حكومة النسور في الميزان


أنباء الوطن -

سلامة الدرعاوي     
كل حكومة في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني تركت وراءها إرثا تحملته الحكومة التي تلتها، إلا حكومة عبدالله النسور، فإن تركتها ستتحملها الأجيال المقبلة لسنوات طويلة، ولن تتمكن الحكومات التي بعدها من معالجة ما خلفته الا بكلف عالية الثمن بدأت تداعيات بعضها تظهر في الاقتصاد الوطني اليوم.
حكومة النسور التي استمرت ما يقارب الأربع سنوات متتالية أسست لتشوهات هائلة في الاقتصاد الوطني لا يمكن لنا وصفها إلا انها خطيرة على الاقتصاد الوطني لدرجة انها تهدد استقراره.
هذه الحكومة التي بدأت عهدها برفع كبير لتعرفة الكهرباء وإلغاء الدعم عن المحروقات لمواجهة ارتفاع عجز الموازنة الناتج عن انقطاع الغاز المصري وتأخر المنح الخارجية حينها في نهاية العام 2012، مارست سلوكيات واجراءات أثرت في بنية الاقتصاد الوطني، وسيظهر المزيد من الآثار السلبية في القريب العاجل.
في عهد حكومة النسور تم استلام كامل مخصصات المنحة الخليجية باستثناء الحصة القطرية (3.7) مليار دولار، والتي كان من المفترض أن تحدث نقلة إيجابية كبيرة في الموازنة وتنفيذ نوعي لبند المشاريع الرأسمالية دون اللجوء للاقتراض، لكن الذي حدث أن اكثر من مليار دينار من أموال المنحة انفقت على خلطات أسفلتية وفتح شوارع لمتنفذين، في حين أنفقت باقي المبالغ على مشاريع ليس لها أي قيمة مضافة، والمحصلة ضياع أموال المنحة دون تحقيق أي مردود تنموي على الاقتصاد الذي لم ينمُ بأكثر من 2 بالمائة خلال السنوات الأربع من عمر الحكومة.
حكومة النسور التي فتحت ملف الطاقة على مصراعيه لمواجهة أزمة انقطاع الغاز وارتفاع أسعار النفط العالمية (127) دولارا للبرميل دخلت في مفاوضات ناجحة في المرحلة الأولى مع شركات لتوليد الطاقة المتجددة لتأمين احتياجات المملكة من الطاقة وتنويع مصادر الطاقة للأردن، ورغم كلف الشراء العالية من هذه الشركات للكهرباء ولفترات تعاقدية طويلة إلا انها شكلت نجاحا نسبيا في تأمين تنوع الاعتماد على مصادر بديلة للطاقة، لكن هذا النجاح انقلب لكابوس مالي يهدد استقرار الخزينة جراء حزمة المشاريع الأخرى في المرحلة في الطاقة التي تفاوضت عليها الحكومة من حيث كلف الشراء وزيادة خسارة شركة الكهرباء الوطنية وتوقيت هذه الاتفاقيات وجدواها، ففي الوقت الذي بدأت فيه أسعار النفط العالمية بالتراجع الحاد في أواخر العام 2014، وأحس المواطن وقتها باقتراب الحكومة بتنفيذ وعودها بتخفيض الأسعار، كانت الحكومة قد كبلت نفسها باتفاقيات إضافية مع شركات توليد الطاقة بأسعار شراء عالية واتفاقيات سرية في شراء الغاز بشروط جزائية عالية، وأخرى اتفاقيات تتعلق بالصخر الزيتي في مشروع العطارات الذي كان واضحا في اللقاء الأخير لرئيس الوزراء عمر الرزاز انه لا يمكن القبول باستمرار هذا الشكل من الاتفاقيات التي تستنزف الخزينة ولا توفر الأمن الاقتصادي للأردنيين وانه سوف يعاد النظر في هذه الاتفاقية وغيرها من الاتفاقيات باتجاه تخفيض الأسعار بما يحقق مصلحة الاقتصاد، فبعض هذه الاتفاقيات تثير تساؤلات مهمة من حيث الأسباب التي دفعت الحكومة للاستثمار بمشروع مكلف في حين أن هناك بديلا ثانيا اقل كلفة ولا يمكن التنازل عن البديل الثاني، ولماذا اللجوء لهذه الخيارات في هذا الوقت تحديدا.
حكومة النسور التي عاشت النصف الثاني من عمرها ببحبوحة اقتصادية والتي كانت تقترض من كُل صوب وحدب لدرجة أن المديونية في عهدها ارتفعت 9 مليارات دينار أو ما يعادل ارتفاع المديونية لخمس حكومات قبله مجتمعة.
محصلة حكومة النسور تكبيد الأردن اتفاقيات في الطاقة ومديونية غير مسبوقة وغاز اسرائيلي واستنزاف للخزينة وضياع المنحة الخليجية ونمو هو الأضعف منذ عقدين. لذلك لا تلوموا الحكومتين اللتين جاءتا بعده، فمهما عملتا لن تتمكنا من معالجة الخراب الذي احدثته حكومة النسور إلا بمعجزة