التِكْنُولوجيا ستُلغي الوظائِف؛ وتفتحُ أفاقًا جديدة!
بقلم / أ.د. صلحي الشحاتيت
يشـهدُ عالـم العمـل اليوم تغيّرات كبيرة قابلة للاستمرار والتوسع في المستقبل؛ فالعصر اليوم يتّسم بالتجديد والتطور المتسارع، وهذا يكسبه صفة التجدد في الأفكار والاكتشافات والاختراعات؛ وبالتالي تتجدد الوظائف وتتغير، فما نشهده اليوم من زخم وكثافة في المعلومات التي وصل بعضها إلى حد التعقيد؛ حيث لجأت العديد من المهن إلى مفهوم التخصص الدقيق، فمن يريد حالياً أن يضع لنفسه موطئ قدم في المستقبل، يجب أن يفكر بالمستقبل وما يخبئ في جعبته ثم يخطط ويتميز.
ومن أبرز التغيرات التي يشهدها عالم العمل هو التغير التكنولوجي؛ الذي يعد في عصرنا الحاضر من العوامل الأساسية للنمو والتنمية، سيما وأنّ التغيرات التكنولوجية من أبرز المؤثرات في كمية الوظائف ونوعيتها، فهي تهدد العديد من المهن الحالية، في حين أن بعضها الأخر قد الغي من الأساس، مما أدى إلى تكون ما يسمى البطالة التكنولوجية، ففي تقرير صادر عن جامعة أوكسفورد أن حوالي 47% من الوظائف الحالية لن تحتاج إلى أيدي عاملة في المستقبل، بالإضافة إلى الأرقام التي صدرت عن أبحاث المنتدى الاقتصادي العالمي التي تشير إلى تراجع واندثار حوالي سبعة ملايين وظيفة نتيجة للتحول التكنولوجي المتسارع بحلول عام 2020.
ومن الوظائف المتوقع أن تختفي بحلول عام 2030؛ وهي: وكلاء السفر؛ وذلك بسبب إمكانية الحجز عن طريق شركات الطيران من خلال الانترنت، وظيفة النشر والطباعة؛ لأن المستهلكين يفضلون قراءة الكتب والأخبار عن طريق شاشات الهاتف والكمبيوتر، وظيفة عامل البريد أو عامل التوصيل؛ بسبب ظهور ما يسمى الطائرات من دون طيار والتي تستخدمها أغلب الشركات اليوم لنقل البضائع و الطلبات للزبائن؛ لقدرتها على الطيران داخل المناطق العمرانية وإمكانية وصولها السريع.
في المقابل ساهم التطور التكنولوجي الهائل والسريع في إيجاد وظائف جديدة؛ حيث تشير الدراسات الحديثة إلى ظهور العديد من الوظائف بحلول عام 2030، وبعض هذه الوظائف غريبة ولم نسمع بها من قبل، ومنها: الروبوتات البيطرية؛ والتي تساعد على إجراء العديد من العمليات الجراحية المعقدة والدقيقة للحيوانات الأليفة، بالإضافة إلى وظيفة مصمم ألعاب السلوك؛ التي لم تنتشر حالياً بالشكل المطلوب لكنها مستقبلاً ستعد من أهم الوظائف، حيث تساعد هذه الألعاب في تعديل سلوك الأفراد وابتعادهم عن التفكير السلبي، ومن أهم الوظائف التي ظهرت مزارع الأعضاء الصناعية، هذه التقنية التي ظهرت مؤخراً والتي ستلقى تطوراً كبيراً خلال العقود القادمة، والي تعتمد على زراعة الخلايا الجذعية، ويستفاد منها في زراعة خلايا الأعضاء وتكوينها خارج الجسم بدلاً من نقلها من إنسان لآخر، عدا عن أن الروبوت التي ستطغى على العديد من مجالات الحياة بدءً من الفضاء وحتى طهي الطعام، ولا شك أنّ وظائف عديدة ستنشئ منها: مثل صيانة ومعالجة الروبوت، ومدرب الروبوت، بالإضافة إلى العديد من الوظائف الأخرى التي ستظهر بحلول عام 2030، والتي لا شك أنّ جميعها تتعلق بالتطور التكنولوجي الهائل والذكاء الاصطناعي.
في نهاية الأمر نستطيع القول أن التطور التكنولوجي عملية ديناميكيّة تقتضي إلغاء وظائف، وإيجاد وظائف أخرى أو تحويل وظائف لصورة آخرى، أو بمعنى آخر "التكنولوجيا ستلغي الوظائف وليس العمل"، وينبغي علينا تهيئة العقول وتفكير الشباب إلى ما يتطلبه المستقبل من فكر وتميز وتفرّد، وأن يختاروا دراستهم بعناية تامة والتوجه بصورة صحيحة إلى دراسة التخصصات المطلوبة كالذكاء الاصطناعي وتخصصات النانوتكنولوجي وغيرها، والابتعاد عن دراسة التخصصات التقليدية الراكدة.