ضربتان خسيستان
رمزي الغزوي
كورونا كالنيران الحامية، بألسنتها الطويلة الشرسة. ليس لأنها تدبُّ سريعاً في هشيم الناس، وعشب حياتهم واخضرارها. بل لأنها كشفت لنا عن معادن كثير من الناس وأسفرت عن نبلهم، وسمو أخلاقهم، وحصافة مواقفهم. النار تمتحن الذهب والخشب والتراب، وتمتحن بيوتاً كنا نحسبها من طين الحق؛ فإذا هي من ورق رقيق ما يلبث أن يغدو رمادا في الطرقات. الكورونا كشفت مواطن الأصلة في مجتمعنا.
في أسبوع واحد تلقينا ضربتين قويتين على أم رؤوسنا. الضربتان كانتا تنصبان فوقنا منذ زمن، ولكن لم نكن نلحظ هذا، أو لأننا لم نكن نريد أن نلحظ. وعندما جاءت نار الكورونا كشفتهما لنا وعرتهم ، وكشفت عن الشواكيش التي كانت وما زالت تنهال علينا ونحن نقول: هم أبناؤنا ولا يريدون ضرنا.
الضربة الثانية تجيء من صاحب مستشفى خاص. فحوار هاديء معه أجرته زملية صحفية بكل مهنية يكشف لنا عن ركام قبيح من العنجهية والتغطرس والتكبر، في وقت كنا نزجي فيه تحياتنا إلى كل الكوادر الصحية عبر العالم بمناسبة اليوم العالمي للصحة. لكن الأخلاق السيئة تأبى أن تبقى مستترة.
الرجل لم يحترم الناس والحياة. ولم يحترم زملاءه في المهنة الطبية. ولم يقدر حتى الصحافة. وينسى أن من مهامتها أن ترج قارب الحياة وتدافع وتتبين الحقائق. الصحافة ليس لكيل المديح والدهان على صدأ والمسح على الجوخ. هي سلطة رابعة لها الحق في الدفاع عن ضعفاء المجتمع حينما تتغول عليهم هوامير لا تشبع ولا تقنع.
لم نسمع عن الكثير عن أصحاب المستفشيات الخاصة أنهم هبوا لمد يد العون إلى مجتمعهم في هذه الضائقة، أو تبرعوا لصندوق همة وطن. ولم نسمع مع الأسف عن أطباء كبار نعرف تحصيلاتهم المالية اليومية الفلكية. لم نسمع فقط من بعضهم إلا نظرة طبقية لا تليق ابدا ومكانة المهنة التي نقدر. هؤلاء يجب أن يعاد النظر في ملفاتهم مع ضريبة الدخل؛ كي نكتشف المخبوء.
الضربة الأولى لم تكن أقل ألما عن ضربة الطبيب. ولكنها جاءات بذات النسق وذات الاستقواء والغرور. جاءت من نقيب قطاع نحترمه ونقدر رسالته نحو معلمة. قطاع المدراس الخاصة ملف كبير يجب أن يفتح ايضاً. فنحن نسمع كلاما يندي له الجبين عن بعض المدارس التي تحمل رسالة التعليم اقبل أن تغدو تجارة لا يشبع بعض روادها.
وأيضا لم نسمع عن المدراس الخاصة الكبيرة، التي تجرم لحوم الأهلي برسومها الشاهقة ومتطلباتها الكبيرة والكثيرة. لمن نسمع أنها وقفت مع الوطن، أو قدمت شيئا مما يمليه الضمير الحي. بل كل ما سمعناه عن بعضها طرقا ملتوية تيتبعها في سبيل الانتقاص من حقوق المعلمين العاملين فيها