ملاحظات على المشروع المعدل لقانون ضريبة الدخل
زياد الرفاتي
بعد مضي ثلاث سنوات على صدور وثيقة الأردن 2025 وعدم تنفيذ الحقبة الأولى منها، أعدت خطة تحفيز النمو الاقتصادي وصدرت للسنوات الخمس 2018 – 2022 وتشمل على استراتيجيات اقتصادية ومالية موزعة قطاعيا وتوضح التدخلات الاقتصادية اللازمة سواء على شكل سياسات أو مشاريع حكومية أو استثمارات بالشراكة مع القطاع الخاص.
لقد كان من نتاج الخطة إجراء تعديلات على قانون ضريبة الدخل النافذ حاليا لتوفير إيرادات اضافية، وأصبح التركيز والنقاش والحوار على ذلك الهدف والمقدار الرقمي للحصيلة المالية التي ستتحقق من جراء التعديلات، وينظر اليه وكأنه إجراء مالي ومحاسبي بحت للوصول إلى رقم مالي مستهدف يحتمل التحقق أو عدمه.
هذا التعديل على قانون الضريبة هو الثالث في غضون ثماني سنوات؛ حيث كان الأول في بداية عام 2010 والثاني في بداية عام 2015. وقد يفسر بأنه غياب للاستقرار في القوانين والتشريعات، ولا سيما التي تمس البيئة الاستثمارية والاقتصادية، ولها تماس مباشر بدخول المواطنين. لما للاستقرار من دور كبير في استقطاب الاستثمارات وخلق البيئة الجاذبة للمستثمرين وتحقيق الحماية الاجتماعية للأفراد.
إن الإصلاح المالي إذا أردنا أن نقطف ثماره ويحقق الأهداف المرجوة منه، فإنه لا بد من إجراء مراجعة للنظام الضريبي برمته الذي يشمل ضريبة المبيعات الذي يدفع فيه الفقراء والأغنياء ضريبة متساوية، وإعداد خطة لخفضها ومراجعة السلع والخدمات التي تشملها وأنواع الضرائب والرسوم الأخرى على اختلاف مسمياتها، ولا ينحصر فقط في مراجعة قانون ضريبة الدخل.
لقد تم الإعلان، أكثر من مرة، أن الهدف من برنامج الاصلاح المالي والاقتصادي تخفيض العجز والمديونية وزيادة النمو الاقتصادي بينما النتائج مغايرة.
إن الإيرادات الضريبية تشكل نسبة
67 % من مجموع الإيرادات المحلية، الأمر الذي يظهر حجم الضرائب الذي تدفعه الشركات والمؤسسات والأفراد والعبء الضريبي الكبير، كما تظهر التشوه في هيكلية الايرادات المحلية باعتمادها بشكل رئيسي على الضرائب كمصدر أساسي لها والتي من المفترض أن تتنوع بمصادرها، ولا تبقى الضرائب بشتى أنواعها هي المغذي الرئيسي لها، وذلك من خلال تنويع المصادر ووضع الخطط والاستراتيجيات لتحقيق ذلك ضمن برنامج زمني محدد حتى ولو احتاج لعدة سنوات كونه يتطلب ذلك بطبيعته، ولكن علينا أن نبدأ.
أما القول بأن 90 % من الأردنيين لن يدفعوا ضريبة دخل في ظل مشروع القانون المعدل، فإن الذي يدفع ضريبة الدخل هو المكلف وقد أورد قانون ضريبة الدخل تعريفا للمكلف بأنه كل شخص ملزم بدفع الضريبة أو اقتطاعها أو توريدها من دخل خاضع للضريبة بعد تنزيل الإعفاءات الشخصية.
إن تخفيض الإعفاءات الشخصية على الأفراد والأسر سيزيد من الأعباء الضريبية عليهم بزيادة الاقتطاعات وانخفاض الدخل المتاح القابل للتصرف به، وسيكون له تأثير سلبي في الطلب على السلع والخدمات وكذلك على النمو الاقتصادي، وهذا ليس في صالح المستثمرين الحاليين والمستهدفين والتأثير السلبي على مستوى النشاط الاقتصادي ونتائج أعمالهم، وانخفاض عائدات الخزينة من جراء ذلك، فتأتي النتائج مغايرة.
لقد تضمنت التعديلات تخفيض إعفاء الأسرة (الدخل المعفى) من 24 ألف دينار سنويا إلى 16 ألف دينار، وتخفيض إعفاء الفرد من 12 ألف دينار سنويا إلى 8 آلاف دينار، وإلغاء سقف إعفاء التعليم والعلاج بفواتير البالغ 4000 دينار سنويا، وبالتالي فان الأسر في الطبقة الوسطى التي يزيد دخلها على 1333 - 2000 دينار شهريا ستدفع ضريبة للمرة الأولى في حياتها، ولهذا تبعات حساسة وخطيرة على هذه الفئة وتحتاج الى اعادة نظر ومعالجة خاصة بها حتى لا تنزلق، ويمكن عدم المس بالاعفاء النافذ حاليا إن أمكن، أو زيادة الاعفاءات الواردة لها بالتعديلات، أو فرض نسبة ضريبة مقطوعة وبسيطة عليها. ويفترض أن يتم تحديد مفهوم الدخل المعفى استنادا الى دراسات اقتصادية واجتماعية لمتطلبات المعيشة الأساسية وتكاليفها، بمعزل عن الآراء والاجتهادات غير المدعمة.
كذلك تضمنت التعديلات تغيير النسب الضريبية والشرائح على دخول الأسر والأفراد حيث أصبحت خمس شرائح بمضاعفات الـ 5000 دينار بدلا من ثلاث بمضاعفات الـ 10000 دينار الحالية.
ويلاحظ في التعديلات أن الشرائح والنسب كثيرة وقد تسبب الارباك، كما أن الفارق بين سقف كل شريحة وما يليها ضيق، ونرى أن يتم اعتماد مضاعفات الـ 10000 دينار وتخفيض عدد الشرائح الى ثلاث ولا تتجاوز نسبة الضريبة للشريحة الثالثة والأخيرة عن 20 %، للمرونة في التطبيق والسهولة في الاحتساب وتجنب الارباك في تعدد الشرائح والنسب، ومنع التهرب؛ حيث كلما زادت النسب الضريبية زاد الاتجاه نحو التهرب.
تضمنت المادة (11) من مشروع القانون تعديلا للمادة (12) من القانون الأصلي بإضافة فقرة جديدة، بأنه اذا تخلف الشخص الاعتباري عن توريد الضريبة واجبة الاقتطاع يكون كل من المدير العام والمفوض بالتوقيع عن الشخص الاعتباري، حسب مقتضى الحال، وأي شخص آخر مسؤول عن اقتطاع وتوريد الضريبة مسؤولين بأموالهم الخاصة وبالتضامن والتكافل عن ضمان توريد الضريبة واجبة الاقتطاع وأي مبالغ اضافية الى الدائرة.
وهذا يعني ملاحقة المذكورين أعلاه في أموالهم الخاصة وبث الخوف لديهم في حال عدم التوريد خلال الفترة المحددة في القانون بغض النظر عن عدم قدرة الشخص الاعتباري عن التوريد لأي سبب من الأسباب، كأن يكون متعثرا أو يواجه صعوبات مالية في الدفع أو عدم توفر السيولة النقدية لديه.
وهذا النص يتعرض الى استقلال الذمة المالية للشخص الاعتباري المستقر عليها منذ مدة طويلة، وما قد يتبعها من تأثير على تأسيس الشركات وايجاد الأشخاص المؤهلين للادارة في ظل ذلك، ويمكن فرض غرامة مالية مضاعفة على تجاوز المدة المحددة للتوريد بدلا من تغليظ العقوبة بالشكل أعلاه.
تضمنت المادة (13) من المشروع، الغاء لما ورد بالفقرة (ب) من المادة (18) من القانون الأصلي والاستعاضة عنه بنص تضمن اعتبار ضريبة الأبنية والأراضي المدفوعة من المكلف داخل مناطق أمانة عمان والبلديات نفقة مقبولة ضريبيا. وهذا يعني تنزيلها كنفقة من الدخل الاجمالي للمكلف والاستفادة منها جزئيا في تخفيض قيمة الضريبة المطلوب دفعها بمقدار نسبة الضريبة التي تقع فيها شريحته وبحد أقصى 25 % من قيمتها باعتبارها آخر شريحة قد يصل اليها.
بينما كان النص الملغى بأن يجري تقاصها من ضريبة الدخل المستحقة للتوصل الى رصيد الضريبة المطلوب دفعها بمقتضى أحكام القانون، وكانت الاستفادة منها
100 % من قيمتها في تخفيض رصيد الضريبة المستحقة ولم تكن تدخل في نسب الشرائح الضريبية.
حسب التقديرات الرسمية، بعد الاعلان عن مشروع القانون، فان الإيرادات الإضافية المقدرة تبلغ 280 مليون دينار موزعة بين مبلغ 130 مليون دينار نتيجة تخفيض الاعفاءات ورفع نسب الضريبة، ومبلغ 150 مليون دينار من محاربة التهرب الضريبي.
والمبلغ المقدر تحقيقه من تخفيض الاعفاءات ورفع نسب الضريبة لا يوازي في أهميته ما سيخلفه من تداعيات اقتصادية واجتماعية في غنى عنها، وسينخفض هذا المبلغ المقدر الى ما دون 130 مليون دينار في حال التوافق في النقاشات القادمة لمشروع القانون على رفع قيمة الاعفاءات الشخصية التي وردت فيه، ويمكن توفيره من خلال وسائل أخرى مثل رفع كفاءة الانفاق وتحسين وسائل تحصيل الايرادات العامة وحتى يتم تجنب عدم حدوث تغيير جوهري في الايرادات الضريبية من جراء ذلك، وهناك حالات سابقة في الرفع كانت أهدافها تخفيض العجز بتوفير ايرادات جديدة لمواجهة النفقات وتخفيض المديونية، وما زال العجز قائما والمديونية في ازدياد ووصلت الى مستويات مقلقة.
وأن السياسة الضريبية تحتاج لاعادة هيكلة تضمن وضع مزيد من التركيز على جميع الايرادات الضريبية المباشرة (الدخل والثروة) بدلا من الضرائب غير المباشرة (ضرائب الاستهلاك).
ان زيادة نسبة الضريبة على البنوك من 35 % الى 40 % ليس في مكانه، ولم يمض على آخر زيادة أربع سنوات حيث كانت النسبة 30 % قبل ذلك وقبلها كانت 25 %. فهل هذا جزاء المؤسسات الناجحة والملتزمة بفرض مزيد من الضرائب عليها، كما أن الاستثمار العربي والأجنبي يشكل جزءا كبيرا من رؤوس أموال بعض البنوك المحلية، والمملكة بكل مؤسساتها تسعى للحفاظ على الاستثمارات الخارجية واستمرارها وزيادتها وتوطينها وجعلها ملاذا لها من خلال توفير البيئة الجاذبة للاستثمار والتي من ضمنها استقرار القوانين والتشريعات وأبرزها قانون ضريبة الدخل الذي له تماس مباشر معهم وتأثير ذلك على الأرباح وحصصهم منها.
كما أن مشروع القانون تضمن بأن يتم اقتطاع (10 %) من الأرباح الموزعة من قبل الأشخاص الاعتباريين على أشخاص اخرين باستثناء الأرباح الموزعة على الأشخاص الاعتباريين ذوي العلاقة، وحيث أن التوزيعات بمثابة دخل للمساهم فان المساهمين سيخضعون للضريبة بالاقتطاع المباشر من المصدر، وستتأثر عوائدهم بذلك بما فيهم المستثمرون العرب والأجانب في رؤوس أموال الشركات.
وفي هذه الحالة، تكون الضريبة قد اقتطعت مرتين (ضريبة مزدوجة) مرة من أرباح الشركة وتحملتها وفق نسبة الضريبة الخاضعة لها وأخرى على حصة المساهم منها الذي سيدفع عليها ضريبة بنسبة 10 %، وهذه الحصة هي جزء من الأرباح المحققة للشركة التي خضعت للضريبة.
كما إن البنوك ستلجأ الى رفع سعر فائدة الاقراض لعكس الزيادة في نسبة الضريبة على القروض القائمة والجديدة، مما سيرفع من سعر الفائدة وتكلفة الاقتراض على العملاء ويزيد من الأعباء عليهم ولا سيما القروض الاستهلاكية والسكنية للأفراد الذين يشكلون 30 % من محفظة القروض في البنوك؛ حيث تبلغ نسبة مديونيتهم الى دخلهم 70 %، كما يؤثر الرفع أيضا في القدرة على الاقتراض والسداد سواء شركات أو مؤسسات أو مشاريع انتاجية أو أفراد، والتي بدورها ستقوم برفع أسعار السلع والخدمات على المستهلكين الذين هم في النهاية سيتحملون أعباء الكلف الاضافية، وتأثير ذلك على النشاط الاقتصادي بشكل عام.
كما سيتبع ذلك، قيام البنوك بتخفيض أسعار الفوائد على الودائع وسيؤثر على قدرتها في استقطاب الودائع الجديدة
أو المحافظة على القائمة في ظل المنافسة بينها، والذي يعتبر سعر الفائدة عنصرا رئيسيا فيها ويحد ذلك من قدرتها على الإقراض التي تعتبر الودائع مصدر الأموال الرئيسي لذلك، كما سيؤدي التخفيض إلى تراجع العائدات الضريبية من الضريبة المفروضة بنسبة 5 % على فوائد الإيداع، والتي تقتطعها البنوك مباشرة وتوردها الى دائرة ضريبة الدخل شهريا وبشكل مستمر على مدار العام، فكلما انخفضت الفوائد على الودائع انخفض معها العائدات الضريبية، وهذا لا يصب في مصلحة الدائرة.
أما رفع الضريبة على شركات التأمين، أيضا، إلى 40 %، فسيترتب على ذلك قيامها بعكس ذلك الرفع على أقساط بوالص التأمين من المؤمنين لديها ولا سيما أقساط تأمين السيارات التي تشكل الجزء الأكبر منها وزيادة الأعباء عليهم.
أن القطاع الصناعي بحاجة إلى الدعم والحماية ويعتبر المشغل الأكبر للقوى العاملة، حيث يصل عدد العاملين في القطاع ما يقارب 250 ألف عامل.
أما الشركات والمشاريع المتوسطة والصغيرة فتشكل 95 % من الاقتصاد ، وتعتبر المحرك الرئيسي له في الانتاج وخلق فرص العمل ، وهي تعاني أيضا من ضعف التمويل وضعف الادارة وضعف الحوكمة،وتحتاج الى الدعم والاهتمام الكافي بها .
إن محاربة التهرب الضريبي لا يتم بتغليظ العقوبات القاسية التي تصل إلى السجن لعشر سنوات في حال وجود فرق ضريبي يصل الى مبلغ 100 ألف دينار، والذي قد يكون أحد أسبابه خطأ محاسبي أو فني
أو تقني، ولا يقصد منه سوء النية أو التهرب، ويمكن أن يكون بفرض غرامات إضافية ومضاعفته على المتهرب أنجع من ذلك.
وأخيرا، فان ضريبة الدخل، وفق الدستور، تفرض تصاعديا فكلما زاد الدخل زادت الضريبة، وعلى مبدأ التكليف أي المكلفين القادرين على دفعها وحسب الحاجة الى الأموال ومقدارها والعدالة الضريبية.
وتكمن الحاجات الأساسية في خدمات التعليم وتطويره للوصول إلى التعليم المجاني، وخدمات العلاج والارتقاء بمستواه والبنية التحتية له للوصول إلى العلاج المجاني والتأمين الصحي الشامل وتقديم خدمات مثلى للمنتفعين، وخدمات النقل التي تعاني من مشاكل مزمنة تتطلب وسائل نقل متطورة وحديثة تغني عن استخدام وسائل النقل الخاصة وتحد من التلوث وتقنن استخدام الطاقة وتساعد في انسيابية المرور، وتحديث شبكات الطرق ولا سيما الخارجية والإنارة عليها.
*خبير مالي ومصرفي