قراءه في واقع ثقافي وسياسي
بقلم :زيد ابوزيد
ونحن ننعم بالأمن والأمان والاستقرار السياسي والاجتماعي في الأردن بفضل القيادة الحكيمة لجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، لابد من الحديث عن مخاطر داهمة أمسكت بتلابيب المنطقة وتأبى مغادرتها، وهذه المخاطر هي الإرهاب والتطرف والجهل والتعصب الأعمى والفقر والأمية الثقافية والسياسية وخطاب الكراهية ورفض الآخر وغياب الانتماء والاتكالية وغياب المبادرة؛ فقد اتسعت رقعة انتشارها وأصبحت لافته للانتباه في الآونة الأخيرة وبخاصة مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وامتداد ثورة التكنولوجيا التي فتحت الأبواب أمام ثقافات جديدة عجزت الأنظمة السياسية عن الحد من آثارها السلبية وخلت مناهجنا من فلسفة التحصين والتمكين لمواجهتها على الرغم من تضمينها منظومات قيمية إيجابية إلا أن أنظمتنا التربوية ونماذجنا الديمقراطية لم تتمكن من تجسيدها ممارسات عملية . إن هذه القضايا من أكثر ما يثير اهتمام النخب الفكرية والثقافية والسياسية التي تحاول فهم الظواهر ووضع الوسائل المناسبة للتعامل معها، كما يثير مفهوم الديمقراطية والحرية والتربية والتعليم والتعلم والثقافة العامة للمجتمع مدخلًا واسعًا للحوار، وباعتقادي أن العنوان الأبرز للحد منها تعلم الديمقراطية وتعليمها ولاشيء غيرهما، فمنهما وبهما ننتقل الى التحصين والتمكين والتعلم بدل التعليم وعبرها نقبل التنوع والاختلاف، ونؤكد الولاء والانتماء ونمارس الإنتاج والنهضة بدل الانكفاء على الذات. ونحن نتحدث عن الأمن والأمان والإستقرار، فإننا لا نقلل من حجم هذه الظواهر وخطرها، وإنما نضعها في سياقها الصحيح الذي يساعد على فهمها، وكونها ظاهرة طبيعية في معظم دول العالم النامي لا ينفي عنها صفة المرضيّة. وإذا كان القضاء عليها -بصورة مطلقة- مطلباً صعباً عزيز المنال، فإن الحدّ منها وتقليص أخطارها وآثارها السلبية على المجتمعات يبقى أمراً مطلوباً بصورة مستمرة، فالتطرف يرتبط عادة بالانغلاق والتعصب للرأي، ورفض الآخر وكراهيته وازدرائه وتسفيه آرائه وأفكاره، ذلك أن المتطرف فرداً كان أم جماعة، ينظر إلى المجتمع نظرة سلبية سوداوية، لا يؤمن بتعددية الآراء والأفكار ووجهات النظر، ويرفض الحوار مع الآخر أو التعايش معه ومع أفكاره، ولا يبدي استعدادًا لتغيير آرائه وقناعاته، وقد يصل به الأمر إلى تخوين الآخرين وتكفيرهم دينياً أو سياسياً، وربما إباحة دمهم. ويزداد خطر التطرف حين ينتقل من طور الفكر والاعتقاد والتصور النظري، إلى طور الممارسة والتطرف السلوكي، الذي يعبّر عن نفسه بأشكال مادية من أعمال قتل وتفجيرات وتصفيات واستخدام لوسائل العنف المادي المختلفة لتحقيق بعض الأهداف وهي فلسفة انتهجها خوارج العصر الجديد وساعدت مواقع التواصل الاجتماعي في انتشارها وصاحبها غياب العدالة عن حل قضايا الصراع في المنطقة والعالم والفقر والبطالة. ولذلك فإن دوراً توعوياً تثقيفياً تربوياً بخطر التعصب والتطرف يجب ان يبدأ في جامعاتنا ومدارسنا ومساجدنا، وفي وسائل الاعلام ايضاً التي نحت منحناً لا توعوياً في الفترة السابقة بل واغرقت في نقل صور الانحراف والتعصب على حساب تماسك المجتمع وفضائله ومنظومته القيمية، كما كان لمواقع التواصل الاجتماعي دوراً بارزاً في ذلك. ان هذا الواقع يفرض علينا جميعا مواجهته بمزيد من الوعي والمسؤولية والتحدي، ويفرض على القوى الحية في الوطن كافة من احزاب وتنظيمات وجمعيات و مثقفين المبادرة الى تحليلها واستنتاج الوسائل المناسبة للتصدي لها، والعمل على تعزيز مشاعر الانتماء للوطن والامة العربية، لماضيها وحاضرها، وذلك بتدعيم قيم الانفتاح والتسامح والتحرر في المجتمع عبر صياغه جديده لمنظومتنا القيمية في الكتب والمناهج والنشاطات الصفية والاصفيه. اما حول دمقرطة التعليم والديمقراطية في التعليم فان عالم اليوم يشهد تطورات هائلة، ليس على صعيد التكنولوجيا والتقنية فقط، بل تعدى ذلك إلى كافة جوانب الحياة ، فكريًا وسياسيًا واجتماعيًا وتربويًا ، فالثورات العلمية الجبارة القادمة بوتائر سريعة، صبغت عالمنا اليوم بلونها، ووقف الإنسان مذهولاً أمامها على الرغم من أنه هو الذي أوجدها وطورها ، فنحن نرى ونعيش اليوم عصر الذرة والأقمار الصناعية ، وعصر الكومبيوتر والإنترنيت ، والاتصالات وأجهزة الاستقبال التي حولت العالم بل والكون كله إلى قرية صغيرة ، ومكنت الإنسان من الحصول على كل ما يحلم به من المعلومات والبيانات بدقائق معدود. وكان عدم اقتصار التطور العلمي والتقني، على الاختراعات و الصناعات المختلفة ، مفيداً في جانب ولكنه مخيفاً في جوانب أخرى، حيث العولمة بما أفرزته من رؤيا جديدة على أكثر من صعيد تقودنا للحديث عن عولمة القيم والثقافة، وإلغاء حدود السيادة، والجميع يعلم أن التربية في كل قطر مقدسة، وإحدى عناصر السيادة في كل دولة ،وعلى كل حال فقد كان لابد أن يحدث التطور في المجال التربوي والتعليمي جنباً إلى جنب ، لأن المجالين يكمل بعضهما بعضاً ، ولأن التطور التقني يتطلب قدرات متطورة وعالية لدى العاملين لكي يستطيعوا مواكبة التطور التقني في العصر الحديث. وهكذا ارتفعت أصوات المفكرين والعلماء العاملين في المجال التربوي لإجراء ثورة في أساليب التربية والتعليم في مدارسنا ، وإعادة النظر في المناهج والكتب المدرسية والوسائل التي تمكن المدرسة من أداء عملها على الوجه الأكمل، واتفق الجميع على اهمية الديمقراطية كأساس من أسس التربية ورافعة مهمة في نجاح العملية التربوية ، لأنها أي الديمقراطية تمثل ضرورة في جميع مناحي الحياة ،إلا أنها في التربية والتعليم ذات أهمية قصوى، فلا تعلّمّ حقيقي إن لم تُمارَس الديمقراطية في الصف خلال العمليّة التعليمّية-التعلّميّة، فأولاً وقبل كل شيء، يجب إتاحة فرص التعليم للجميع بغض النظر عن الجنس أو مكان السكن ، أو الطبقة الاجتماعية، وهذا بمجمله لن يحسن التعليم والتعلم بل وسيحارب كل ظواهر التطرف والتعصب ، فالديمقراطية يجب أن تتوافّر في المنهاج المدرسي، وفي غرفة الصف، وفي أساليب التدريس والأنشطة والوسائل التعليمّية- التعلميّة، إلى غير ذلك من الأمور التي تُلبي حاجات جميع الطلبة على اختلاف إمكانياتهم وقدراتهم." فالمادة التي لا تتضمن مفاهيم ديمقراطية ،لكي تعززها وتثريها وتتيح المجال أمام الطلبة للاقتداء بها، تبتعد بالطلبة عن ممارسة الديمقراطية". وهذا يتطلب جهداً ووعياً عالياً من قبل المعلم لإنجاز ذلك ، فالمطلوب من المعلم أن يكون قدوة لطلبته ، وذلك بأن يمارس الديمقراطية في غرفة الصف ، وأن يعامل جميع الطلبة بطريقة تعزز لديهم مفهوم العدالة والمساواة ، وإتاحة فرصة المشاركة لكل طالب منهم ، وإضفاء المودّة والاحترام بينه وبينهم، وذلك بتدريبهم على حسن الإصغاء، والنقاش الجاد، وحثّهم على التعاون ،ليساعد في عمليّة التعلّم، و المعلم بهذا الشكل الديمقراطي يمهدّ أمام الطلبة الطريق للتعلّم الذاتي المستقلّ ، الذي يستمرّ معهم مدى الحياة، و يدرّبهم على حلّ المشكلات الخاصة والعامّة، وعلى الانتماء الحقيقيّ للجماعة. ويمكن القول ان (الديمقراطية والتعليم) قضية تضرب جذورها في عمق الفلسفات التربوية والسياسات التعليمية في الدول المتقدمة، وتنطلق فروعها لتتناول جميع القضايا والعناصر والآفاق التي تتعلق بالتعليم بشكل عام. وتبدو التربية الديمقراطية قضية تربوية تعليمية في ظاهرها. لكنها قضية ثقافية اجتماعية سياسية في جوهرها، فمظاهر الديمقراطية في النظام التعليمي في غالبيتها العظمى امتداد طبيعي للديمقراطية في المجتمع وانعكاس لثقافته. مما سبق نقول: إن التربية الفعلية، والاخلاقية، والبدنية والديمقراطية ليست إلا ايقاظاً للوعي الباطني، والفضائل وسائر القوى الكامنة في النفس. الحقيقة ان المشكلة الحقيقية التي تجابه ترسيخ المفاهيم الديمقراطية في المؤسسة التربوية. هي الاداء البيروقراطي للإدارة التعليمية من ناحية وانعدام الكفاءة والخبرة في قيادة المؤسسة التربوية –الاختصاص-، وهذا ما يحول دون التحول الديمقراطي في المؤسسة التربوية. اما بالنسبة للعقل المتمثل (بالمعلم) فيفتقر في الغالب الى مقومات الرؤية والأداء في تنفيذ المنهج وتحقيق الأهداف التربوية بسبب غياب المؤسسة الحقيقية التي تتوفر فيها وسائل اعداده، فضلاً عن غياب المنهج الديناميكي الذي يؤهله لاداء دوره التربوي، ناهيك عن إنغلاق فضاءات الابداع والتطور في أروقة المؤسسة التربوية وانحسار حركة التغيير في الشكل لا في الجوهر وهذا ما يجعل الممارسة الديمقراطية في المؤسسة التربوية تكاد تكون مشلولة او شبه مشلولة. إن المدرسة الديمقراطية التي نصبو إليها هي تلك المدرسة التي يعيش فيها الطلبة والمعلمين وسائر العاملين زملاء متعاونين من أجل تحقيق الهدف المشترك الذي يخدم العملية التربوية على الوجه الأكمل.