حوار صاخب خلال «ثقة البرلمان» واللعب تكتيكياً بـ«10» أصوات ترجح الحجب أو الثقة المحدودة


أنباء الوطن -
بسام البدارين
تقف حكومة الأردن الجديدة برئاسة الدكتور عمر الرزاز مجدداً على الحبل العصبي المشدود سياسياً وهي تواجه عاصفة نقد كلامية في اليوم الاول لنقاشات الثقة البرلمانية يقودها عملياً وبوضوح بعض رموز الموالاة والمحسوبين على الدولة من نواب الأمة.
التكتيك واعتباراً من بعد ظهر وصلة الخطاب الاولى الخشنة ضد الوزارة واضح ومبرمج فمركز الثقل بالقرار منح الضوء الاخضر لمسألتين: الاولى قصف وارهاق الحكومة وتحديداً طاقمها الوزاري قدر الإمكان وبالمدفعية اللفظية الثقيلة دون المساس بشخص رئيسها تجنباً لإغضاب الخيار الملكي.
والثانية التمهيد عملياً لبقاء الحكومة في مستوى الثقة بالحد الادنى أو على الحافة او في احسن الاحوال بقاؤها في حالة عبور مأمون لكنه يبقيها ضعيفة بالمعنى الاستراتيجي والاعمق ليس بسبب عدد الاصوات المانحة للثقة التي يمكن ان تحصل عليها ولكن بسبب عدد الأصوات التي ستحجب الثقة.
ذلك اطار في النقاش البرلماني ومن الناحية العملية لا يمكن بناؤه او تأسيسه بدون فهم طبيعة نظرة الدولة العميقة والتي تتحكم في جزء كبير من أجنحة النواب تجاه الحكومة ورئيسها وظروف وملابسات تشكيلها وولادتها اصلاً.
في تلك النظرة من المرجح ان بعض مستويات القرار المركزي تترك الرزاز وحيداً في مضمار تحمل مسؤوليات خياراته أو مجازفاته في اختيار الطاقم الوزاري حيث يؤكد هو شخصياً لكل من يلتقيه بأنه اختار طاقمه بحرية تامة وباستقلالية .
في الاثناء يتداول النواب انفسهم تلك المعلومة التي اسر بها بعضهم لـ»القدس العربي» والتي توحي بأن الجهات التي تتدخل بالعادة لإسناد الحكومات في معارك الثقة احتجبت طوال الاسابيع الثلاثة الماضية لان الرزاز نتجت عنه رسائل ملغزة يقرر فيها رغبته في خوض الامتحان بنفسه بمعنى الاستغناء الاستراتيجي عن مساعدة المؤسسات الشريكة او الاستعانة بـ»صديق». والصديق إياه في هذه الحالة لا يترك لا الرزاز ولا حكومته في دائرة الخيارات الذاتية فواجبه التعامل مع جزئية ثقة البرلمان ضمن المعادلة الوطنية الاشمل والرؤية الأمنية الاعمق للمرحلة وأولوياتها.
وبالتالي يقدر الخبراء بأن الاداء التفخيخي الذي ينتقد الحكومة بشراسة أو يسخر من بعض اركانها الوزراء له اغراض متعددة فهو اولا يخفف من انهيار هيبة مؤسسة مجلس النواب ويستعيد بعض هذه الهيبة ضمن وجدان الشارع حتى ولو عبر المايكروفونات. وهو أيضاً أداء يمنع استمتاع حكومة تكثر من الحديث عن مشاريع جدلية وكبيرة مثل مشروع النهضة الوطني او العقد الاجتماعي الجديد بثقة قياسية وكبيرة للبرلمان.
فوق ذلك هو أداء يحاول تذكير الرزاز وطاقمه بإمكانية تحويل الحكومة الى مرحلة انتقالية خدمت وظيفة ظرفية ليس أكثر وفي الاثناء وتجنباً لاستنساخ أزمة سقوط حكومة ثانية برلمانية وتقديراً لاحترام خيارات المؤسسات المرجعية لا بد من التحوط لمنع موجة الهجوم على الحكومة تحت قبة البرلمان من الاطاحة عبر حجب الثقة عنها وبالتالي اسقاطه. التكتيك أيضاً هنا واضح فالجهات التي تعتبر نافذة عند أوساط البرلمان ستتدخل في إطار جملة جزئية في المشهد قوامها قد لا يزيد عن عشرة أصوات عند التصويت على الثقة وهي اصوات ستكون وظيفتها في اللحظة الاخيرة اما العبور بالحكومة وتأمين ثقة ضعيفة فيها في حال الخطر او للجوء للحجب بحيث لا تقفز الحكومة عن حاجز الثمانين صوتاً الذي يعني بالنتيجة ثقة اكثر مما ينبغي عددياً لتقليم اظافر حكومة تلعب بوتر الاصلاح.
لذلك تبدو لعبة العدد في الأصوات هي الاساس فخلية الرزاز التي تشرف على المتابعة دخلت البرلمان صباح الاحد وفي جيبها 66 صوتاً من اصل 130 وهو عدد يعني ان الرزاز سيحصل على ثقة البرلمان ويتجنب السقوط بصوت واحد فقط. ومع ما يمكن ان يحصل خلال يومين يقدر مطبخ الأزمة في الحكومة بإمكانية الوصول الى الرقم 80 لكن الاطار النظري الاعمق للجملة السياسية العصبية المتحركة قد يلعب بسقف لا يتجاوز في احسن الاحوال 75 صوتاً وهو الرقم الذي يعتقد بان الحكومة ستقترب منه بحيث تمر بثقة برلمانية لكن تبقى ضعيفة ويمكن ان ينقلب عليها تسعة نواب في اي وقت ولأي سبب.
بقاء الرزاز في هذه الحالة يبدو على الارجح بأنه مطلوب. لكن المفاجآت تحصل وفي الاتجاهات المتعاكسة في النتيجة لأن القوى التي تضمن نواب الموالاة قد تفلت حساباتها عندما يتعلق الامر بالانحياز الشخصي والفردي خصوصاً وان حجم الغضب من تشكيلة الفريق الوزاري كبير جداً ودفع الرزاز نفسه لمحاولة تخدير النواب بالتلميح الى تعديل وزاري موسع سيرضيهم بعد الثقة.
وعلى هذا الاساس ظهرت ملامح اليوم الاول للنقاشات حيث اعلانات حجب مبكرة شملت نواباً من وزن عبد الكريم الدغمي وحيث خطابات نارية طالت الفريق الوزاري وعلى رأسه وزيرة الاتصال الشابة جمانة غنيمات ووزير الخارجية أيمن الصفدي ووزير الاتصالات مثنى الغرايبة.ــ «القدس العربي»