العالم الذي يتغير !
الدكتور يعقوب ناصر الدين
من دون الاعتماد على ما لا حصر له من الدراسات والمقالات التي تناولت النظام العالمي الجديد ، يكفي أولئك الذين عايشوا الأحداث والتطورات في منطقتنا وفي أنحاء مختلفة من العالم أن يتذكروا ما قاله الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الإبن عشية غزو العراق عام 2003 عن النظام العالمي الجديد مستبدلا تعبير The new world system " " بتعبير " The new world order " ، ومنذ ذلك الحين وقبله بقليل، صدرت تعريفات عديدة لهذا النظام يقود ملخصها إلى فكرة النظام الذي يقوم على الاتحاد وليس الشراكة، وعلى طاعة القانون الدولي الذي تضعه الولايات المتحدة ، وليس الأمم المتحدة لتطيعه الدول والأفراد على حد سواء!
ومع أن ذلك النظام هو مجرد محاولة ربما تكون يائسة لتحافظ أمريكا على قطبيتها الأحادية، متجاوزة لفترة من الوقت عودة روسيا والصين قطبين منافسين، إلا أنه لم يتبلور بعد بصورة نهائية ، خاصة وأن النظام الاقتصادي العالمي الراهن في المقابل على وشك الانهيار الكبير، ولا أظن أنه من الممكن الاعتماد على نظرية محددة واضحة لما سيكون عليه عالمنا الجديد .
شيء أغرب من الخيال ما نراه من رعب يسود العالم بسبب فايروس كورونا ، هو أكبر بكثير من الرعب النووي ، الذي حفظ العالم من حرب مدمرة ، وكان وما يزال سببا في الحفاظ على السلام العالمي، لأن مالكي تلك القوة لن يكون بإمكانهم استخدامها إلا لمرة واحدة وأخيرة ، لكن الفايروس قال للجميع ليس بإمكانكم فرض قوتكم على كل شيء، لقد وضع مجتمعات بأكملها في الحجر والعزل، وضرب اقتصاديات لم تحص خسائرها بعد بينما النظام العالمي الجديد يمارس العقوبات على دول، وحتى على أفراد، وفي ظنه أن ما يفكر فيه هو أمر واقع يتم تحقيقه بنجاح، وأكبر دليل على ذلك " صفقة القرن " !
لا شك أننا أقرب ما نكون إلى حالة اللانظام، وأفضل ما يمكن عمله على مستوى الدول والشعوب هو التمسك بفهوم الدولة أكثر من أي وقت مضى، وأن تخرج من الفوضى السياسية والاقتصادية إلى إعادة تنظيم مؤسساتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية والثقافية ، فالفرصة متاحة قبل أن يتشكل النظام العالمي الجديد بصورته المشوهة، لكي تكون قادرة على تحسين مكانتها الإقليمية والدولية.
نحن في الأردن نتأثر حتما بحالة ومصير المنطقة التي ننتمي إليها، وعلى افتراض أن اللعبة أكبر منا، ومن قدراتنا الحقيقية، إلا أنه بإمكاننا أن نعيد ترتيب أولوياتنا،
وتقوية مؤسساتنا، ونرفع درجة الوعي في صفوفنا، والأهم من ذلك استعادة الثقة بأنفسنا، وبمقدراتنا الوطنية، وما هي إلا خطوات منظمة إلى الأمام لتعميق أمننا الوطني، وترسيخ قواعد الدولة والمؤسسات العامة والخاصة، والعمل بروح الفريق، بعيدا عن ثلاثية الريبة والشك واليأس، الناجمة عن عدم فهمنا للعالم الذي تغير، إلى درجة يجعلنا لا نراه، ما دمنا لا نستطيع أن نرى حالنا وأنفسنا!