التفكير في فضاء أردني!
في مقالي السابق "فضاءات" أشرت إلى مفهوم المدى الواسع الذي يرينا المكان وامتداداته اللامتناهية، وإلى الغموض الذي يكتنف الفضائين الإقليمي والدولي، وصولاً إلى التفكير في فضائنا الوطني المتأثر حكمًا بالفضاءات الأخرى، ولكنه رغمًا عن ذلك يستطيع أن يوسع النظرة لكي يرى بوضوح قضاياه وشؤونه، حاضره، ومستقبله، وطموحاته.
وفي رأيي أن الفضاء الاجتماعي هو الصورة الحقيقية للفضاءات الأخرى، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو بيئية أو فكرية أو ثقافية أو أمنية، إلى ما لا نهاية للعناوين التي تتعلق بالمجتمع والدولة معًا، ومجتمعنا الأردني بما هو عليه من تنوع مرتبط بالمنابت والأصول، والمناطق من بادية وريف وحضر، هو مجتمع متحد في إطار الوطنية الأردنية بامتداداتها القومية والدينية والإنسانية، وهو كذلك مجتمع يتطور عن طريق العلم والمعرفة والثقافة، وعمليات الإصلاح والتطوير والتحديث، والمشاركة في اتخاذ القرار في حدود المرحلة الديمقراطية التي وصل إليها حتى الآن.
مؤخرًا تصاعدت وتيرة الحديث عن الأمن المجتمعي أو الاجتماعي، على خلفية ظاهرة العنف وعدد من الجرائم منها السطو المسلح، والسرقات، والخاوات، والمخدرات، وغيرها من الظواهر التي أقلقت المجتمع، رغم ما ينعم به من أمن وأمان مقارنة بدول كثيرة من حوله، وما حققه الأردن من قدرة فائقة على حماية حدوده، وعلى تحصين ذاته من التهديدات الناجمة عن أزمات الجوار، ومن المخططات الإرهابية التي استهدفت أمنه واستقراره.
من هذه الزاوية نستطيع أن نلمس قدرة وكفاءة قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية في الحفاظ على أمننا الوطني، ويمكن أن نرى كذلك المساندة الشعبية على أنها القاعدة المتينة للمنظومة الأمنية، ولكن الأمن الاجتماعي ليس مرتبطًا بهذا المنظور للأمن وحسب، ولكنه مرتبط كذلك بتحويل الشعور بالاطمئنان إلى حيوية، تدرك الأبعاد الأخرى المتمثلة في المواطنة الصالحة، والتفاعل الإيجابي مع المصالح العليا للدولة، والفهم العميق للتنمية المستدامة التي تعني عدم استنزاف المقدرات والإمكانات لتنعم بها الأجيال القادمة.
صحيح أن الأمن الاجتماعي مرتبط بعناصر عديدة منها العدالة، والمساواة، وتكافؤ الفرص، وحسن أداء مؤسسات الدولة العامة والخاصة، ونجاح خطط التنمية، وغير ذلك كثير مما يستوجب مواصلة عمليات الإصلاح الشامل، إلا أن لإدراك الأفراد والجماعات للعوامل التي تجعل مسيرتنا صعبة ومضنية لأسباب خارجة عن إرادتنا من شأنه أن يجعل من الأمن الاجتماعي شكلاً من أشكال الصمود في وجه المخاطر التي تهدد أمننا واستقرارنا.
إن أبسط قواعد الأمن الاجتماعي هي حسن التعامل فيما بيننا، وتعظيم التكافل والتضامن، واحترام القانون، والتمسك بالقيم التي تنظم العلاقات داخل الأسرة والمجتمعات الصغيرة والكبيرة، تلك القيم التي ما تزال راسخة في وجدان الإنسان الأردني، رغم كل ما فرضته الحياة المدنية الحديثة من تبدل في العلاقات، فإذا ما أعدنا التذكير بالمبادئ التي تقوم عليها فضائل مجتمعنا الطيب الأصيل، وأضفنا إليه ثقافةً ووعيًا وطنيًا بمدى أهمية الوفاق والتسامح والتعاون الاجتماعي في تدعيم قواعد صمودنا أمام الأزمات، سيصبح الفضاء الأردني وحده كافيًا للاعتماد على ذاته.
yacoub@meuco.jo
www.yacoubnasereddin.com