يوم أسود للصحافة

قصي اهم عقدان من الزمن يفصلان بين اول مجزرة بحق الصحف الورقية الاسبوعية والمجزرة الثانية بحق الصحف اليومية أمس , والتي تعاني اسوة بباقي القطاعات الاقتصادية في الاردن من تضارب التشريعات وتناقضها وسرعة تغييرها , بوصفها صناعة يجري اعدامها يوميا , ففي العام 1997 صدرت صحيفة البلاد الموؤدة بعنوان " وسقط قانون العار " , يومها امر الملك حسين رحمه الله بوقف قانون المطبوعات والنشر الذي انتجه الصحفي بلال التل في حينها وكان مديرا لدائرة المطبوعات والنشر , في حكومة الدكتور عبد السلام المجالي الثانية , والذي قام بالتضييق على الصحف الاسبوعية , بأن رفع رأس مال الصحيفة الاسبوعية الى 300 الف دينار , وانتهت منذ ذلك الحين الصحافة الاسبوعية التي كانت عنوانا للانفتاح السياسي والديمقراطي في الاردن , قبل ان يتم ادخالها في مفرمة الصراع بين الامني والسياسي , فتناسلت الصحف الاسبوعية كما الارانب وضاع المهني في عروة المتنمر والفضائحي . التاريخ يعيد اليوم نفسه على هيئة مأساة , بقرار الحكومة فتح قوسين في قانون التنفيذ وقانون اصول المحاكمات المدنية والتنفيذ , واضافة صحيفة ثالثة لمشروع القانون الذي كان ينص على نشر الاعلان في صحيفتين يوميتين , والذي وافق عليه مجلس النواب امس على غير المألوف النيابي , وذلك من خلال طرحه على المجلس مباشرة دون تحويله الى اللجنة المعنية وهي اللجنة القانونية , بشكل سافر ويؤكد ان القانون من انماط القوانين العابرة للنواب او المفروضة على المجلس , والقانون بمجمله يشرعن بقاء الصحف اليومية المضمونة في الجيب والممسوكة بقانون الطاعة الحكومي , مقرونا كل ذلك بإنحنائة من نقابة الصحفيين التي فقدت شرعية تمثيلها لكامل الجسم الصحفي , بعد تأكيدات من طرف حكومي بأن النقابة بصورة التعديل الحكومي على القانون . الحكومة وبدل ان تتفاعل والتعريفات الناظمة لحرية الصحافة والتعامل مع الصحافة كمهنة محروسة بقانون نقابة الصحفيين , تعاملت بنظام عمال المياومة , فالقانون ما زال قاصرا عن تعريف الصحيفة اليومية بوصفها الصحيفة التي تصدر يوميا , مما سمح لكثير من الصحف غير اليومية في ممارسة مخالفة صريحة للقانون بنشرها اعلانات قضائية واستثمر بعض المحامين الاسعار المخفضة للنشر في تلك الصحف لمزيد من الكسب على حساب الانتشار , وبدل ان تعالج الحكومة هذا المسار قامت بلّي ذراع القانون وتطويعه لصالح محاسيبها من الصحف الورقية العاجزة عن المنافسة واستقطاب الجمهور بعد ان باتت هذه الصحف مزارا للتطبيل والتزمير للحكومة – اية حكومة – وموئلا للخبر الممجوج الخالي من اي دسم ومعلومة , والعاجزة عن انتاج تقرير او تحقيق صحفي منافس . الحكومة التي تسعى كما تدعي الى ألكترَنة نفسها – الحكومة الالكترونية – وترفع هذا الشعار عاليا , تقع في اول خطوة بتأبيد النظام الورقي الخالي من الدسم وتضع في يدها جزرة لإبقاء الصحف الثلاث في بيت الطاعة بحكم ان تحديد الاكثر انتشارا بيد وزير العدل , وبالتالي ستتنافس الصحف على ارضاء الحكومة حتى تبقى في دائرة الاوسع انتشارا وكل صحافة تعاكس السير ستخرج من هذا التصنيف , فلا يوجد الية في الاردن تحدد مفهوم الاكثر انتشارا , لعدم وجود مؤسسة للتحقق من الانتشار , وهل الانتشار مقرون بحجم الطباعة ام حجم البيع في منافذ البيع ام في حجم التأثير السياسي ؟ وكان الاجدى ان تقوم الحكومة التي تفاخر الدنيا بانتشار الانترنت في الاردن وتسعى لوضع قانون للجرائم الالكترونية بعد هذا الانتشار الواسع للانترنت في الاردن وانتشار الهواتف الذكية , بانشاء موقع رسمي لاعلانات التبليغات القضائية والعطاءات الحكومية لوقف النزيف المالي من جيب المواطن , لأن الاعلان القضائي على نفقة المواطن والاصل في الاشياء ان يتم تسهيل التقاضي ويخفف الاعباء عليه . اليوم تضيق الحكومة بصحيفة واحدة تغرد خارج السرب المألوف بحصر الاعلان في ثلاث صحف واستثناء صحيفة يومية واحدة هي الانباط ، فالصحف اليومية في الاردن اربع صحف فقط ، وهي جميعها للملك ، ولذا نتوجه للملك عبدالله الثاني اطال الله عمره كما توجهنا للراحل الحسين قبل عقدين بوقف هذا الاعتداء على الصحافة بلي ذراعها والتمييز بينها , فمجلس الملك – مجلس الاعيان – يستطيع وقف هذه المجزرة .//