أنْسنةُ الإنسانِ؛ طريقُ الإصلاحِ والصلاح..


أنباء الوطن -

بقلم / أ.د.صلحي الشحاتيت

تجلّت قدرة الخالق عزّ وجلّ بخلق الكونِ وما فيه، ثم خلق سبحانه وتعالى الإنسان من الطين وكرّمه وميّزهُ عن سائر المخلوقات بالعقل وخلافة الأرض والعيش فيها، وبث الروح فيه ليكمل رسالته، يقول الله تعالى في سورة الإنسان: (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا) صدق الله العظيم.
ومع تطور الحضارات البشرية زادت أهمية وقيمة الإنسان وزاد تميزاً في كل مجالات الحياة وعلى مرّ العصور. إلى أن ظهر ما يسمى «أنسنة الإنسان»، ويقصد بها النزعة الإنسانية ‹›Humanistic»، وتُعرّفُ الأنسنة بأنها نزعة غربية تركز على قيمة الإنسان وكفاءته، بالإضافة إلى الاعتراف بأن الإنسان مصدر المعرفة، ويعد الكاتب والمفكر الجزائري «محمد أركون» أول من أوجد هذا المصطلح في الفكر الإسلامي العربي، بحيث يهدف إلى تحرير عقل الإنسان من قيود التقليد الأعمى وانفتاحه على التفكير الحر، فيصبح الإنسان مرجعية نفسه، وبذلك ينشىء الأفكار بعيداً عن النص وبعيداً عن القيود.
ونرى اليوم أنّ الإنسان أصبح تائهاً فاقداً لإنسانيته وهويته الحقيقية، ناهيك أنّ اهتماماته أصبحت متشابة فاقدة للتميّز، كما أن العقول باتت نقمة على أصحابها ممتنعة عن التفكير الحر تتخذ التبعيّة في كل شيء، وابتعدت عن التأويل الحر في تفكيرها، عدا عن انتشار داء العنصرية والهوس بالتصنيفات غير المجدية، وإشاعة التمييز والطبقية المغرضة، وهذا أنساه نفسه فنسي أن يهتم بها «كونه إنسانًا».
جاء مفهوم الأنسنة لمعالجة كل ذلك؛ ولبثّ روح الانفتاح والاعتدال تجاه الظواهر الدينية والاجتماعية، بالإضافة إلى تنمية الميول العلمية والنقدية، وبالتالي القدرة على الخوض في مفهوم التأويل الناتج من العلم والفهم المسبق للأمور، ولأنّ الانسنة تُعنى بعدة أمور لا فصل بينها؛ ألا وهي: الأنسنة الدينية، والسياسية والاجتماعية، والتاريخية، وبمعنى آخر جاء هذا المفهوم ليعتني بمصير الإنسان بشكل متكامل من كل النواحي والاتجاهات. والملفت للأنتباه أنّ مفهوم الأنسنة جاء ليسلط الضوء على أبرز المشاكل الانسانية وإصلاحها، وحفظ الكرامة الإنسانية، واثبات أنّ الفرد الإنساني ذو قيمة، واحترام هذه القيمة هي نتاج ومصدر لكل القيم الأخرى وكل حقوق الإنسان.
هذه العوامل جميعها والتي تعمل على الأنسنة من شأنها أن تكون طريقًا جديدًا لإصلاح النفس البشرية وتوجيهها بالاتجاه الصحيح؛ بعيداً عن قيود الماضي، ففي صلاحها أيضاً صلاح المجتمعات كافة والحضارات المتوالية، وتعتبر ثورة إنسانية جديدة وثمرة لعصرٍ تنويري جديد يجمع بين الإصلاح العلمي والتربوي؛ والذي هو أساس التنمية والنهضة لأي مجتمع، وإدراك أنّ الصراعات التي يمر بها الانسان سواء في حياته أو في مجتمعه ما هي إلا نتاج الانغلاق والتعلق بفلسفات الماضي القديم، التي يجب أن نصحوا منها على سيادة الانسانية.
* جامعة مؤتة

nhpojlxs.jpg