الخبير المصرفي زياد الرفاتي يعقب على مقال الدكتور الرجوب بخصوص اسباب تراجع ارباح البنوك
عطفا على المقال المنشور في موقع أخبار البلد بتاريخ 2017/8/3 ,و صحيفة الدستور للأستاذ الدكتور سامر الرجوب أستاذ التمويل وإدارة المخاطرفي الجامعة الهاشمية الذي تساءل فيه لماذا تراجعت أرباح البنوك في النصف الأول لعام 2017 وسرد فيها أسباب التراجع .
فإنني أود التعقيب على ما جاء فيه من أسباب , و كما يلي :
مقدمة :
يبلغ عدد البنوك الأردنية (16) بنكا موزعة بين 13)) بنكا تجاريا و (3) بنوك إسلامية , و كان التراجع في صافي الربح بعد الضريبة لعشرة بنوك تشكل %62 من العدد الإجمالي أي الثلثان وهي كما يلي :
أما البنوك التي نمت أرباحها فقد بلغ عددها ستة بنوك تشكل %38 من العدد الإجمالي أي الثلث و هي كما يلي :
أي أن صافي نتائج أعمال جميع البنوك الأردنية كانت بالمحصلة تراجع في الأرباح بمبلغ 16 مليون دينار على المستوى الإجمالي , وهو تراجع طفيف وغير جوهري قياسا إلى حجم أعمالها ورؤوس أموالها و السلسلة الزمنية للأرباح المحققة عبر تاريخها الطويل . ولا يعتبر مؤشرا يقاس عليه وغير قابل للتعميم .
وقد سرد الكاتب (9) أسباب لتراجع أرباح البنوك , وكما يلي :
1.تركيز جميع البنوك على تمويل التجزئة و تناسيهم قطاع الأعمال والاستثمار .
وأبين , أن تمويل التجزئة لا يتعدى نسبته %25 من مجموع المحافظ الإئتمانية للبنوك و النسبة المتبقية لتمويل قطاع الأعمال( الشركات بشقيها الكبرى , والمتوسطة والصغيرة الحجم ) , والحكومة والقطاع العام .
إذا ما علمنا أن البنوك ليس في مقدورها الاعتماد بشكل رئيسي على التمويل لقطاع التجزئة كون قروض التجزئة صغيرة الحجم وعددها كبير وتكاليفها الإدارية عالية وعوائدها لا يعتمد عليها بشكل أساسي ويغلب عليها الطابع الاستهلاكي , ولا تساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية وخلق فرص العمل .
ويتعذر على البنوك ترك قطاع الشركات من التمويل كونه الأكبر حجما من حيث قيمة التمويل و العوائد المتحققة منه التي تشكل الجزء الأساسي لإيرادات البنوك من الفوائد والعمولات و تساهم في تغطية مصاريفها وتحقيق أرباحها , وكذلك مساهمتها في التنمية الاقتصادية وتوفير فرص العمل , ورفد الخزينة بالإيرادات العامة بمختلف أنواعها .
علما بأن توجه البنوك في الوقت الحالي نحو توفير التمويل لقطاع الشركات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر التي تشكل %95 من عدد الشركات العاملة في الأردن حسب الاحصائيات الرسمية , وقد عمل البنك المركزي على توفير خطوط إئتمان خاصة لتمويل هذه الشركات من خلال البنوك العاملة في المملكة بأسعار فائدة مناسبة وشروط إقراض ملائمة .
أما قروض الاستثمار لأغراض تمويل شراء الأسهم , فإن البنوك أصبحت حذرة في تمويل هذا النشاط وتقوم به في نطاق ضيق على ضوء الظروف و التداعيات التي واكبت سوق الأسهم خلال العشر سنوات الماضية , وأثرت على محافظها الاستثمارية ومحافظ المستثمرين في الأسهم من أفراد أو شركات .
2.أشار الكاتب إلى السبب الثاني وهو رفع البنوك أسعار الفوائد على الودائع إلى مستويات مرتفعة اقتربت في بعضها لمستويات أسعار فوائد الاقراض مهددة الهامش الربحي بالتلاشي .
وأبين , أن أسعار الفوائد على الودائع منخفضة قياسا بأسعار الفائدة على الاقراض حيث الهامش بينها واسعا وليس متقاربا .
وحسب الاحصائيات البنكية , فإن معدل سعر الفائدة على الودائع يدور حول %4 , بينما معدل سعر فائدة الاقراض يتراوح ما بين %12-%9 .
وقد كانت البنوك تستجيب لإشارات البنك المركزي برفع أسعار الفوائد على الودائع كجزء من سياسته في المحافظة على استقرار الدينار وجاذبيته , ولكن في المقابل كانت تعكس تلك الزيادة على سعر فائدة الاقراض برفعه لتحافظ على الهامش الربحي وليس أدلة على ذلك , قيام البنوك برفع سعر الفائدة على الاقراض فور قيام البنك المركزي برفع الفائدة على أدوات السوق النقدي .
وتستخدم البنوك ذلك الهامش الواسع في تغطية مصروفاتها و مخاطر التعثر و ضريبة الدخل , والباقي تحقق من خلاله أرباحا توزعها على المساهمين أو تدورها .
ولو كان الهامش متقاربا , لما كان بمقدور البنوك إجراء تلك التغطية والتوزيع .
3.أورد الكاتب في السبب الثالث ضعف السيولة المحلية و تجميدها ( جمود الأسواق ) .
وأبين , أن الاحصائيات تظهر أن حجم السيولة النقدية المتداولة تصل إلى 32 مليار دينار وهو مؤشر إيجابي .
وضعف السيولة المحلية ذو شقين بالنسبة للبنوك , الأول يتعلق بعملائها المقترضين فقد يواجهوا بعض الصعوبات و التأخير في السداد في المواعيد المقررة , و لكن في النهاية يتم الوصول إلى ترتيبات مع البنك في السداد , و الثاني يتعلق بعملائها المستهدفين فقد يكون ذلك مدعاة لهم للحصول على تمويل من البنوك لتوفير السيولة لهم لتسيير أعمالهم الإنتاجية و التجارية إذا كانت شروط و معايير الاقراض متوفرة لديهم .
4.أما السبب الرابع الذي أشار فيه الكاتب إلى احتفاظ البنوك بمخصصات مالية ضخمة تخوفا من متطلبات المعيار المحاسبي الدولي رقم (9) الذي سيطبق اعتبارا من /1/1 2018.
فأبين وباعتقادي أن هذا الأمر غير وارد من حيث الاحتفاظ , حيث أن المخصصات المعدة من البنوك في بياناتها المالية إزاء الديون المتعثرة تكون محتسبة على أساس العميل الواحد , وإذا كانت لديها وفورات في المخصصات تزيد عن حاجتها فإنها تستخدمها لرصد مخصصات لديون متعثرة أخرى بدلا من أن ترصد لها مخصصات تحملها على قائمة الدخل (مناقلة مخصصات ) حرصا على ارباحها , وإلا تعيد هذه الوفورات إلى قائمة الدخل كإيرادات تزيد بها أرباحها و تخضع لضريبة الدخل , علما بأن قانون ضريبة الدخل لا يسمح بالاحتفاظ بوفورات المخصصات في حال عدم استخدامها , و تعامله إيرادا خاضعا للضريبة حتى ولو رأى البنك الاحتفاظ به .
أما موضوع المعيار (9) فسيطبق في بداية عام 2018 , و من المبكر الان تحديد اثار نتائج تطبيقه على البنوك , وسيكون أكثر صرامة من التطبيقات الحالية في احتساب المخصصات , وانعكاسات له على البيانات المالية للبنوك .
5.أما السبب الخامس الذي أشار فيه إلى الركود الاقتصادي وضعف معدلات النمو الاقتصادي و تراجع النشاط التجاري .
فأبين أن هذه الظواهر كانت موجودة في السنوات السابقة , و حققت البنوك فيها نموا في الأرباح ,وتظهر الإحصائيات الرسمية الصادرة عن البنك المركزي أن التسهيلات الإئتمانية الممنوحة من البنوك خلال النصف الأول من عام 2017 قد زادت مقارنة مع رصيدها في نهاية عام 2016 بمبلغ يقارب مليار دينار ووصلت إلى حوالي
24 مليار دينار مقابل 23 مليار دينار في نهاية عام 2016 , الأمر الذي يظهر أن هنالك زيادة في الطلب على الإئتمان و لم يتراجع .
وقد رافق تلك الفترة ارتفاع الدخل السياحي للمملكة بنسبة %14,5 مقارنة مع نهاية عام 2016 و وصل إلى 2,1 مليار دولار, و ارتفاع حوالات الأردنيين العاملين في الخارج بنسبة %1,5 لتصل إلى 1,5 مليار دولار.
وهذا النمو في المؤشرات أعلاه له انعكاس إيجابي على النشاط الاقتصادي
و التجاري.
6.أما السبب السادس وهو الأوضاع الاقتصادية و السياسية في سوريا و العراق .
فأبين , أن الأوضاع في سوريا قد بدأت منذ شهر اذار 2011
و مضى عليها ست سنوات , وقد تأقلمت البنوك مع هذه الأوضاع , حتى أن البنوك الأردنية التي لها فروع في سوريا قد رصدت سابقا مخصصات بالكامل لقاء الديون
و الاستثمارات هناك .
أما الأوضاع في العراق , فقد تأقلمت البنوك الأردنية عليها أيضا .
و السوقين السوري و العراقي لا يمثلان مصدرا رئيسيا من مصادر الربحية للبنوك الأردنية بشكل عام .
7.فيما يتعلق بالسبب السابع , و هو ارتفاع تكاليف التشغيل و ارتفاع رواتب و مزايا الإدارات العليا و مجالس الإدارة في بعض البنوك .
فأبين , أن ارتفاع تكاليف التشغيل يكمن بشكل رئيسي في ارتفاع نفقات الموظفين لمواجهة التضخم و لمواكبة الارتفاع في تكاليف المعيشة , أما المصاريف الإدارية
و العمومية فهي تكاليف ثابتة لإدامة العمليات التشغيلية للبنوك , ومهما كان الترشيد فيها فلن يكون الوفر جوهريا وذات أثر ملموس على الربحية , و يفترض أن يعوض النمو في الدخل تلك الزيادة في النفقات .
كذلك يفترض أن يتم تحديد سقوف لرواتب و مزايا الإدارات العليا و مجالس الإدارة ضمن الأطر المعقولة و المقبولة .
8.أما السبب الثامن في ضعف فرص الاستثمار المحلي نتيجة امتناع البنوك عن تقديم القروض الاستثمارية و قروض الأسهم و عدم وجود بدائل استثمارية .
فأبين , أن التمويل الممنوح من البنوك لشراء الأسهم لا تزيد نسبته عن %1 من إجمالي التسهيلات الإئتمانية الممنوحة لكافة القطاعات , و بالتالي صغر حجمها يجعل البنوك لا تعتمد على هذا النوع من التمويل في الربحية .
و البدائل الاستثمارية المتاحة للبنوك , تكمن في الإقراض للقطاعات الاقتصادية الأخرى و الاستثمار في السندات الحكومية التي تحكمها معايير الاستثمار المتعارف عليها من حيث السيولة و الضمان و الربحية .
9.أما السبب التاسع , من أن تكون سياسة البنك المركزي في دورية إصدار السندات الحكومية و لزمن طويل و أنها حصرت استثمارات البنوك في اتجاه شراء السندات الحكومية و حد من قدرتها في التفكير من بدائل .
فأبين , أن البنك المركزي يصدر السندات الحكومية نيابة عن وزارة المالية حسب الاحتياجات التمويلية للحكومة .
والبنك المركزي عند إصداره للسندات يقوم بطرح اكتتاب لها , ولا يلزم أي بنك بالاكتتاب فيها حتى نقول أن البنك حصر نفسه في هذا الاستثمار, وإنما هو قرار إدارة البنك في النهاية بالاكتتاب أو عدمه وبالكمية التي تراها مناسبة , ولايزاحم البنك المركزي أحد في الحصول على السيولة .
و يمكن لإدارات البنوك أن توجه سيولتها نحو بدائل استثمارية أخرى متوفرة إذا رأت أن مصلحتها تكمن في ذلك بعد الأخذ بعين الإعتبار كافة الجوانب المتعلقة بالقرار الاستثماري البديل من حيث نواحي المخاطر والسيولة و الضمان و الربحية و أية أمور أخرى ذات صلة .