الملف المسكوت عنه في الأردن
ماهر أبو طير
الملف الأكثر حساسية، هو الملف الأخلاقي، فالكل يتجنب الخوض في هذا الملف، بذريعة عدم تشويه سمعة البلد، وفي حالات يتصدى أغلبنا لقضايا سياسية، معتبرين ان الملف الأخلاقي ليس أولوية، برغم انه ملف سياسي، فعلياً.
حادثة الاجنبيات اللواتي قمن بالفرار من ناد ليلي قبل أيام، والفيديو الذي تم بثه، لعشرات النساء اللواتي يعملن في هذا النادي، الذي تعرض إلى مداهمة، فضيحة تفتح الملف الأخطر، أي ملف النوادي الليلية في الأردن، وشبكات الرقيق، وهو ملف لا يتم التطرق اليه، كما يجب، ولا يتم التفاعل معه، أيضا، على الصعيد الرسمي.
كيف يمكن أن نقبل في بلد، كله مقامات انبياء وشهداء وصحابة، وكان جزءا من التاريخ الإسلامي، وغربه المسجد الأقصى، وجنوبه مكة المكرمة والمدينة المنورة، وهو ارض للحشد والرباط، ان يتحول إلى محطة لشبكات الرقيق، والمتاجرة بهن، إضافة إلى وجود عدد كبير من النوادي الليلية التي تعمل علنا، وهي محطات علنية لهذه الشبكات، وهل يمكن اعتبار هذا المشهد، حرية شخصية، وليبرالية، ام تحطيما لهوية البلد الدينية والاجتماعية والأخلاقية، هذا فوق وجود مئات الشقق التي تقدم هذه الخدمات، عبر وسطاء، او شبكات التواصل الاجتماعي، في عمان، ومدن أخرى؟!
هل هذه حريات شخصية، ام مجرد عصابات باتت متنفذة، تعمل بكل سهولة، دون ان يلاحقها احد، بذريعة ان لا شكوى شخصية، وهل المجاهرة بالدعارة، او العمل بها سرا، بحاجة إلى شكوى من اجل وقفها في هذا البلد؟!
الامر ذاته يمتد إلى ظاهرة المخدرات، وخصوصا، المخدرات الرخيصة، ولنذهب في جولة إلى مختلف مناطق المملكة، بما في ذلك العاصمة، سوف نكتشف ان المخدرات تغزو البلد، وبرغم كل الإعلانات عن منع تهريب مخدرات، او كشف عمليات تهريب الا ان المخدرات تنتشر بطريقة مرعبة، والأرقام الرسمية تتحدث عن الاف القضايا سنويا، التي تحال إلى القضاء، هذا فوق الموردين والموزعين والمدمنين، والمخازن السرية، وربما المصانع التي لا يعرف عنها، احد، واللافت للانتباه هنا، ان المخدرات رخيصة الثمن، وكأنها مدعومة، او ممولة، في بلد يراد تدمير بنيته الاجتماعية، وهو بلد مستهدف في كل الأحوال.
نترك الظاهرتين السابقتين، ونذهب إلى ظاهرة استهلاك الكحول، وارتفاع اعداد الذين يشربون، بأعداد كبيرة جدا، والمشكلة هنا، ان ذات التيار الذي يطيل لسانه على المعترضين يقول لك ان هذه حريات شخصية، وانهم لا يريدون فتوى دينية عبر مقال، فلا تعرف كيف يمكن ان تكون حريات شخصية، وهي بالأساس تتناقض مع هوية البلد الدينية والاجتماعية، وتؤدي إلى جرائم وحوادث، فوق تعبيرها عن انهيارات اجتماعية على كل المستويات، ولو كشفت الجهات الرسمية، ارقام بيع المشروبات الكحولية، والضرائب عليها، بما في ذلك المستوردة، لاكتشفنا تغيرا خطيرا، في بنية بلد له حساسيته.
هذه الظواهر الثلاث، ليست تعبيرا عن اختلالات اجتماعية، وحسب، بقدر تعبيرها، عن وجود قوى غامضة وخفية تريد تدمير بنية الأردن الاجتماعية، وتعمل وكيلة لهذا او ذاك، فهذا عمل مقصود، ومخطط، هذا فوق ان السكوت عليه، ليس ترفعا، بل ربما يعد مقصودا، حتى تشيع الأوبئة في كل موقع، وقد آن الأوان ان نتوقف عن التعامي ، امام ما يجري، وان نعرف ان من عمق العمل السياسي، الوقوف في وجه هذه الأوبئة التي تستهدف هذا البلد، وهذه الظواهر التي تستحق التنديد، بحاجة إلى ما هو اهم، أي البحث عمن يدير هذا العالم السفلي، ولمصلحة من، وبأمر من أي جهة خارج البلد، او داخله، وبتمويل من أي جهة، ولأجل أي غاية، ولماذا يتم السكوت على كل هذا الخراب، الذي ينذر بسوء الخاتمة؟!.
نزرع شوكا، ثم ننتظر قمحا، وسنتذكر جميعا، ان سكوتنا سيكون مكلفا جدا.