تدويل التعليم.. خطوة لإصلاح التعليم


أنباء الوطن -

بقلم : الأستاذ الدكتور ماهر سليم

يواجه التعليم العالي في الأردن تحديات العولمة وآثارها المتعددة على الصعيد الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وأصبح ضرورةً وليس ترفاً وضع الحلول العلمية والعملية القابلة للتطبيق في ظل التوجه العالمي المنبثق من استراتيجية تدويل التعليم لمنظمة اليونسكو عام 1998، والتي تحدد التدويل كوسيلة للارتقاء بالتعليم والبحث العلمي بتبني البعد الدولي في فعاليات التعليم وأنشطته الأكاديمية وغيرها، وتحديث الخطط الدراسية وتبادل أعضاء هيئة التدريس والطلبة، واستقطاب الخبراء والمختصين وزيادة مهارات التواصل وتعلم اللغات الأجنبية والتعاون الدولي في المجالات الفنية والتدريب والبحث العلمي وتعزيز الشراكات سعياً لتجديد نوعية التعليم والبحث العلمي.

فكان إعلان السوربون 1998 الذي يهدف إلى إعادة النظر في النظام الأوروبي للتعليم والذي وقعه أربعة وزراء للتعليم من فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة، ومن ثم اتفاقية بولونيا في عام 1999 الذي وقعها وزراء التعليم العالي الأوروبيون، والتي تنص على أكبر عملية إصلاحية في التعليم العالي الأوروبي حيث تهدف إلى إيجاد نظام تعليمي أوروبي.

وتنص الوثيقة على ستة أهداف عامة، منها: تسهيل التنقل للطلبة والباحثين بين الجامعات الأوروبية، ودعم التعاون والبحث العلمي المشترك، واعتماد أنظمة موحدة لقياس مهارات الطلبة وتحصيلهم العلمي، وقد تم على أثرها إعادة هيكلة النظام التعليمي ليتواءم وتحقيق الأهداف المنشودة.

إن التنافس على جودة الخريجين ومدى قدرتهم التنافسية على مواجهة متطلبات العمل المحلي والإقليمي والعالمي، والمشاركة في النهضة والتطوير والريادة والتحول إلى اقتصاد المعرفة يعدّ الحجر الأساس، والعامل المحدد الذي يدفع بتبني استراتيجية التدويل كوسيلة لمواجهة العولمة وتحدياتها في الوقت نفسه الذي يتزامن فيه التراجع الواضح في مستوى التعليم العالي في الأردن والذي نتج عنه اختلال في أعداد الخريجين المتمثلة بزيادة أعدادهم وتدني المهارات المكتسبة التي تتوافق مع متطلبات المجتمع بقطاعاته المختلفة واحتياجات أرباب العمل، بمعنى تفوق الكم على النوع والتحول إلى البطالة المقنعة، الذي يحد من الفرص في المنافسة داخل نطاق الوطن وخارجه.

ولا بد من الإشارة إلى أن هناك جهوداً مبذولة في الأردن في هذا الاتجاه يتمثل بالمشاركة في البرامج الدولية، مثل (تمبوس وإراسموس)، الذي يتم تمويلها والإشراف عليها من الاتحاد الأوروبي وغيرها من البرامج الدولية، ولكنها ما زالت محدودة ولا تتعدى برامج قليلة لا تؤثر على واقع التعليم ولا تسهم في تطويره للمستوى المطلوب، وذلك كونها محاولات فردية من المؤسسات التعليمية دون أن يكون لها رؤية ضمن الاستراتيجية الوطنية الشاملة.

لقد أصبح العالم قريةً صغيرةً في ظل التطور الهائل في عالم تقنية المعلومات والاتصالات وانفتاح دول العالم على بعضها، والتحديات المتوقعة في فضاء التعليم العالي العالمي، كما أن دور الجامعات لم يعد قاصراً على التدريس بل تعدى ذلك لتكون مراكز للبحث والتخطيط والمشاركة في البناء الاجتماعي والثقافي وتحقيق التنمية المستدامة، ومن أجل البقاء والمنافسة والمشاركة فإنه لابد من تبني مشروع وطني بتدويل التعليم في المملكة الأردنية الهاشمية، وهذا مشروع ضخم يحتاج إلى إرادة سياسية واستراتيجية تضمن حسن تنفيذه، آخذين بعين الاعتبار مقومات البلد وثرواته الطبيعية، واحتياجاته الآنية والمستقبلية، وأهدافه الوطنية التي تندرج في فضاء الأمن الوطني والثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي.

ومن المؤكد أن مؤسسات التعليم العالي في الوضع الحالي لا تستطيع القيام بهذا الدور دون دعم حكومي متزامنٍ مع سن التشريعات المناسبة لتسهيل التنفيذ وضمان تحقيق الأهداف المحددة.

إن تدويل التعليم يتضمن عدة خطوات وإجراءات وفعاليات لابد من البدء فيها لتصبح توجهاً واضحاً للتعليم العالي ومكوناته من مؤسسات تعليمية؛ لتعمل جميعاً بتناغم وتشاركية تجنباً للأخطاء والممارسات وذلك على النحو الآتي:

أولاً: تبني مجلس التعليم العالي وهيئة الاعتماد مشروع تدويل التعليم، وسن التشريعات الثابتة والواضحة والمناسبة لخلق بيئة تضمن نجاح المشروع والاستفادة من اتفاقية بولونيا كمشروع إصلاحي للتعليم والتركيز على الجوانب الإيجابية بتطبيق المعايير الدولية في التعليم.

ثانياً: إعادة النظر بالبرامج المطروحة كافةً في مؤسساتنا التعليمية وخططها الدراسية لتحديثها بما يتواءم ويتطابق مع ما هو معمول به في الجامعات العالمية المرموقة من حيث المحتوى والأهداف لضمان اكتساب الخريجين المهارات المناسبة محلياً ودولياً، والتي تعزز من فرصهم التنافسية، وهذا يعني تدويل الخطط الدراسية لتكون متوافقة مع ما هو مطروح في الجامعات العالمية، وضمان استمرار مراجعتها وشمول البرامج التعليمية لمقررات تعليم العمل الحر الخاص والمشروعات الصغيرة والتدريب الميداني والتأكيد على مشروع التخرج لكل التخصصات.

ثالثاً: توفير الحرية الأكاديمية للجامعات، مع ضرورة الالتزام بمعايير الاعتماد والجودة الأردنية والإقليمية والدولية وتطبيق نظام الحوكمة الرشيدة مع التأكيد على الدور الوطني في التوجيه.

رابعاً: تشكيل لجنة وطنية دائمة لإصلاح التعليم وتطويره المستمر تكون من مسئولياتها وضع الاستراتيجيات الوطنية لجميع مؤسسات التعليم في الأردن.

خامساً: تعزيز الشراكات الاستراتيجية بين مؤسسات التعليم العالي ومراكز الأبحاث الجامعية؛ من أجل نقل المعرفة والحداثة والاستفادة من البرامج الدولية مثل (هواريزن 2020) وغيرها، والتي تهدف إلى تطوير البنية التعليمية والبحثية في الجامعات وتبادل الأفكار والمعارف والخبرات.

سادساً: توجيه الجامعات الأردنية للاستفادة الحقيقية من البرامج الدولية لتطوير كوادرها وبناء الكفايات الجامعية على مستوى البكالوريوس والدراسات العليا، والسماح بتنقل الطلبة والموظفين وأعضاء هيئة التدريس ووضع التشريعات الداعمة والتمويل المناسب، الأمر الذي يتيح بالتعرف إلى التجارب العالمية والاستفادة منها.

سابعاً: ربط الترقيات العلمية لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات الأردنية بمدى تفاعلهم في مجال الأبحاث والنشر مع الجامعات المرموقة ومراكز البحث فيها، واستقطاب أعضاء هيئة تدريس وباحثين غير أردنيين للعمل في الجامعات الأردنية من ذوي الخبرة في الجامعات العالمية بحيث ينتمون إلى مدارس بحثية تكون لهم إنجازات مؤكدة واعتماد نسبة مئوية لهؤلاء الباحثين لتكون ضمن معايير الاعتماد والجودة لمؤسسات التعليم الأردنية، كما لابد من تغيير نظام التفرغ العلمي في الجامعات الحكومية والخاصة ليصبح مرتبطاً مع هذه المراكز البحثية الدولية.

ثامناً: تعزيز البرامج المشتركة والتي ينتج عنها منح شهادات ومؤهلات علمية من الجامعات الأوروبية والجامعات العالمية المرموقة، وهذا أفضل أنواع التشاركية الذي يضمن جودة التعليم بالدرجة الأولى، كما يضمن نقل المعرفة إلى المؤسسات التعليمية المحلية ومراكز الأبحاث وبخاصة في الدراسات العليا. أما سياسة الاستضافة فهي لا تحقق إلا فائدة مادية لكل من الجامعات الخارجية والجامعات الأردنية المستضيفة، ولا يوجد لها أي قيمة علمية مضافة بل قد تكون سبباً في تدني جودة التعليم ومخرجاته.

تاسعاً: تشجيع افتتاح فروع حقيقية لعدد من الجامعات العالمية ذات السمعة العلمية المرموقة والمصنفة ضمن أفضل ثلاثمائة جامعة حسب التصنيف العالمي لضمان توفير التعليم الجيد أسوة بنماذج الجامعات الأمريكية التي فاق عددها على 250 جامعة في الصين وآسيا والشرق الأوسط وغيرها والتي تكفل تعليم ما يقرب من 325.000 طالب سنوياً.

عاشراً: الاهتمام بمهارات التواصل كتعليم اللغة الإنجليزية وإحدى اللغات العالمية الأخرى كالفرنسية أو الألمانية في مراحل التعليم الأساسي والجامعي للتخصصات الإنسانية والعلمية كافةً، الأمر الذي يتيح للمتعلم التعرف على ثقافات مختلفة واكتساب مهارات من شأنها استثمار وتطوير القدرات المعرفية مما يعزز الفرصة للحصول على العمل في الدول العربية والغربية ويزيد من فرص المشاركة في الأعمال التجارية والتكنولوجية والانفتاح على الثقافات والحضارات الأخرى.

الحادي عشر: دعم التعليم التقني والمهني كحاجة ضرورية تفرضها التحديات المحلية والعالمية واستحداث تخصصات غير نمطية تتواءم مع احتياجات السوق وتعزيزها بشهادات دولية من منظمات العمل العالمية لضمان نوعية المهارات المكتسبة والتي تتواءم مع أسواق العمل الوطنية والإقليمية والعالمية، وتضمن للخريجين فرص عمل غير محدودة بمنطقة جغرافية.

كما لابد من تبني سياسة ترويج للتعليم والتدريب في المجال التقني والمهني وإبراز دوره في تحقيق الازدهار الاقتصادي والرقي الاجتماعي ومساهمته في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة وسن التشريعات اللازمة لدعمه وحمايته.

الثاني عشر: تطوير البنية التحتية لشبكة المعلومات والتواصل في المؤسسات التعليمية وربطها ببعضها؛ لتصبح قادرة على تبني التعليم الإلكتروني، كوسيلة تعليمية معاصرة تحولها من التلقين التقليدي إلى التفاعل والتعلم وتنمية المهارات بالإضافة إلى تمكين الجامعات من تقديم الخدمات التعليمية لشريحة واسعة داخل وخارج المملكة بما يعرف بالتعلم عبر الأقطار والقارات، بالإضافة إلى وضع التشريعات التي تنظم وتدعم التعليم الإلكتروني والتعلم عن بعد وتبادل المعلومات والأبحاث في المجالات المختلفة.

وفي الخلاصة، إن تدويل التعليم في الأردن أصبح مطلباً وضرورة للاستجابة للتغيرات العالمية ووسيلة هامة لخلق المزايا التنافسية التي تضمن فرصاً لخريجي الجامعات كون الأردن يعتمد على تصدير الكفاءات والخدمات إلى الخارج، كما أنها الطريق الوحيد لخلق بنية تعلمية وبحثية وزرع ثقافة الإنتاجية والإبداع والابتكار، تتخطى سلبيات الحاضر، وتنقل التعليم إلى مرحلة جديدة تسهم في تطوير المعرفة والفكر والتحول إلى اقتصاد المعرفة، فلا بد من التوجه للانفتاح على الدول المختلفة وزيادة الحراك الأكاديمي في مؤسسات التعليم العالي لتبادل الخبرات والمعارف والمهارات إما عن طريق الحصول على الشهادات العلمية أو الدورات التدريبية التي ترتقي بمستوى الخريجين وتتواكب مع متطلبات العمل وتحقق الاستجابة الأمثل للتطورات الهائلة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والمساهمة في إحداث التطوير الإيجابي المطلوب.

رئيس جامعة عمان العربية