جوانب يمكن أخذها بعين الاعتبار قبل النظر بتعديلات مشروع قانون ضريبة الدخل
كثر الحديث في الآونة الأخيرة حول التوجه إلى إجراء تعديلات على قانون ضريبة الدخل، ومنها تخفيض قيمة الإعفاء الضريبي الشخصي للفرد الأعزب إلى 6000 دينار سنويا بدلا من 12000 دينار النافذة حاليا، والفرد المعيل إلى 12000 دينار سنويا بدلا من 24000 دينار.
أي أن ما يزيد من دخل الفرد الأعزب عن 500 دينار شهريا ودخل الفرد المعيل عن 1000 دينار شهريا سيخضع للضريبة.
وفي هذا السياق، وددت أن أعرض بعض الجوانب التي يمكن أخذها بعين الاعتبار قبل مناقشة هذه التعديلات من مجلس الوزراء والدفع به إلى مجلس الأمة بشقيه النواب والأعيان.
1 - في حال إجراء تعديلات على قانون ضريبة الدخل، فسيكون هذا القانون قد خضع للتعديل 3 مرات في غضون 8 سنوات حيث كان ذلك في 1/1/2010 و1/1/2015، والمقترح في حال إقراره سيسري اعتبارا من 1/1/2018، وهذا قد يفسر بأنه غياب للاستقرار في القوانين والتشريعات ولا سيما التي تمس البيئة الاقتصادية والاستثمارية ولها تماس مباشر بدخول المواطنين سواء العاملون في القطاع العام والخاص أو الأفراد أصحاب المهن الحرة والمنشآت الخاصة.
والاستقرار أعلاه له دور كبير في تحقيق الحماية الاجتماعية للأفراد، واستقطاب الاستثمارات وضمانة لأصحابها، وخلق البيئة الجاذبة للمستثمرين التي تسعى إليها المؤسسات الرسمية في ذلك وتبذل جهودا مكثفة في سبيله، وغياب ذلك الاستقرار له انعكاسات سلبية على ذلك.2 - أن هذه التعديلات من وجهة نظر وزارة المالية تدخل ضمن برنامج الإصلاح المالي الموقع مع صندوق النقد الدولي.
3- بالرغم من فرض ضرائب ورسوم جديدة خلال العام 2017 لتوفير مبلغ نصف مليار دينار التي تم إقرارها في بداية العام الحالي خلال مناقشة الموازنة العامة، فإن النشرة المالية الصادرة عن وزارة المالية تظهر انخفاض الإيرادات الضريبية في الموازنة العامة خلال النصف الأول من العام الحالي بنسبة 2،6 % أو ما مقداره 53 مليون دينار مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي، حيث بلغت الإيرادات الضريبية في النصف الأول من العام الحالي 2،247 مليار دينار مقارنة مع 2،3 مليار دينار في الفترة نفسها من العام 2016.
علما بأن الإيرادات الضريبية قد استحوذت على ما نسبته 67 % من إجمالي الإيرادات المحلية في النصف الأول من العام الحالي.
4- إن تخفيض الإعفاءات الضريبية للعاملين والأفراد سيكون له أثر سلبي على دخولهم باقتطاع ضريبة إضافية لم تكن تقتطع سابقا، وبالتالي تخفيض قيمة الدخل المتاح القابل للتصرف به، وما يشكل ذلك من ضغوطات وأعباء مادية وصعوبات في مواجهتها وتلبية احتياجاتهم والتزاماتهم المختلفة، وسيوسع من دائرة الفقر ونسبتها المعتمدة حاليا 14 % حسب البيانات الرسمية الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة وفق آخر دراسة أجريت في العام 2010، وتعمل حاليا على إجراء دراسة جديدة بمنهجية مختلفة عن سابقتها.
لقد تراجعت حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 445 دينارا خلال الست سنوات الماضية، حيث كانت 3227 دينارا في العام 2011 وأصبحت 2782 دينارا في العام 2016.
والمعطيات أعلاه هي قبل تخفيض الإعفاءات الضريبية، وماذا سيكون عليه الحال بعد التخفيض.
ومنه يتبين، أنه لو تم الافتراض بتخفيض الاعفاءات الضريبية إلى النصف وقياسا على قيمة التحصيلات الضريبية لعام 2016، فإن التحصيلات سترتفع الى ما يقارب النصف أيضا (علاقة عكسية) أي بارتفاع يقارب 100 مليون دينار، وفي أحسن الحالات وأفضل السيناريوهات فلن يصل هذا الارتفاع إلى الضعف.
وهو مبلغ لا يوازي في أهميته للمالية العامة ما سيخلفه من تداعيات اقتصادية واجتماعية نحن في غنى عنها، ويمكن توفيره من خلال وسائل أخرى مثل رفع كفاءة الإنفاق وتحسين وسائل تحصيل الإيرادات العامة، ومكافحة التهرب الضريبي.
8 - إن تخفيض الإعفاءات الضريبية لن يحد من التهرب الضريبي، بل سيقود الى المزيد من التهرب، وإذا كان الموظفون العاملون تقتطع الضريبة على دخلهم من المنبع، فإن التهرب يمكن ان يحدث من اصحاب المهن الحرة والمنشآت الخاصة الذين لا يحتفظون بسجلات محاسبية منظمة بذلك تثبت دخلهم الحقيقي.
9 - أما الاستشهاد بالفرد الأميركي بمن يصل دخله إلى 40 ألف دولار سنويا ويخضع للضريبة في بلاده، فإن المقارنة في ذلك تكون صعبة وغير عادلة من حيث الدخل، والحصة من الناتج المحلي الاجمالي، وقوة العمل، والخدمات المتوفرة.
10 - لقد تم سابقا فرض ضريبة إضافية على المحروقات تحت مسمى ضريبة خاصة، وفرض مثل هذه الضرائب يوازي بالمثل تأثير تخفيض الإعفاءات الضريبية من حيث زيادة الإيرادات الضريبية، والاثنان يؤديان إلى زيادة الضرائب.
11 - إن زيادة الأعباء الضريبية من خلال تخفيض الاعفاءات الشخصية سيكون له تأثير سلبي في الطلب على السلع والخدمات، وكذلك على النمو الاقتصادي لانخفاض الدخل، وهذا ليس في صالح المستثمرين الحاليين وأصحاب الأعمال أو المستثمرين المستهدفين وسيؤثر في قدرتهم على توفير فرص العمل ومستويات الدخول الملائمة للعاملين لديهم في ظل ذلك التأثير السلبي على مستوى وحجم النشاط الاقتصادي لأعمالهم.
12 - وأخيرا، فإن قانون ضريبة الدخل في الفكر الاقتصادي والاستراتيجي يعتبر أداة مهمة ورئيسية من أدوات التنمية المستدامة في خلق النمو الاقتصادي واستقراره وديمومته، ولا ينظر إليه نظرة آنية في سبيل حلول مؤقتة لا يظهر أثرها، ولا تلبث ان تزول سريعا دون أن تترك أثرا على المدى الطويل، وهو المدى الذي يصبو إليه واضعو السياسات والخطط الاستراتيجية، وما وثيقة الأردن 2025 والاستراتيجيات المتعددة التي تمتد على عدة أعوام في قطاعات الطاقة والمياه والنقل والسياحة وتشجيع الاستثمار وغيرها من القطاعات إلا ضمن هذا السياق.
* محلل اقتصادي