وجه آخر للحوكمة !


أنباء الوطن -

بقلم / الدكتور يعقوب ناصر الدين

في الغالب لا أحد يتكلم عن الحوكمة إلا من خلال ثلاثية التشاركية والشفافية والمساءلة في إدارة مؤسسات القطاعين العام والخاص من أجل ضمان حسن أدائها وجودة مخرجاتها ، لكن هناك وجه آخر للحوكمة وهو " المحاكمة " إنها بالفعل تحكم بشكل صارم على واقع الأداء قبل وبعد حوكمته ، بل إنها تحاكم المصطلحات والأدبيات المستخدمة في صياغة الإستراتيجيات لتكشف مدى انسجامها أو تناقضها مع عمليات التنمية الشاملة والمستدامة .

من حيث المبدأ يمكن توجيه الشكر للذين صاغوا وأطلقوا الإستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية ، فقد ذهبوا إلى أبعد من معالجة الوضع الراهن للفقر والبطالة والجوع ، أي إلى   " بناء منظومة حماية اجتماعية شاملة ومتكاملة ، تحصن الأردنيين والأردنيات من الفقر وخطر الوقوع به ، وتمكنهم من العيش بكرامة " .

توجد فقرة رأيتها في الخبر المنشور عن إطلاق الحكومة للخطة الإستراتيجية للأعوام 2019-2025 تقول " تهدف الإستراتيجية إلى الوصول إلى منظومة قابلة للقياس والمساءلة والمحاسبة ، وتعزيز الإنتاجية والاعتماد على الذات من خلال توفير بيئة عمل لائقة ، وفرص عمل متكافئة ، وقطاعات إنتاجية ذات قيمة مضافة ، والوصول إلى سوق عمل منظم ومنصف بين مختلف القطاعات ، إلى جانب تقديم الخدمة التعليمية الشاملة والممكنة والرعاية الصحية السليمة والمنصفة للمواطنين الأردنيين بكرامة " ففي هذه الفقرة قد نجد إشارة واضحة لبعض عناصر الحوكمة من مساءلة ومحاسبة ، ولكن بقية النص يبعث على التعجب والاستغراب !

كيف لإستراتيجية قطاعية موضوعة من أجل تعزيز التنسيق والتكامل بين برامج الدعم والمساعدات والرعاية الاجتماعية والجهات العاملة في مجال الحماية الاجتماعية ، أن تحيط بكل الأهداف التي يمكن أن تكون جزءا من الإستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة ، وما الحاجة إلى كل هذا التضخيم في الأهداف والأبعاد ، بل كيف يكون الجواب على سؤال بسيط إذا كان كل ما تشير إليه الإستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية ليس موجودا ، وسيتم العمل من أجل تحقيقه ، فما الحال على أرض الواقع اليوم ؟!

أنا من أشد المنادين بالتفكير والتخطيط والإدارة الإستراتيجية والحوكمة ، ولكنني أخشى دائما من المبالغة في أدبيات الصياغة ، وخلط الأساسي بالفرعي ، وإدخال قطاعات في الأهداف دون أن تكون حاضرة في التخطيط ، وغير ذلك كثير من إشارات تبعث على الأسف !