التعليم العام؛ بين الحداثة والتلقين
بقلم أ.د. صلحي الشحاتيت
لا تخفى على الجميع الثورة المعرفية والتكنولوجية المتسارعة التي نعيشها اليوم وما لها من تأثيرات غير محدودة على نمط الحياة، وخاصة على التعليم واكتساب المعارف والمهارات التي تجعلنا قادرين على مواكبة هذا التطور.
أدت هذه الثورة إلى تطور العلوم المختلفة؛ من حيث المحتوى والأدوات وطريقة التطبيق، فكان لابد لمنظومة التعليم الأردنية أن تستجيب لهذا التطور؛ من خلال البحث والاهتمام بالدراسات ومتطلبات العصر الجديدة والمهارات الأساسية للتعليم والتطبيق الفعال لأدوات وتكنولوجيا العصر، وأن ينعكس على الأساليب التربوية داخل المدارس لمواكبة هذه التطورات.
فالتعليم اليوم يغزوه ما يسمى أزمة تقليدية، سواء من حيث أساليب التدريس، التي تقتصر على التلقين، أو ما يقوم به المدرس من أنشطة، أو النظرة التقليدية إلى الطلاب أنفسهم وما يجب أن يكتسبوه من معارف ومهارات، ونتيجة لذلك تم التركيز على جانب واحد وهو الجانب المعرفي، وأصبح مقياس التعليم مقدار ما يتم حفظه من معلومات، في حين أنه تم اغفال باقي الجوانب مثل المهارات والجوانب الآخرى المهمة لمواكبة تطورات العصر.
وما يعانيه التعليم اليوم؛ يتمثل بعدة أمور يجب العمل على اصلاحها والنظر بها، ويمكن تلخيصها بما يلي: المواد المكثفة؛ التي يعاني منها نظامنا التعليمي على اعتقادٍ منا أنّ زخم المواد من الممكن أن يزيد من ثراء المعرفة، مركزين بذلك على كمية المعرفة وليس نوعها، المواد المعقدة؛ وهي المواد المليئة بالتفاصيل التي لا تفيد الطالب بشيء ولا تتماشى مع ميوله واتجاهاته، الاختبارات؛ التي تسبب الخوف للطالب وتحدد مستقبلة الدراسي، فهي مصدر قلق مستمر للطالب، عدا عن وقت الدوام الطويل؛ الذي يسبب الإرهاق للطلاب وبالتالي ضعف التركيز، ناهيك عن الواجبات المنزلية المرهقة، والأهم من ذلك كله انتشار الدروس الخصوصية؛ وسببها بلا شك خلل في المنظومة التعليمية، مما جعل الطلاب يعتمدون في دراستهم على الدروس الخصوصية.
من هنا وجب تغيير الكثير من المفاهيم التربوية في المدرسة؛ فزخم المواد وتعقيدها، وكثرة الإختبارات، والدروس الخصوصية، والدوام الطويل، جعل من منظومتنا التعليمية ضعيفة مهزوزة، فالعالم الآن يبحث عن مهارات جديدة للقرن الحادي والعشرين، وتطوير الأدوات والتكنولوجيا؛ لتنمية تلك المهارات لدى المتعلمين، وما يرتبط بها من قيم واتجاهات، من أجل تهيئة الأجيال الجديدة لعالم مختلف عن عالم اليوم، وللوصول إلى قوة تعليم قادرة على مواكبة تحديات ومتغيرات العصر.
أقدم المجلس القومي الأمريكي للدراسات الاجتماعية على تحديد مجموعة من المبادئ التي تزيد من قوة التعليم وتنعكس آثارها على المتعلمين وقيمهم وهي: التعليم ذو المعنى؛ وهو الذي يتم فيه تطوير المفاهيم الرئيسية، والموضوعات الدراسية بعمق يتناسب مع التطور المعرفي والتكنولوجي في هذا العصر، التعليم المتكامل؛ وهو الذي يحقق التكامل من خلال التواصل مع الماضي، والارتباط بالحاضر، والتطلع إلى المستقبل، والتعليم المستند إلى القيم؛ والذي يتم من خلال وعي المتعلمين بالسياسات الحالية في المجتمع والآثار المترتبة عليها، والتفكير بشكل ناقد، واتخاذ القرارات المجتمعية المهمة، بالإضافة إلى التعليم والتعلم النشط، والذي يساعد على التعلم بشكل فردي وجماعي، واستخدام مصادر غنية ومتنوعة والتوصل إلى أساليب الفهم، وحل المشكلات.
كل تلك المبادئ تساعد على تقوية تعليمنا العام في المدارس، وتسليحه بالأساليب الحديثة المتطورة التي تواكب تحديات العصر، وبالتالي تصبح امتدادا للتعليم العالي في الجامعات؛ والتي هي بدورها تعاني من مشكلات لا حصر لها، وبالتالي تجسير الفجوة الكبيرة الموجودة بين التعليم العام والتعليم العالي.