التلفزيون بين البرتقالي والازرق
عامر الصمادي
قبل سنتين كان هناك مدير عام للتلفزيون الاردني خرج علينا بفكرة انطلاقة جديدة للتلفزيون بعد ان امضى اكثر من عام كامل وهو يحضر لها بسرية مع عدد محدود من المحظيين والمحظيات ـ وتفتق ذهنه عن فكرة جديدة لتغيير شكل الشاشة -وهو ما يفكر به كل من يريد من المدراء الجدد اظهار قدرته على التغيير – فقام بتغيير لوغو التلفزيون والوان وديكورات وجرافيك وكل ما يظهر على الشاشة الى اللون البرتقالي ،والادهى من ذلك ان البعض اقنعه بتصوير فواصل بطرق جديدة في اماكن مختلفة من المملكة وتمت الاستعانة بشركات من خارج التلفزيون لتنفيذ تلك الحركات لكن ما لفت انتباهنا تلك الايام هو اللون الذي اختاره ليكون الغالب على كل شيء الا وهو اللون البرتقالي ،وعندما علمنا بذلك قمنا بالاحتجاج ودب الصوت لوقف ما ينوي عمله لان ذلك كان بدون دراسة او تخطيط او استشارة ابناء المهنة ، واذكر انني كتبت موضحا دلالات اللون البرتقالي والاسباب الموجبة للابتعاد عنه في تلك الفترة ومنها : ان هذا اللون هو لون بدلات الاعدام التي استخدمها تنظيم داعش الارهابي لتنفيذ اعداماته وخاصة جريمة احراق الطيار الاردني البطل معاذالكساسبة ولا يجوز ان نبقى نذكر المشاهدين بدلالة هذا اللون ، كما ان لهذا اللون صورة ذهنية سيئة لدى الاردنيين سابقا وهو انه لون تنكات النضح وغيرها من الدلالات غير المستحبة ،فكيف سيكون هو اللون الغالب على ديكورات وشعار التلفزيون ؟ والكارثة الكبرى كانت بتغيير الوان ستوديو الاخبار الرئيسي من الازرق الى البرتقالي وهذه كانت الطامة الكبرى ،اذ كيف لتلفزيون الدولة الرسمي ان يغير لونا هادئا وراقيا وتعتمده اعرق المحطات التلفزيونية العالمية الى لون يوصف بانه لون (فايع ) ولا يتسم بالرزانة والجدية بالاضافة الى تغيير شعار التلفزيون وهو التاج الملكي ووضعة ضمن دائرة برتقالية تذكرنا باغطية علب الكولا كلما انقلبت بالهواء.ويقول العارفون ببواطن الامور ان تلك (الانطلاقة) كلفت المؤسسة ما يزيد عن سبعمائة وخمسين الف دينار اي مليون الا ربع من اموال دافعي الضرائب الغلابى على ذمة الرواة . واليوم ومع الانطلاقة الجديدة تم اعادة الامور الى نصابها الصحيح باعادة الوان الشاشة وديكورات البرامج والاخبار الى اللون الهاديء الراقي وهو الارزق الذي يعطي وقارا وهيبة لجدية الاخبار ورمزية تلفزيون الدولة الرسمي مع اضافة مسحة من اللون الخمري الملكي مما يعطي مزيدا من الراحة النفسية للمشاهد .ويبقى ان نتسائل لماذا تغض الدولة الطرف عن اؤلئك الذين يتخذون قرارات تهدر المال العام ويركبون رؤوسهم في تنفيذ قرارات يعرفون انها فاشلة من البداية بل انهم يحاربون من يرفعون صوتهم في التنبيه لمثل هذه القرارات ويعاقبونهم بكل الطرق التي يستطيعونها وخاصة التقاعد المبكر الذي يقضي على خيرة الكفاءات بحجة الترشيق وتخفيف عدد العاملين لتوفير رواتبهم وانفاقها على قرارات فاشلة ، انني ادعو ومن هذا المنبر دولة الرئيس وهيئة النزاهة ومكافحة الفساد الى التحقيق بمثل هذه الممارسات وتحميل اصحابها المسؤولية واحالتهم الى النائب العام ليكونوا عبرة لكل من يستهين بالمال العام واهداره بهذه الطرق فالفساد الاداري اخطر كثيرا من الفساد المالي واتخاذ القرارات الخاطئة هو تماما كالفساد في اثرة السيء،ورحم الله وصفي عندما قال ان القرارات الخاطئة كالخيانة تماما كلاهما يؤثر سلبا على الوطن.