وحيدا‭ ‬كقطاع‭ ‬غزة‭ ‬رحل‭ ‬رسّام‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬معاذ‭ ‬الحاج


أنباء الوطن -

‭ ‬

‭- ‬‮«‬تذكرونا‭ .. ‬نحن‭ ‬أيضاً‭ ‬قد‭ ‬عشنا،‭ ‬أحبننا‭ ‬وضحكنا‮»‬‭ .. ‬عبارة‭ ‬كتبها‭ ‬الشاب‭ ‬معاذ‭ ‬الحاج‭ ‬وكأنه‭ ‬شعر‭ ‬بدنو‭ ‬أجله‭.‬

معاذ‭ ‬الحاج‭ ‬‮«‬30‭ ‬عاماً‮»‬،‭ ‬فارق‭ ‬الحياة‭ ‬وحيداً‭ ‬كما‭ ‬عاشها‭ ‬تماماً،‭ ‬فارقها‭ ‬بهدوء‭ ‬دون‭ ‬صخب‭ ‬كهدوء‭ ‬شخصيته‭ ‬التي‭ ‬كشفها‭ ‬المفجوعون‭ ‬بوفاته،‭ ‬فلم‭ ‬ينعه‭ ‬أحد‭ ‬إلا‭ ‬وذكر‭ ‬كم‭ ‬كان‭ ‬هادئاً‭ ‬خلوقاً،‭ ‬مُحباً‭ ‬لجميع‭ ‬أطياف‭ ‬المجتمع‭ ‬دون‭ ‬النظر‭ ‬لعرق‭ ‬أو‭ ‬حزب‭ ‬أو‭ ‬انتماء‭ ‬أياً‭ ‬كان‭ ‬نوعه،‭ ‬من‭ ‬يعرفه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يُحبه،‭ ‬وبعد‭ ‬وفاته‭ ‬أيضاً‭ ‬والتجول‭ ‬بصفحاته‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬ستلمس‭ ‬كم‭ ‬كان‭ ‬شخصاً‭ ‬مميزاً‭ ‬يُفكر‭ ‬دائماً‭ ‬خارج‭ ‬الصندوق،‭ ‬ويتمتع‭ ‬بعقلية‭ ‬عظيمة،‭ ‬ربما‭ ‬يعكسها‭ ‬اهتمامه‭ ‬بزوايا‭ ‬مميزة‭ ‬في‭ ‬‮«‬الرسوم‭ ‬المتحركة‮»‬‭.‬

قصة‭ ‬معاذ‭ ‬التي‭ ‬لامست‭ ‬جميع‭ ‬القلوب،‭ ‬كشف‭ ‬تفاصيلها‭ ‬قريبه‭ ‬وصديقة‭ ‬علاء‭ : ‬‮«‬معاذ‭ ‬أصغر‭ ‬أطفال‭ ‬عائلته،‭ ‬والذكر‭ ‬الوحيد‭ ‬بينهم‭ ‬وله‭ ‬3‭ ‬شقيقات،‭ ‬كما‭ ‬له‭ ‬أخ‭ ‬وأختين‭ ‬من‭ ‬والده،‭ ‬تقيم‭ ‬عائلته‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬الإمارات،‭ ‬وتوفيت‭ ‬والدته‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬يبلغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬عاماً‭ ‬واحداً‭ ‬فقط‮»‬‭.‬

واستطرد‭ ‬علاء‭: ‬‮«‬قام‭ ‬والده‭ ‬بالزواج‭ ‬من‭ ‬شقيقة‭ ‬زوجته‭ ‬الراحلة،‭ ‬فلا‭ ‬يوجد‭ ‬أحن‭ ‬من‭ ‬الأم‭ ‬على‭ ‬أطفالها‭ ‬سوى‭ ‬الخالة،‭ ‬وقامت‭ ‬برعايته‭ ‬مع‭ ‬شقيقاته‭ ‬بكل‭ ‬حب‭ ‬حتى‭ ‬تزوجت‭ ‬اثنتين‭ ‬منهم‭ ‬واستقرتا‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬وتزوجت‭ ‬الثالثة‭ ‬في‭ ‬الإمارات‮»‬‭.‬

وكعادة‭ ‬العائلات‭ ‬المغتربة‭ ‬التي‭ ‬تؤثر‭ ‬تعليم‭ ‬أولادها‭ ‬الجامعي‭ ‬في‭ ‬وطنهم‭ ‬الأم،‭ ‬غادر‭ ‬معاذ‭ ‬الإمارات‭ ‬مُتوجهاً‭ ‬إلى‭ ‬غزة‭ ‬ودرس‭ ‬إدارة‭ ‬الأعمال‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬لتصفعه‭ ‬الحياة‭ ‬الصفعة‭ ‬الثانية‭.‬

فُجع‭ ‬معاذ‭ ‬بعد‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬تواجده‭ ‬بغزة‭ ‬بخبر‭ ‬وفاة‭ ‬والده‭ ‬بعد‭ ‬صراع‭ ‬مع‭ ‬مرض‭ ‬السرطان‭ ‬القاتل،‭ ‬ليحكم‭ ‬القدر‭ ‬عليه‭ ‬بالوحدة‭ ‬تماماً،‭ ‬حيث‭ ‬بقي‭ ‬وحيداً‭ ‬11‭ ‬عاماً‭ ‬في‭ ‬منزل‭ ‬عائلته‭ ‬بغزة،‭ ‬وعاش‭ ‬حياته‭ ‬بين‭ ‬أصدقائه‭ ‬وأقربائه،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬قلبه‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يشعر‭ ‬بالوحدة‭ ‬كما‭ ‬يتضح‭ ‬من‭ ‬رسوماته‭ ‬الإبداعية‭ ‬ومنشوراته‭ ‬عبر‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭.‬

وأكد‭ ‬صديقه،‭ ‬أن‭ ‬معاذ‭ ‬طرح‭ ‬موضوع‭ ‬الزواج‭ ‬قبل‭ ‬أسبوعين‭ ‬من‭ ‬وفاته‭ ‬ليُنهي‭ ‬تلك‭ ‬الوحدة‭ ‬للأبد‭ ‬ويشعر‭ ‬بالاستقرار‭ ‬الذي‭ ‬فقده‭ ‬منذ‭ ‬الطفولة،‭ ‬لكن‭ ‬قلبه‭ ‬خذله،‭ ‬حيث‭ ‬كشف‭ ‬الطبيب‭ ‬الشرعي‭ ‬أن‭ ‬سبب‭ ‬الوفاة‭ ‬انسداد‭ ‬شرايين‭ ‬القلب‭.‬

لم‭ ‬يتم‭ ‬اكتشاف‭ ‬وفاة‭ ‬معاذ‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬يومين،‭ ‬وذلك‭ ‬بعدما‭ ‬شعر‭ ‬أصدقاؤه‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬شيئاً‭ ‬مُقلقاً‭ ‬خاصة‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يرد‭ ‬على‭ ‬اتصالاتهم‭ ‬جميعاً،‭ ‬فتجمعوا‭ ‬لدى‭ ‬باب‭ ‬المنزل‭ ‬وطرقوا‭ ‬دون‭ ‬إجابة،‭ ‬ما‭ ‬دفعهم‭ ‬بقرار‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬عائلته‭ ‬لخلع‭ ‬الباب‭ ‬واكتشاف‭ ‬الصدمة‭.‬

في‭ ‬الوهلة‭ ‬الأولى‭ ‬اعتقدوا‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬نائماً‭ ‬بأمان‭ ‬لاتخاذه‭ ‬وضعية‭ ‬نومه‭ ‬التي‭ ‬اعتاد‭ ‬عليها‭ ‬أصدقاؤه‭ - ‬على‭ ‬جنبه‭ ‬اليمين‭ ‬ويده‭ ‬تحت‭ ‬رأسه‭ - ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬اكتشفوا‭ ‬الفاجعة‭ ‬التي‭ ‬ألمت‭ ‬بعائلته‭ ‬وأصدقائه‭.‬

معاذ‭ ‬كان‭ ‬يروي‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬رسوماته‭ ‬التي‭ ‬احترفها‭ ‬منذ‭ ‬كان‭ ‬طفلاً،‭ ‬تلك‭ ‬الرسومات‭ ‬التي‭ ‬تحكي‭ ‬خياله‭ ‬الواسع‭ ‬وشخصيته‭ ‬الفريدة،‭ ‬وأصدر‭ ‬سلسلة‭ ‬‮«‬كاريكاتير‮»‬‭ ‬أطلق‭ ‬عليها‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬الأمل‭ ‬المتشظي‮»‬‭ ‬وضع‭ ‬بها‭ ‬خارطة‭ ‬لعيش‭ ‬الحياة‭ ‬بحب‭ ‬وبساطة‭ ‬وتفاؤل‭ ‬وطمأنينة،‭ ‬وضع‭ ‬خارطة‭ ‬لأبناء‭ ‬مدينته‭ ‬المحاصرة‭ ‬يعلمهم‭ ‬كيف‭ ‬يخلقوا‭ ‬حياة‭ ‬جميلة‭ ‬من‭ ‬واقعهم‭ ‬الكئيب،‭ ‬كيف‭ ‬يخرجوا‭ ‬النور‭ ‬من‭ ‬داخلهم‭ ‬دون‭ ‬مساعدة‭ ‬احد‭. ‬‮«‬رفيف‭ ‬عزيز‮»‬

‭..................‬

‭- ‬نقلاً‭ ‬عن‭ ‬صفحة‭ ‬رسام‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬‮«‬ناصر‭ ‬الجعفري‮»‬