"التحدّي الهاشميّ لصفقة القَرن"
بقلم / أ.د. صلحي الشحاتيت*
يواصلُ الملك عبدالله الثاني جهدهُ الكبير في سبيل دعم القضيّة الفلسطينيّة والدفاع عن القدس. هذا الجهد كان واضحاً من خلال التصريحات التي أدلى بها جلالته الأسبوع الماضي، خلال زيارة له لمحافظة الزرقاء، وخلال اجتماعه مع قيادات عسكرية وأمنية في القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية، حيث شدّد جلالته بالقول أن القدس خط أحمر، مؤكداً:
«كلا للتنازل عن القدس المحتلة، كلا للوطن البديل، كلا للتوطين». وهذه رغبة واضحة للتصدي لأية ضغوطات مهما كانت، فنحن كما قال جلالته الجيش العربي المصطفويّ، وتاريخنا بالقدس وفلسطين يشهد على ذلك. كما أكد ذلك أيضاً خلال حفل تسلمه جائزة مصباح السلام في دير القسيس فرانسيس في إيطاليا، حيث قال: «ليس هناك ما هو أهم في يومنا هذا من العمل من أجل حماية القدس، وكوني صاحب الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحيّة في القدس؛ فإنني ملتزم التزاماً خاصاً وشخصياً بواجبي تجاه أمن ومستقبل المدينة المقدسة». فالوصاية الهاشميّة على القدس والمقدسات الإسلاميّة والمسيحيّة نابعة من إرث تاريخي وشرعي، ورثه جلالته عن جده الحسين بن علي.
جاءت هذه التصريحات بسبب ما تضمنته «صفقة القرن»، وما تلاها من أخبار مغلوطة كان هدفها التشكيك بالموقف الأردني تجاه القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى ضغوطات على الجانب الأردني، تمثلت على شكل إغراءات مالية؛ لدرجة أنها وُصِفت بأكبر رشوة في تاريخ البشرية، وهذا ما تم نشرهُ في مقال في صحيفة هآرتس العبرية بعنوان: «هل صفقة ترامب للقرن هي أكبر رشوة في التاريخ؟!».
وضّح هذا المقال أن هذه الصفقة التي يُبشّر بها جاريد كوشنر، ما هي إلا خطة لاستثمار المليارات في الضفة الغربية وقطاع غزة، وما يتم التّخطيط له، ليس صفقة القرن إنما رشوة القرن؛ بحيث يتم منح ما يقارب 25 مليار دولار للفلسطينيين و 40 مليار دولار تُنْفق على شكل استثمارات على مدار عشر سنوات في كل من الأردن ومصر ولبنان؛ بهدف تحسين الأوضاع الاقتصادية. كل ذلك مقابل الموافقة على هذه الصفقة المشؤومة. أمّا بالنسبة لمستقبل الدولة الفلسطينية، فقد رفض كوشنر مناقشة هذا الموضوع بشكل مباشر، كما وضّح المقال أن الخطوط العريضة لهذه الصفقة جاءت لصالح الصورة العامة لـ كوشنر، حيث أنها تظهر بمظهر الارتكاز والمثالية، وتعمد إلى إحلال السلام والرخاء والإزدهار للفلسطينيين.
تُعد هذه الخطة فاشلة بكل الأحوال، لأن القضية التي تستهدفها صفقة القرن ليس لها ثمن مادي ولا تباع وتشترى، لأنه يجتمع فيها رموز الدين والكرامة ولا يمكن أن تتحول الى سلعة تجارية في ساحات المزاد العلني.
رغم حجم الإغراءات التي عرضت على الأردن من أجل قبول هذه الصفقة، إلا أن موقفه ثابت ممثل بقيادته الهاشمية والشعب الأردني الواحد، وأنهم مستعدون للتضحية بالغالي والنفيس والالتفاف حول مليكهم الهاشمي لدعم صموده، والحفاظ على حقوق وكرامة كل الأردنيين. ونحن نعي حجم الضغط الهائل والشديد الذي ستتعرض له المملكة في المرحلة القادمة، وأن ثمن موقف جلالته وموقف الشعب الأردني ستكون عالية جدا، لكن كما قال الاخ محمد داودية خلال مقابلة له مع قناة رؤيا الفضائية قبل عدة أيام «القدس تريد مهراً يرتفع ثمنه مع مكانة القدس العالية»، ومكانة القدس في قلب جلالته وقلوب الأردنيين عالية جداً لا تتغير مهما كان حجم التحديات والضغوطات.
*رئيس جامعة العقبة للتكنولوجيا