الهاشميون الأوصياء عليها وسيبقون على الدوام سدنتها


أنباء الوطن -
 قطعا لم يأت من فراغ  لقب «خادم أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين» الذي وضعه أعضاء الحكومة والنواب كنيشان على صدورهم في إحدى جلسات البرلمان الأردني.
فاللقب الذي كان لائقا جدا بالملك عبد الله الثاني جاء في خضم الجهد الاردني تجاه القدس والمقدسات وسط صمت تام للامة العربية والاسلامية وغياب مريب للعالم اجمع عن العدوان الاجرامي السافر على المقدسات الاسلامية والمسيحية هناك.
كما جاء هذا اللقب الشريف عرفانا من قبل الأردنيين حكومة وشعبا بالدور الهاشمي في رعاية المقدسات والدفاع عن المسجد الأقصى المبارك وكل المقدسات في القدس الشريف، بعد أن غدت الرعاية الهاشمية للقدس جزءا من الثوابت الأردنية، فتلك التحركات تجاه القضية الفلسطينية والقدس ليست مجرد كلام لا يتطابق مع افعال أو انه يدخل تحت باب المناورات السياسية، بل هو امتداد لتلك المواقف القومية المبدئية التي التزم بها الاردن دوما انطلاقا من استشعاره لمسؤوليته القومية في مناصرة قضايا الحق العربي وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني والتزامه بحماية المقدسات.
 الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة.. على قدر أهل العزم 
 وقع الملك عبدالله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس في عمان في شهر آذار 2013م اتفاقا تاريخيا أعيد فيه التأكيد على الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة، وأن جلالة الملك هو صاحب الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس الشريف، وله الحق في بذل جميع الجهود القانونية للحفاظ عليها، خصوصا المسجد الأقصى، المعرف في الاتفاقية على أنه كامل الحرم القدسي الشريف.
فللقدس الشريف عند الهاشميين مكانة كبيرة ارتبطت باحتوائها أهم المقدسات الإسلامية وأَجلُّها قدراً، ففيها الحرم القدسي الشريف الذي يحوي مسجدين وأضرحة كثيرة للأنبياء والأولياء والصالحين، وتراثاً معمارياً إسلامياً من المدارس والسبل والزوايا والأسواق والمكتبات.
لقد حظيت القدس بما تشتمل عليه من معالم اسلامية ومسيحية برعاية واهتمام جلالة الملك عبدالله الثاني، استمرارا لخطى  الهاشميين الذين كانوا على الدوام وسيبقون سدنة الاماكن المقدسة وحماتها لتبقى القدس اولوية اردنية هاشمية.
اما المسجد الاقصى فقد بقي في قلب الملك عبدالله الثاني كما كان في قلوب الهاشميين الذين ورثوا سدانته والاهتمام به وحافظوا عليه ليظل صنو وتوأم المسجد الحرام.
 دبلوماسية أردنية محنكة.. لصالح القضية المركزية
 كان الأردن وما يزال بقيادة الملك عبد الله الثاني حاضرا بقوّة المنطق ولغة العقل والحنكة في المشهد الدبلوماسي العربي والدولي والاسلامي؛ فكانت عمّان خليّة عمل متواصل لبحث كافة القضايا المتعلقه بالقضية الفلسطنيية والمقدسات الاسلامية والمسيحية فيها، ليظل الاردن بقيادته الهاشمية ملتزما بتحمل مسؤولياته التاريخية في رعاية الاماكن المقدسة والحفاظ على هوية المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة.
فالذاكرة الجمعية تحفل بانجازات الدبلوماسية الاردنية تجاه القدس والمقدسات الاسلامية والمسيحية فيها كنجاح الاردن مثلا في إصدار بيان من مجلس الامن استخدم فيه مصطلح «الحرم الشريف» وذلك للمرة الاولى منذ عقود.
واستحقت الدبلوماسية الاردنية التقدير والاشادة فهي تحفل سيرتها بالكثير من الانجازات العالمية حفاظا على القدس والمقدسات واقرب مثال على ذلك الانجاز الاردني الهاشمي العربي  في اليونسكو، حيث تؤكد مثل هذه الانجازات  ثبات الموقف الاردني بهذا الشأن تنفيذا للسعي الدؤوب لجلالة الملك عبدالله الثاني والدبلوماسية الاردنية في تأكيد حق المسلمين بالمسجد الاقصى، والرفض المطلق للإجراءات الاسرائيلية واعتداءاتها المتكررة.
وبفضل الوعي السياسي والدبلوماسية مارس الاردن سياسة الفعل الذي يقود إلى نتائج  ملموسة وذلك من خلال مواجهة التعنت والصلف الصهيوني عبر تعزيز دعم صمود القدس في وجه التحديات الجسيمة التي تواجه هويتها العربية ومخاطر التهويد بما فيها الترحيل القسري لاهلها والاجراءات المستمرة والمتصاعدة بتدمير مقدساتها الاسلامية والمسيحية وطمس تاريخها وتراثها الانساني، واتخاذ اجراءات قانونية ودبلوماسية واضحة وملموسة هي في واقع الحال رسائل حازمة الى المجتمع الدولي بضرورة عدم المساس بالمسجد الأقصى.
دعم مالي سخي هاشمي للقدس والمقدسيين
 حظيت المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس باهتمام بالغ في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني، وأضحت جزءا لا يتجزأ من برامج عمل الحكومات في عهد جلالته، فقد أشار جلالته إلى ضرورة الاهتمام بها والعناية بمرافقها والتعهد بحمايتها، في كتب التكليف السامي للحكومات التي تشكلت حتى الآن في عهد جلالته.
هذا الاهتمام الكبير بالمقدسات الإسلامية في القدس من قبل جلالة الملك، شكّل استمرارية للنهج الهاشمي في رعاية هذه المقدسات منذ أمد بعيد، وأخذت تلك الرعاية إطارا مؤسسيا تمثل في إنشاء الصندوق الهاشمي لإعمار المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة، بموجب قانون صدر عام 2007 بعد تعديل قانون إعمار المسجد الأقصى رقم 32 لسنة 1954، ويشرف على الصندوق مجلس أمناء برئاسة سمو الأمير غازي بن محمد المبعوث الشخصي، المستشار الخاص لجلالة الملك.
وقد أولت لجنة إعمار المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة، المشكلة بموجب القانون الأردني رقم 32 لسنة 1954م، جُلّ عنايتها بالمسجد الاقصى المبارك، وما يشتمل عليه من مساجد وقباب ومحاريب وغيرها من المعالم الحضارية، وقامت بشكل متواصل وعمل دؤوب بصيانة وترميم هذه المعالم، وأزالت آثار الحريق الذي جاوز أكثر من ثلث مساحة المسجد، بالإضافة إلى إعمار مسجد قبة الصخرة المشرفة الأول، الذي يعود تاريخه إلى عام 691م.
كما كان جلالته أول المتبرعين للصندوق ومن خاصته الملكية، تضاف إلى مبالغ أخرى مخصصة من الموازنة العامة للمقدسات الاسلامية والمسيحية للحفاظ على هوية القدس وطابعها  العربي ولدعم صمود اهلها في وجه الاحتلال وسياسات التهويد، كما كان جلالتة اول المتبرعين بدمه من اجل فلسطين والشعب الفلسطيني.
 قرار ترامب.. رفض أردني حاسم لايقبل الدونية.
 لطالما حذر الملك عبدالله الثاني من اتخاذ أي قرار بشأن القدس المحتلة خارج إطار حل شامل يحقق إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، مشددا جلالته في كافة المحافل المؤتمرات الداخلية والخارجية أن القدس هي مفتاح تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة والعالم.
وفيما يخص قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرامي إلى نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، فقد سبقت خطوات جلالته إعلان الإدارة الأميركية رسميا بنقل سفارة بلادها إلى القدس، والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، بادئا بجهود خارقة منذ تلويح الرئيس الأميركي بهذه الخطوة منذ توليه مهامه رئيسا للولايات المتحدة الأميركية؛ إذ سعى جلالته لمنع اتخاذ القرار بجرأة وسرعة خطى، وعند إعلان الإدارة الأميركية في السابع من كانون الثاني الماضي عن قراراها بنقل سفارتها للقدس، تسارعت خطوات جلالة الملك بشكل سابق به الزمن، ليكون أول صوت علا، مناديا بضرورة وقف تطبيق القرار الأميركي، فضاعف جلالته من الجهود العملية التي لم تقف عند حد الاستنكار أو الشجب، إنما تضمن الخطاب الأردني حقائق منطلقة من ثوابته الوطنية بأن القدس الشرقية عربية وهي عاصمة دولة فلسطين، وفقا للشرعية الدولية، محذرا بجرأة منقطعة النظير من تبعات القرار الذي من شأنه إعادة انجازات تاريخية أميالا للوراء!!
وعلى وقع قرار الإدارة الأميركية، اتخذ جلالة الملك عددا كبيرا من الإجراءات، إذ لم يكن شهر كانون الأول الماضي، شهرا عاديا على أجندة جلالته حيث اقتصرت برامجه على القدس، مضحيا مقابل تهديدات بقطع المساعدات الأميركية لصالح القدس، بإصرار على مواقف الأردن الثابتة وبصوت مرتفع وعلى مستوى دولي، فكان لجلالته لقاءات متعددة خلال ذات الشهر من أبرزها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وقداسة بابا الفاتيكان فرنسيس في الفاتيكان.
كما التقى جلالته بعدد من رجال الدين وشخصيات وقيادات مسيحية في الأردن والقدس، في المغطس بمناسبة عيد الميلاد المجيد ورأس السنة الميلادية، مؤكدا دعمه لصمود كنائس الأرض المقدسة في الحفاظ على مقدساتهم وممتلكاتهم، وأن حق المسلمين والمسيحيين في القدس أبدي خالد، مجددا بهذه اللقاء موقف الأردن من المقدسات بقول جلالته «سنواصل واجبنا التاريخي الممتد منذ عهد جدنا الشريف الحسين بن علي في حماية ورعاية المقدسات».
 ازالة البوابة الإكترونية.. مساع أردنية حميدة
 لن ينسى العالم أجمع وحتما الاشقاء الفلسطينيون كيف أذعن الاحتلال الاسرائيلي وقررت  الحكومة الإسرائيلية وقف استخدام البوابات الإلكترونية عند مداخل المسجد الأقصى في القدس وذلك بعدما تسببت باندلاع أعمال عنف بين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية.
وتعتبر أزمة البوابات الالكترونية من أبرز المحطات الهامة التي عمل جلالة الملك على التصدي لها خلال العام الماضي، الوقف بحزم وحسم من خطط اسرائيلية خطيرة بإقامة البوابات الالكترونية وممرات تفتيش، ومن ثم وضع كاميرات مراقبة، وإغلاق أبواب المسجد الأقصى أمام المصلين ومنعهم من دخوله، إذ انطلق صوت الحق آنذاك من عمّان بقيادة جلالة الملك برفض لهذه الإجراءات واتخاذ كل الوسائل الممكنة لمنعها ووقف تنفيذها، وتراجعت اسرائيل عن هذه الإجراءات واعلنت ذلك رسميا.
وواجه منع اسرائيل المصليين من الصلاة، ردة فعل أردنية على مستوى دولي أكدت الحكومة الأردنية من خلاله أنه على اسرائيل فتح المسجد الأقصى/ الحرم القدسي الشريف فورا أمام المصلين وعدم اتخاذ أي اجراءات من شأنها تغيير الوضع التاريخي القائم في القدس والمسجد الاقصى /الحرم القدسي الشريف، مؤكدة رفضها لأي إعتداء على حق المسلمين في ممارسة شعائرهم الدينية في أماكنهم المقدسة بحرية ومن دون أي إعاقات.
ولم يكن هذا الانتصار الأردني في القدس مقتصرا على تراجع اسرائيل عن اجراءاتها في المدينة المقدسة، إنما في منحها درسا غاية في الأهمية بأنه لن يكون سهلا أن تمرر أي مخططات تغيّر من المدينة المقدسة ومعالمها وتاريخها وعروبتها ووضعها القانوني، إذ سيكون لها الأردن بالمرصاد ولن يترك لها مجالا أن تتقدم بأي من خططها الاحتلالية التي من شأنها المساس بأي حق من حقوق المقدسيين والقدس.
   قمة تركيا.. جهد أردني في كافة المحافل
 كان ثمة طعم آخر جميل اتسم على مشاركة الملك عبد الله الثاني  في أعمال القمة الاستثنائية لمنظمة التعاون الإسلامي حيث ضم الوفد المرافق لجلالته، سمو الأمير فيصل بن الحسين، وسمو الأمير علي بن الحسين، وسمو الأمير حمزة بن الحسين، وسمو الأمير هاشم بن الحسين، ووزير الخارجية وشؤون المغتربين، ومستشار جلالة الملك، مدير مكتب جلالته، والمستشار الخاص لجلالة الملك.
فمن جهود جلالته التي شكّلت علامة فارقة في هذا الشأن، ترؤس جلالته الوفد الأردني في القمة الاستثنائية لمنظمة التعاون الإسلامي التي عقدت في اسطنبول وخطاب جلالته أمام العالم الذي وضع من خلاله حقائق غاية في الأهمية فيما يخص القضية الفلسطينية برمتها، وملف القدس، فيما بحث جلالته تداعيات اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارتها إليها مع عدد من المسؤولين العرب والأجانب.
كما عقد جلالته في الثاني عشر من كانون الأول الماضي مباحثات مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود،  في الرياض، تم خلالها بحث ذات الملف، كما استقبل جلالته رئيس مجلس الشيوخ الياباني تشوشي داتي، وتلقى اتصالا هاتفيا من الرئيس المصري، وكذلك أجرى مباحثات مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، جرى التأكيد خلالها على أن قرار الرئيس الأمريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها يشكل خرقا للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
كما قادت جهود جلالة الملك الأمم المتحدة للتصويت بالأغلبية، على رفض  قرار الإدارة الأمريكية، وتأكيدها على عدم تغيير الوضع القائم بمدينة القدس، وجددت الأمم المتحدة التأكيد على أن الوصاية الهاشمية، على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، هي الضمانة الأكيدة، للحفاظ عليها.
 مشاريع الإعمار في المسجد الأقصى في عهد الملك عبدالله الثاني.
 على مدى قرون، حمل الهاشميون أمانةً خاصة، هي أمانة حفظ ورعاية المواقع الإسلامية المقدسة في مدينة القدس.
وعندما تسلّم جلالة الملك عبدالله الثاني مسؤولياته الدستورية، بعد وفاة والده المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه، حمل على عاتقه تحديات مقدسية جليلة تكمن في مشاريع الإعمار في المسجد الأقصى.
ومن مشاريع الإعمار في المسجد الأقصى التي تمت في عهد الملك عبدالله الثاني :

أولاً: منبر المسجد الأقصى المبارك (منبر صلاح الدين) حيث تشرف جلالة الملك عبدالله الثاني بوضع اللوحة الزخرفية الأولى على جسم المنبر في 26 رمضان 1423هـ، الموافق الأول من كانون الأول 2002م، وتصدر العمل في عملية التصنيع الاهتمام والمتابعة المستمرة، ليعود المنبر على صورته الحقيقية المميزة ببالغ الحسن والدقة والإتقان، كما أراد له أن يكون جلالة الملك الحسين بن طلال، طيب الله ثراه، عندما أبدى توجيهاته بإعادة صنع منبر صلاح الدين الأيوبي في 10 ربيع أول 1414هـ الموافق 28 آب 1993م.
ثانياً: الحائط الجنوبي للمسجد الأقصى.
ثالثاً: الحائط الشرقي للمسجد الأقصى المبارك.
رابعاً: مشروع نظام قضبان الشد والربط لجدران المصلى المرواني.
خامساً: نظام الإنذار وإطفاء الحريق في المسجد الأقصى المبارك.
سادساً: البنى والمرافق التحتية.
سابعاً: قبة الصخرة المشرفة: وشملت الرعاية الهاشمية في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني، ترميم الأعمال الفنية في مختلف مرافق قبة الصخرة المشرفة، إذ تعد هذه الواجهات الفنية الزخرفية من كنوز الإنجاز الفني الإسلامي الذي يعود للعصر الأموي، ومنها إعادة الرخام الداخلي لجدران القبة.
ثامناً: مهد عيسى عليه السلام.
تاسعاً: مشاريع الإعمار المقترح تنفيذها: تسعى الحكومة إلى إتمام عمليات التحديث والترميم التي أمر بها جلالة الملك عبدالله الثاني، ووضعت أمام أعينها تنفيذ عدد من المشاريع المستقبلية ومنها: مشروع الإنارة، وشبكة الهاتف، وتطوير الصوتيات المركزية، ومشروع المئذنة الخامسة للمسجد الأقصى المبارك.
عاشراً: ترميم القبر المقدس: في الرابع من نيسان عام 2016 م وبمكرمة ملكية سامية، تبرع جلالة الملك عبد الله الثاني، وعلى نفقته الخاصة، لترميم القبر المقدس في كنيسة القيامة في القدس، وأبلغ الديوان الملكي الهاشمي البطريركية الأورشليمية في القدس بمكرمة جلالته، برسالة خطية أرسلت إلى غبطة البطريرك كيريوس ثيوفيلوس الثالث، بطريرك المدينة المقدسة وسائر أعمال الأردن وفلسطين.
    الإعمار الهاشمي الأول 
 تصدى الهاشميون لمزاعم الصهيونية في القدس، والتي مثلت تهديداً مباشراً للمدينة العربية وتراثها الحضاري، وأسس في القدس عام 1922م المجلس الإسلامي الأعلى كمنظمة إسلامية أهلية للحفاظ على تراث القدس الشريف، الذي بادر إلى جمع الأموال اللازمة لترميم قبة الصخرة.
وتبرع الشريف الحسين بن علي، شريف مكة، طيب الله ثراه، بمبلغ 50 ألف ليرة ذهبية، لإعمار المسجد الأقصى ومساجد أخرى في فلسطين، لتشكل أساس المال الإسلامي لإعمار المقدسات، ملبيا بذلك نداء أهل القدس كأول المستجيبين، حين زاره وفد مقدسي عام 1924م في الحجاز، برئاسة الحاج أمين الحسيني رئيس المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، وأطلعه على المخاطر التي يتعرض لها المسجد الأقصى. وأسهمت عملية الترميم التي باركها الشريف الحسين بن علي في بيت المقدس، بصمود مرافق المسجد الأقصى حين ضرب زلزال عنيف المنطقة عام 1927م.
وجسدت استجابة الشريف الحسين بن علي لطلب العون من أهل القدس في مرحلة مبكرة، وعياً والتزاماً منه بقضايا الأمة، ووفاء لهذا العطاء طلب أهالي القدس وأعيانها دفن الشريف الحسين، طيب الله ثراه، في الرواق الغربي للحرم الشريف في حزيران 1931، تأكيداً على مكانته وتقديراً لجهوده في إنقاذ المؤسسات الإسلامية في القدس.
 الإعمار الهاشمي الثاني 
 ما إن تولى جلالة الملك الحسين بن طلال، طيب الله ثراه، سلطاته الدستورية في الثاني من أيار1953م، حتى صدرت توجيهاته إلى الحكومة لترميم قبة الصخرة، التي أخذت تفقد بريقها بفعل عوامل الطقس والزمن، وبعد أن أخذت المياه تتسرب إلى الداخل.
وأمر جلالته في عام 1954م بتشكيل لجنة بموجب قانون خاص لإعمار المقدسات الإسلامية في الحرم القدسي الشريف، تحت الرعاية الهاشمية، من منطلق المسؤولية التاريخية للهاشميين تجاه المقدسات.
وتتابع الاهتمام بالقدس ومقدساتها في عام 1956م وعام 1959م، وهو تاريخ بدء الترميم الثاني الذي موّله الأردن، إلى جانب دعم قدمته بعض الدول الإسلامية الأخرى، واستمر الترميم الثاني حتى السادس من آب 1964م، واشتمل على:
 - إعمار المسجد الأقصى المبارك وترميم جدرانه الخارجية الحجرية، وتركيب أعمدة رخامية لأربعة أروقة في الناحية الشرقية منه، وتركيب نوافذ من الزجاج الملون، وترميم الأسقف والجدران الداخلية والخارجية.
  -  إعمار قبة الصخرة المشرفة، وتركيب قبة خارجية من الألمنيوم الذهبي اللون، وتركيب رخام للجدران الداخلية والخارجية، وإعادة ترميم الفسيفساء فيها وكتابة الآيات القرآنية.
وحظي الاحتفاء بانتهاء الإعمار الهاشمي الثاني، الذي أقيم في الحرم القدسي الشريف بتاريخ 28 ربيع الأول سنة 1384هـ الموافق 6 تموز 1964م، برعاية جلالة الملك الحسين بن طلال، طيب الله ثراه، والذي ألقى خطاباً، في الاحتفال، بين فيه مكانة القدس لدى الهاشميين، وضرورة تكاتف المسلمين لحمايتها. وقال في هذا الخطاب:
«إننا ونحن نغتبط اليوم إذ نمد أبصارنا من خلالكم، فنرى الملايين من العرب والمسلمين في آسيا وأفريقيا، وقد اجتمعت من حول فلسطين هذه الساعة، نحب أن نذكر بأن إعمار مسجد الصخرة المشرفة وقبتها المشرفة إنْ بدأ فوق أرض المسجد وفي حدودها الضيقة، فإن إنقاذ الصخرة والحفاظ على مسجدها وصون قبتها تنتهي كلها هناك، في الأرض السليبة، في الأرض العربية الحبيبة، وفي استرداد حقوقنا فيها كاملة غير منقوصة...»
   الإعمار الهاشمي الثالث
 تعرض المسجد الأقصى في 21 آب 1969م إلى حادثة أليمة، عندما اقتحم أحد اليهود المتدينين المتعصبين المسجد، وأشعل النار فيه، وأدى إلى تدمير معظم أجزاء المسجد الأقصى.
ومن بين أهم الأجزاء، منبر صلاح الدين، وهو منبر أحضره من حلب القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي الذي حرر المدينة من الصليبيين عام 1187م، ومسجد عمر الموجود في الزاوية الجنوبية الشرقية من المسجد الأقصى، ومحراب زكريا، ومقام الأربعين، والمحراب الرئيسي للمسجد والقبة الخشبية الداخلية، ونوافذ المسجد والجدار الجنوبي، كما تعرض السجاد الذي يغطي أرض المسجد إلى الحريق والخراب.
وإثر ذلك، أصدر جلالة الملك الحسين بن طلال، طيب الله ثراه، أوامره بضرورة إعادة تعمير المسجد الأقصى، وتم إعادة تعمير كل من المسجد الأقصى الذي أعيد إلى حالته السابقة قبل الحريق، وقبة الصخرة المشرفة، حيث تم استبدال ألواح الألمنيوم القديمة للقبة بألواح نحاسية مذهبة محكمة الإغلاق، كما شمل التعمير مناطق أخرى في الحرم الشريف والقدس ومنها : قبة السلسلة، وباب الرحمة، وجامع المدرسة الأرغونية، ومكتبة المسجد الأقصى، والقبة النحوية وسوق القطانين، والمتحف الإسلامي، وسبيل قايتباي.
وعقب الانتهاء من إعمار المسجد الأقصى، وجد جلالته أن لجنة الإعمار تعاني من نقص مالي كبير، لا سيما أن تنفيذ التصفيح النحاسي لقبة الصخرة يحتاج لمبالغ كبيرة، مما حدا بجلالة الملك إلى التبرع بمبلغ من ماله الخاص للجنة الإعمار حتى تستطيع القيام بأعمالها، وأوضح ذلك في رسالته إلى رئيس لجنة الإعمار بتاريخ 11 شباط 1992م، وجاء فيها:
«إن ما تم إنجازه حتى الآن في اتجاه البدء بعملية إعادة الترميم والإعمار، يبعث فينا جميعاً الرضا والاعتزاز، وإزاء استكمال الدراسات وطرح العطاءات المتعلقة بهذه العملية، فإنه ليسعدنا أن ننقل إليكم تبرعنا الشخصي، مقدماً لهذا العمل العظيم باسم أسرتي الهاشمية سليلة آل البيت وحاملة رسالته.وإذ علمنا منكم أنَّ ما هو متوفر لديكم هو مبلغ مليون ومائتي ألف دينار أردني، فإنني أضيف لهذا المبلغ ما مقداره 8.249.000 دولار تبرعاً شخصياً مني ومن أسرتي الهاشمية» ولم يقتصر الاهتمام الهاشمي في القدس على تعمير الأماكن الإسلامية المقدسة، ليشمل كذلك إنشاء الكليات والمدارس الدينية ومراكز حفظ التراث. أضحت المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس، في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني، جزءا لا يتجزأ من برامج عمل الحكومات الأردنية، وكتب التكليف السامي لها، والتي أكد جلالته فيها ضرورة الاهتمام بها والعناية بمرافقها والتعهد بحمايتها.
وجسد اهتمام جلالته بالمسجد الأقصى، استمرارية هاشمية في رعاية مدينة القدس ومقدساتها، لما لها من مكانة ومنزلة في سائر الديانات السماوية، وتمثل ذلك النهج بتشكيل لجنة إعمار المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة بموجب قانون، حفاظا على المقدسات والمعالم الإسلامية، لتبقى قائمة ببهائها وجمالها ومتانتها.
وأولت اللجنة عنايتها بالمسجد الأقصى المبارك، وما يشتمل عليه من مساجد وقباب ومحاريب ومساطب وغيرها من المعالم الحضارية، وأجرت أعمال الصيانة بشكل متواصل، وأزالت آثار الحريق الذي جاوز أكثر من ثلث مساحة المسجد، إضافة إلى إعمار مسجد قبة الصخرة المشرفة الأول.
   إنقاذ منبر صلاح الدين 
 عاد منبر صلاح الدين إلى مكانه الطبيعي في الأقصى المبارك بعد أن أعاد له الهاشميون ألقه الذي كان عليه، قبل أن تمتد اليد الآثمة إليه يوم الحادي عشر من آب عام 1969 التي أحرقت المنبر فيما أتت النيران على جزء كبير من مرافق المسجد الأقصى أولى القبلتين وثاني مسجد بني في الأرض وثالث الحرمين ومسرى ومعراج رسول الهدى محمد عليه السلام.
وبعد هذا الحادثه، تعهّد جلالة الملك الحسين الله طيب الله ثراه، بإعادة بناء المنبر – وهو عمل عظيم ثبت في ما بعد أنه أصعبُ كثيراً مما قدّر له في البداية -. فما تبقى من المنبر الأصلي قليل جداً، ولم تكن هناك رسوم وسجلات مفصلة للمنبر تبيّن عملية بنائه، وأبعاده، والمواد المستعملة فيه أو هيكله الداخلي، وما عُثِر عليه هو قطع خشبية متفحمة، ولوحات فنية قديمة، وصور فوتوغرافية بالأبيض والأسود، غدت الأدلة الوحيدة المتوافرة للجنة التي شُكّلت للإشراف على هذا العمل الجليل، وبدا أيضاً وكأن المعرفة بتصميم وبناء أجزاء المنبر الدقيقة قد فقدت.
إن إعادة بناء المنبر ستكون أكثر من مجرّد اختبار للمهارات، فهي ستصبح جُهْداً رئيسياً عظيماً لحماية التراث الفكري والفني والإبداعي للعالم الإسلامي، هذا التراث المميز الذي بدأت معالمه تختفي بسرعة.
وعندما اعتلى جلالة الملك عبدالله الثاني العرش، عاود وصاحب السمو الملكي الأمير غازي بن محمد، الجهود لترميم المنبر.
وبدعم ملكي هاشمي، أُسّس مشغل في مدينة السلط جُمع فيه حشد من أفضل المبدعين في النقش على الخشب من سائر أرجاء العالم الإسلامي، لإتمام المنبر الجديد، بحيث يكون نسخة طبق الأصل عن المنبر الذي دمره الحريق. وحتى بوجود فريق يضم 12 من الحرفيين الماهرين، فإن بناء المنبر استغرق حوالي أربع سنوات كاملة، وما إنْ أُنجز بصورة نهائية ونقل إلى القدس في 2 شباط 2007م، حتى استقر في مكان المنبر الأصلي بصورة رائعة دون زيادة أو نقصان. ــ الدستور ــ ابراهيم أبو زينة