تجار الأزمات.. جشع وطمع وفيروسات أفدح من "كورونا"
ايهاب سلامة
كشفت أزمة كورونا التي تمر بها البلاد والعالم، قبح سلوكيات البعض منا، وسوء استغلالهم لمعاناة الآخرين وحاجتهم، وأصبح رفع الأسعار على سلع وبضائع، من قبل تجار لم يراعوا الظروف الإقتصادية والمعيشية الصعبة التي تمر بها أسر وعوائل لا تجد ما تقتات به يومها سوى كسرات الشح والكفاف، أشد ضراوة من الفيروس نفسه.
تجار الأزمات، ممن وضعوا مخافة الله وراء ظهورهم، وحجروا على ضمائرهم في زمن الجائحة، يحددون التسعيرة التي يرونها مناسبة لبضائعهم، ويضربون عرض الحائط بالتحذيرات الحكومية المتواصلة من رفع الأسعار تحت طائلة المساءلة القانونية، ويقدموا اسوأ نماذج الجشع والاستغلال وسط ضائقة تمر بها الدولة ومواطنيها.
الخضروات في محال وأسواق عدة، تباع بأسعار جنونية، والمواد التموينية في بقالات ومحلات سوبرماركت، تلحظ ارتفاع أسعارها، دون أن تتمكن من مناقشة باعتها، تحت ضغط الطوابير التي تصطف خلفك وأمامك منتظرة دورها، وصافرة إعلان بدء حظر التجول.
أسواق سوداء للسجائر، جراء احتكارها من قبل البعض، وبسطات تفترش أرصفة الطرقات تعرض مختلف صنوفها، بأسعار مرتفعة، فتضطر للشراء مرغماً، هرباً من ازدحامات المتاجر تارة، وعدم توافرها تارة أخرى.
المبررات التي يتذرع بها باعة خضروات مثلاً عند سؤالهم عن سبب بيعهم بأسعار مرتفعة، يلقون فيها باللائمة على الموردين الذين يتحكمون بالسعر حسب قولهم، ولم تعد تعلم أنت على من تلقي باللائمة.
بعض محال منتجات مشتقات الألبان، تنافس هي الأخرى محلات الخضروات في رفع أسعارها، وما كنت تشتريه منها قبل أزمة كورونا بسعر، أصبح يباع بسعر آخر، وطبق البيض من ذات الشركة المنتجة، تبتاعه هنا بدينارين، وذاته في محل آخر بثلاثة، فيما استغلت بعض الصيدليات مخاوف الناس من العدوى، ورفعت أسعار مواد التعقيم والكمامات والقفازات المطاطية.
غياب ملحوظ لأجهزة رقابية حكومية ينتظر بعضها شكاوى المواطنين للتحرك والتحري.. ومن يتجول في الأسواق، يلمس أن مواصلة رفع الأسعار لدى ذات المحال والمتاجر، يؤكد عدم وصول الأجهزة الرقابية لها، ولا ضبطها ومخالفتها.
بطبيعة الحال، العديد من المتاجر ملتزمة بالأسعار، كما التزم أصحابها بالقوانين واخلاقيات المهنة، ووضعوا صوب أعينهم قول النبي الأعظم حين قال : "إن التجار يبعثون يوم القيامة فجاراً، إلا من اتقى الله وبر وصدق".
في الإثناء، تحول التجوال في الأسواق والمتاجر المكتظة إلى مغامرة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، في ضوء المحاذير من العدوى، وضرورة اتخاذ الإجراءات الوقائية الإحترازية اللازمة، وإهمالها من قبل بعض المتسوقين عبر اختلاطاتهم المتقاربة، وعدم ارتدائهم الكمامات الواقية، وإصرارهم على سلوكيات مجتمعية لا تتناسب مع المخاطر المحتملة، من المصافحة للتقبيل للتجمهر في الحواري والشوارع، والمزاحمة على المتاجر، وكأنهم قد حصّنوا أنفسهم من الوباء بقدرة قادر.
مما لا شك فيه، أن الفيروس الذي لا يرى بالعين المجردة، كشف لنا فيروسات مجتمعية لا تقل ضراوة عنه، مثلما كشف معادن الناس الأصيلة الطيبة، الذين ترجموا أخلاقهم، وانتماءهم، ووطنيتهم، على أرض التجربة، ووضع الناس جميعهم على محك ميزان امتحان مع الله، طوبى لمن يجتازه بالبذل والصبر والعطاء والأمانة.