عادت لها بعد 52 عاما..مقدسية أجبرها الاحتلال على ترك الدراسة


أنباء الوطن -

بعد 52 عاما من تركها مضطرة مقاعد الدراسة، عادت المسنة الفلسطينية ياسمين صلاح الدين (65 عاما)، لتنكبّ على الكتب والمقررات من جديد، يحدوها الأمل بأن تتمكن من تجاوز امتحان الثانوية العامة، لتحقيق طموحها في الدراسة الجامعية. في بلدة حِزما، شمال شرقي القدس، ولدت صلاح الدين عام 1953، لتلتحق بالمدرسة في حي شعفاط، غرب البلدة، غير أن ظروف الحرب في العام 1967، حرمتها من إكمال تعليمها، بعد إغلاق إسرائيل للمدرسة. واندلعت تلك الحرب في الخامس من حزيران/ يونيو من عام 1967، وأسفرت عن احتلال إسرائيل الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس، وقطاع غزة، وسيناء المصرية، والجولان السوري. وفي السنوات اللاحقة، اضطرت ياسمين لتكريس جلّ وقتها في سبيل تربية وتعليم أشقائها، كونها الأكبر سنا في العائلة، بين سبعة ذكور وثلاث بنات، ليتلقوا تعليمهم المدرسي والجامعي، وتبقى هي محرومة من ذلك. ولمعت فكرة إعادة الالتحاق بالدراسة لدى ياسمين، بعد تشجيع من أشقائها وشقيقاتها على ذلك، إلى جانب متابعتها لتجارب مشابهة، نجح أصحابها في نفض الغبار عن سني أعمارهم، والعودة شبابا لمقاعد الدراسة. والعام الماضي، نجح المسن عبد القادر أبو عجمية (82 عاما)، من مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، في اجتياز امتحان الثانوية العامة، بعد ان أخفق في ذلك مرتين. 
وقبل أربعة شهور، نجحت صلاح الدين، في اجتياز امتحان "الموازي"، الذي تقدمه وزارة التعليم الفلسطينية لكبار السن، ومن فاتهم قطار التعليم، كي يفتح لهم باب التسجيل لدراسة الثانوية العامة. ومنذ ذلك الحين، قطعت على نفسها عهدا أن تحصل على شهادة الثانوية العامة، مهما كان الثمن. في منزل العائلة الذي تقيم فيه مع والدها التسعيني، بعد وفاة والدتها، تنهمك الحاجة ياسمين في الدراسة، بإرادة صلبة وطموح كبير في تحقيق التفوق والنجاح. وتقول لوكالة الأناضول إنها تخصص نحو سبع ساعات يوميا لقراءة المنهاج، برغم أنها تجد بعض الصعوبة في مادة اللغة الانجليزية، غير أنها بمساعدة معلمة من البلدة، ستتجاوز ذلك كما تؤكد. مبتسمة تضيف الحاجة ياسمين، التي أدت فريضة الحج العام الماضي:" أهم شيء للمرأة هو التعليم، العلم للمرأة وللرجل نور.. النبي محمد عليه الصلاة والسلام أمرنا أن نطلب العلم من المهد إلى اللحد". وتتابع:" لم أحظ بفرصة الزواج، وكل أخوتي واخواتي تعلموا وتزوجوا ولم تبق عندي مسؤوليات كبيرة، فقررت أن أتفرغ كي أتابع تعليمي". ومضت حديثها وهي تقلب صفحات أحد الكتب:" أحيانا المرأة تضطر لإمضاء أوراق ووثائق دون أن تدري حقيقة المكتوب فيها، هذه مصيبة، قد تتنازل عن بعض حقوقها في بعض الأحيان بسبب عدم فهمها ما هو مكتوب". وتتحدث ياسمين بحسرة عن مشكلة كثير من النساء اللاتي يعانين الأمية، قائلة إنهن تعرضت للخداع ووقّعن أوراقا تنازلن بها عن حصصهن في الميراث. وترى صلاح الدين أن المسؤوليات الحياتية التي تقع على كاهل المرأة الفلسطينية، تتطلب منها أن تكون على دراية وفهم لما يجري حولها، ويستلزم عليها أن تكون متعلمة ومثقفة. بدورها، قالت فريال، الشقيقة الأصغر لياسمين، إنها تشجعها كي تواصل طريقها في التعلم، مهما كانت العقبات. وتشير إلى أنها ابتاعت لياسمين الكتب المدرسية، وخصصت جزءا من وقتها كي تراجع لها ما طالعته، وتتأكد من إلمامها به.وقالت فريال لوكالة الأناضول إنها وجدت لدى شقيقتها ياسمين إرادة قوية باستكمال الدراسة، يحفزها في ذلك وقت الفراغ المتوفر لها، في ظل عدم وجود ما يشغلها من زوج أو أبناء أو غير ذلك. وتقدّر فريال كثيرا فضل الحاجة ياسمين عليها، وعلى أشقائها، فهي التي تحملت مسؤوليتهم بعد وفاة والدتهم، في التربية والتعليم، ومواجهة صعوبات الحياة. وتضيف:" عندما أعود من وظيفتي، وبعد أن أنهي أعمالي المنزلية، أحاول مراجعة المقررات لياسمين، وهي تفاجئني بذكائها وقدرتها على الحفظ وفهم ما تعلمته". أكثر من حفّز الحاجة ياسمين كي تقدم على خطوتها، كما تقول، هو رمضان علان، الموظف في مديرية التربية والتعليم، في منطقة ضواحي القدس. علّان يشرف على برنامج "تعليم الكبار"، المخصص للذين لم يستكملوا تعليمهم المدرسي، وأرادوا إعادة الالتحاق به. يقول لوكالة الأناضول:" لمست لدى الحاجة ياسمين ذكاء وثقافة جيدة تمكنها مع بعض المتابعة من تحقيق التفوق والنجاح في الثانوية العامة (التوجيهي)". ويبين علان أن 25 شخصا من ضواحي مدينة القدس، التحقوا بالبرنامج، من خلال مركزين خصصا لذلك، في حي كفر عقب، شمالي القدس، وفي بلدة السواحرة، جنوبي المدينة المحتلة. ويرى علان وجود "حاجة ملحّة كي يحصل هؤلاء على حصتهم من التعلم والثقافة، لا سيما الإناث". ويتابع:" في فلسطين، الزوج معرّض للاعتقال أو ربما الاستشهاد، وهذا يزيد المسؤوليات على المرأة... لذلك لا بد أن تكون قادرة على مواجهة مسؤوليتها بوعي وإدراك، وهذا يتطلب منها الثقافة والعلم". وأظهرت إحصائيات فلسطينية رسمية أن نسبة الأميّة بين الفلسطينيين، فوق عمر 15 عاماً تبلغ 3.3 في المئة فقط، وهي من أدنى المعدلات في العالم العربي.