فتح طبي جراحي ينقذ فتىً إماراتياً من الثلاسيميا ويمنح المصابين بهذا المرض الوراثي أملاً واعداً

يعيش حسين البلوشي، ابن السابعة عشرة، حياته في دبي كأي فتىً في سنّه؛ يمارس الرياضة ويقضي بعض الوقت بصحبة الأصدقاء والعائلة ويؤدي واجباته المدرسية، فيما يحلم مثل كثير من أقرانه بمستقبل واعد، آملاً أن يتمكّن من دراسة الهندسة أو الطب.
إلاّ أن حسين كان يعيش قبل عامين ونصف فقط العام فقط، في ظل مرض الثلاسيميا، المرض الوراثي الموهن الذي يستلزم نقلاً متكرراً للدم ويحمل خطر حدوث مضاعفات مميتة. ويُعدّ هذا المرض شائعاً بين سكان الشرق الأوسط، في حين يُعتقد أن حوالي 8.5 بالمئة من مواطني دولة الإمارات يحملون المورِّثة المسببة للمرض.
ويحمل حسين، بالتزامن مع الاحتفال باليوم العالمي للثلاسيميا الذي يوافق الثامن من مايو من كل عام، رسالة بسيطة يودّ إيصالها للمصابين بهذا المرض، مفادها أن "عليهم التمسّك بالأمل؛ فأمام كل شخص فرصة للشفاء، إذ ليس هناك شيء مستحيل".
وكانت الفرصة سنحت أمام حسين في العام 2016 للخضوع لعلاج ثوري، بعدما أمضى طفولته يجوب مراكز طبية عديدة حول العالم على أمل العثور على العلاج المرجوّ. وتمثّل العلاج الجديد وقتها بعملية جراحية لزراعة نخاع عظم متطابق وراثياً، أجريت للطفل الإماراتي في مستشفى كليفلاند كلينك بالولايات المتحدة. وانطوت العملية على الحدّ الأدنى من المخاطر أو الآثار الجانبية على الأمد البعيد.
وأوضح الطبيب المعالج، الدكتور ربيع حنا، مدير قسم زراعة نخاع العظام في مستشفى كليفلاند كلينك للأطفال بالولايات المتحدة، في عمليات زراعة النخاع العظمي التقليدية، "يجب أن تتطابق خلايا المتبرع والمتلقي من الناحية الوراثية، ما يعني أن حوالي ربع المرضى فقط يستطيعون الخضوع لهذه العملية". لكنه قال إن عملية الزراعة الحديثة لنخاع العظم، تتطلب "مطابقة الخلايا المتبرع بها لنصف الجينات المهمة لدى المريض"، ما يوسّع نطاق المتبرعين المحتملين بشكل هائل، وأضاف: "يكفل هذا الفتح الطبي أن يكون لكل طفل تقريباً متبرع مناسب، سواء أمه أو أباه، أو حتى أخاه غير الشقيق".
وخضع حسين للعملية في كليفلاند كلينك في نوفمبر 2016، باستخدام نخاع عظمي تبرع به شقيقه سهيل، البالغ من العمر 11 عاماً، وذلك بعد سلسلة من العلاجات الكيماوية المعتدلة والمشروطة والعلاجات بالعقاقير كابتة للمناعة.
وأكّد الدكتور حنا أن العملية الجديدة تتسم بكونها أيسر أداء وتقدّم نتائج أفضل، مشيراً إلى أن الطب في السابق لم يكن يتوسع في عمليات زراعة النخاع العظمي بسبب ارتفاع خطر الإصابة بما يُعرف بداء "الطُّعم حيال المضيف"، وهو ردّ فعل مناعي يحدث بعد العملية وينتج عن تفاعل معقد بين مناعة المتبرع والمُستقبِل، عندما تعتبر خلايا النخاع المتبرَّع بها الجسم المضيف "غريباً" وتبدأ بمهاجمته، بحسب ما أوضح أخصائي الأورام وزراعة النخاع لدى الأطفال، الذي قال إن خطر الإصابة بداء الطُّعم حيال المضيف، GvHD، "يتضاءل بفضل الأساليب والبروتوكولات التي نتبعها"، مؤكداً أن المريض بوسعه العودة إلى نشاطه وعيش حياة طبيعية بعيداً عن تناول الأدوية كابتة للمناعة في غضون ستة إلى تسعة أشهر على أبعد تقدير، وهو ما حصل مع حسين.
وقال الفتى: "كنت قبل العملية أتناول العقاقير بكثرة، واضطر للاستيقاظ ليلًا لتناول بعضها. أما الآن فلم أعُد أتناول أي عقار لأنني لم أعد بحاجة إليها".
كذلك اعتاد حسين على إجراء عمليات نقل دم شهرية مؤلمة، وظلّ في حاجة دائمة للرعاية الطبية، ما أثّر على تحصيله الدراسي، وأضاف: "كانت تفوتني الكثير من الحصص الدراسية بسبب كثرة مواعيد الطبيب، ولشعوري بالتعب والإرهاق معظم الوقت، لكنني الآن أواظب على الذهاب إلى مدرستي بانتظام ولا يفوتني أي شيء".
في المقابل رأت فريدة، والدة حسين، أن المرض أثّر كثيراً في حياة الأسرة بأكملها، نظراً للقلق المستمر والحاجة للسفر المتكرر طلباً للعلاج، ما أبعدها عن أبنائها الآخرين الذين اضطروا دائماً إلى المكوث برفقة مع أحد أفراد العائلة، وقالت: "لم أكن أذوق طعم النوم في كثير من الليالي؛ إذ كان عليّ أن أطمئنّ من حسين طوال الوقت للتأكد من أنه بخير، وكنت أعيش في قلق وخوف مستمرين".
ويمكن أن يكون النوع "بيتا" من مرض الثلاسيميا قاتلاً بسبب كثرة عمليات نقل الدم. وبمرور الوقت، قد يؤدي تدفّق الهيموغلوبين إلى تراكم الحديد في الجسم، ما يتسبب في مشاكل في القلب والكبد واضطرابات في الهرمونات.
وانتهى الدكتور حنا إلى أن القدرة على تحسين حياة مرضى، مثل حسين، "تحظى بجانب شخصي لدي، فعندما كنت في المدرسة توفي أحد أصدقائي بسبب الثلاسيميا، وقد كان طفلاً ذكياً، لذلك أشعر أن من واجبي توعية الناس بما أصبح متاحاً من علاج لهذا المرض لجميع المصابين به تقريباً".
أما والدة حسين، فأعربت عن امتنانها وشكرها على شفاء ابنها من الثلاسيميا، وخلُصت إلى القول إن الاستقرار "عاد إلى حياتنا"، معربة عن سعادتها الغامرة بأن ترى حسين يعيش "حياة طبيعية بلا ألم ولا معاناة"، ومشيرة إلى أن بوسعها الآن "تكريس مزيد من الوقت لجميع أفراد الأسرة".