذا كان موجودًا- أن يأخذ البيان الصادر عن مكتب الفنانة مكادي نحاس اليوم السبت 17/6/2017 ويصور نسخًا كثيرةً منه، ويبكي. بعد البكاء فليسمع أسمهان أو ليلى مراد ثم يسمع أغنية أردنية جاهلة، ويواصل البكاء.