يجب ألاّ تقلّ رواتبهم عن ألف دينار
كلّما مررت بـ (عامل وطن) توقفتُ وتأملته وهو يجوبُ الشوارعَ ومكنسته بين يديه وقد كسر الحاجز الأخير بينه وبين ثقافة العيب..أراه وحبّات العرق قد ملأت وجهه بكلّ طيب خاطر ولا يرى نفسه أكبر من الجميع؛ تنظر إلى وجهه لتكتشف أنه يمتلك هموماً أكبر من أكبر واحد فينا؛ ومع ذلك أحلامه متواضعة..لا يطمح أن ينافس أحداً على مقعده الكبير ذي المسؤولية الكاذبة ولا ينافس حتى على صدارة جلسة في جاهةٍ منفوخةٍ ..بل يجلس على طوبةٍ أو على ترابٍ ناشفٍ وقد يظلّ واقفاً والكلّ جلوس ..!
وكذلك هو حال المراسلين في الوازارات والهيئات الحكومية..تراهم في كلّ الطوابق والمكاتب..تراهم يسابقون الخُطى..يوزّعون الابتسامات مع الشاي والقهوة..ويوزعون معها الأدعية والنصائح التي من القلب..! ورغم أيضاً أنهم يملكون من الهموم أضعافاً مضاعفة عن أيّ مسؤول أو موظف آخر إلاّ أنهم لا يزاحمون أحداً على لقمة عيشه أو على فساده الذي لا ينتهي..! وأيضاً كسروا الحاجز الأخير في ثقافة العيب التي تسكن أعماق الأردنيين بسبب الفشخرة الكذّابة..!
المهم؛ ومن الآخر..هؤلاء جميعاً وأشباههم في وظائفهم المتواضعة في أي مكان هم الكبار الحقيقيون..هم الشغّيلة الذين يتحمّلون نظرتنا الدونيّة لهم ..هم (الماكلينها) بظلمنا جميعاً لهم ..هؤلاء يستحقّون أن تكون رواتبهم أعلى الرواتب ولا تقلّ عن ألف دينار وأكثر بالشهر مع تأمين صحي درجة خاصة..هؤلاء يجب أن تكون لهم علاوة كبيرة ومكافأة أخرى تحت بند (محاربة ثقافة العيب)..هؤلاء يجب أن تتغير نظرة المجتمع لهم بتحسين أحوالهم بجعلها أفضل من الجميع لكي يتسابق الجميع ويصبح الظفر بوظيفة كوظيفتهم حلماً يسعى إلى تحقيقه الجميع..! لكي يصبح حمل المكنسة في الشارع وحمل صينية الشاي شيئاً طبيعياً لأكبر كبير في هذه البلد..!
انصفوا أصحاب العرق الدائم..انصفوا من لا ينافسونكم في أحلامكم..من ينظّفون تحتكم وفوقكم..من يغرقون في بحر الهمّ الحقيقي ومع ذلك يمتلكون خفّة دم وحكايات عبقرية..!
انصفوهم كي ينظف المجتمع من ثقافة العيب إن أردتم إصلاحاً حقيقيّاً..ولا تجعلوا الفشخرة تمنعكم من أن تقدّموهم على أنفسكم في الرواتب والعلاوات والمكافآت..لأنهم أفضل منّا جميعا..فهم المنتشرون بلا عيب ونحن المنزوون بعقدنا وكلّنا عيوب..!