سلامة يكتب: إنهيار إعلامي مرتقب.. كيف سلمت الدولة ذقنها للسوشيل ميديا؟
كتب ايهاب سلامة -
لم تعد أدوات الإعلام التقليدية مجدية في التأثير على الرأي العام، ولا توجيهه والتحكم به، وخرج من بيت طاعتها، وطلقها بالثلاث، وعقد زواجاً عرفياً على وسائل الإعلام المجتمعي الذي اختطفه عنوة من وسائل إعلام ما زالت تمارس هوايتها بتربية الحمام الزاجل!
هيمنة السوشيل ميديا على الرأي العام، أفقد الدولة صوابها، وسحب البساط من تحت قدميها، وانتزع سيطرتها على الإحتواء، والتوجيه، والتعبئة، والتفريغ الذي كانت تتحكم بخيوطه إبان عصر الإعلام الحجري الغابر.
فقدان السيطرة على الرأي العام، لم يجد حلاً لدى عقلية الدولة المذهول العاجز، سوى بانتاج قوانين ضابطة وضاغطة، وعبثية في ذات الوقت، دون أن تدرك أنه لا يمكن لقانون كان، أن يطبق على مجتمع بأسره، يعيش حالة جماعية من الغوغائية التي اتاحها عصر التواصل الحديث، دون إنشاء مئات السجون القادرة على استيعاب مجتمعات بأكملها.
لقد تسببت سياسات عقيمة من التوجيه والوصاية والتخويف، باضعاف إنتاج الخطوط الإعلامية التقليدية، وشلّت يدها ولسانها، وأضعفتها، وأدخلتها دور العجزة، وأفقدتها هيبتها وحضورها وتأثيرها على الرأي العام، فنقلت تأثيرها وقوتها على طبق من ذهب، إلى منصات التواصل، دون قصد منها، وتحول "الجلاد" بما جنته يديه الى ضحية!
وبعد انكفاء الجماهير عن وسائل الإعلام العتيقة، وتحول المعلن نحو الانترنت، والسوشيل ميديا، دخلت وسائل الإعلام التقليدية في حالة احتضار، مالي ومهني، فأغلق منها ما أغلق، والبقية تنتظر نفاذ محاولات إنعاشها، لتلحق بركب انهيار إعلامي كبير قادم لا محالة.
السياسات التحريرية المنغلقة، والمرعوبة الموجّهة، للإعلام الكلاسيكي، كانت سبباً رئيسياً في انعدام تأثيره على عوالم التواصل، مثلما ستكون سبباً في القضاء عليه، إذا ما استمرت سياسات التكميم والتوجيه والوصاية، ولن يعود للمهنة التي يتبجح ابناؤها بسلطتها الرابعة، أية قيمة تذكر.
الكارثة، أن الدولة تواجه اخطر مراحلها التاريخية، داخلياً وخارجياً، بأضعف أدواتها الإعلامية المرتبكة التائهة، التي لا ترتقي أبداً لحجم المرحلة وتحدياتها ومسؤولياتها الجسيمة.
الحقيقة المطلقة، انه إذا لم تحجز وسائل الإعلام التقليدية لنفسها موقعاً فاعلاً مؤثراً على مدرجات الإعلام المجتمعي، -وربما فات القطار عليها- فلن يعود لها قيمة، ولن تقوم لها قائمة، ولن تخدم الدولة ولا ذاتها، وما نشهده اليوم من تهميش لوسائل إعلام ضخمة، ولنقابة الصحفيين كذلك، لا يمكن قراءته خارج سياقات فقدان التأثير، والحضور، حتى عند مؤسسات الدولة التي ترعرعت في كنفها، ورضعت من ثديها، ونشأت وفق ميولها وبوصلتها وتوجيهاتها.
دون الإعتراف، بأن الإعلام التقليدي لم يعد قادراً بسياساته العقيمة على التأثير في الراي العام قيد أنملة، ودون الإعتراف، بأن السوشيل ميديا اوشكت على إحالته للتقاعد، والإقتناع أيضاً، بأن استمرار الوصاية الحكومية على الإعلام، قد أضرت اكثر ما أضرت، بالحكومة ذاتها، بل الدولة، قبل أي أحد آخر. ودون إجراء عملية جراحية شاملة، لإحداث تغييرات مفصلية استراتيجية، على النهج الإعلامي المتبع، لينطلق، ويواكب، ويتصدى، وينفتح، لا ان يظل حبيساً خجولاً ومرعوباً مختبئاً، فهو في طريقه إلى الإضمحلال، والهاوية.
والسؤال الذي يفرض نفسه: لما نجح وأبدع وتفوق الإعلامي الأردني خارج وطنه، وبنى مؤسسات إعلامية عربية وعالمية عريقة، وفشل في صناعة إعلام مؤثر وفاعل في وطنه، رغم أن الأدوات الإعلامية واحدة، والشخوص ذاتهم؟!
باختصار.. إنها السياسات المختلفة المتبعة، القادرة على افشالك هنا، وإنجاحك هناك.. ودون تغيير العقلية الإعلامية الأحفورية، التي تتقمص شخصية شارلوك هولمز، وترتدي نظارة أمنية، وتكييفها، وعصرنتها، ورفع هرمون الإدرينالين في دمها، وتمكينها من مخاطبة الناس، بلغة ترتقي إلى مستويات وعيهم، وتخترق عقولهم، فان إعلام الحمام الزاجل، ينتظر المسمار الأخير الذي ستدقه مواقع التواصل في نعشه!