الكيان الصهيوني.. مشروع استعماري متواصل
الدكتور ابراهيم بدران *
بعد مرور 72 عاما على اغتصاب الوطن الفلسطيني أو انقضاء 72 عاما من العمر المحدود للكيان الصهيوني المرتكز إلى جالية استعمارية تسعى للقضاء على ” السكان الأصليين” على غرار ما فعتله الغزوات الأوروبية في أمريكا وأستراليا وافريقيا وآسيا، تتجه الأنظار اليوم نحو مسائل رئيسة ثلاث : الأولى: حقوق الشعب. والثانية: السياسة الدولية . والثالثة: مستقبل الكيان الاستعماري الفلسطيني
ففي الأولى نجد أن مرور الأعوام على اغتصاب فلسطين لم يوصل الفلسطينيين الى المسار الذي كان يبشر به بن غوريون وغولدا مائير وغيرهما، بأن الأجيال القادمة من الأبناء، سوف ينسون فلسطين ويتحولون الى مجرد مقيمين أو مواطنين جدد في بلدان العالم . إن التمسك الشعبي من الفلسطينيين المتجذرين في ترابهم الوطني ،والذين أصبحوا يشكلون أكثر من مجمل أعداد المهاجرين اليهود الى فلسطين ،هو حالة متنامية، وتنتقل الى الصغار مع الهواء الذي يتنفسونه كل لحظة ،على الرغم من أنهم يواجهون أكثر الأعداء لؤما وغدرا في التاريخ ( الصهيونية) المدعومة بأعتى دولة في العالم وهي ” الولايات المتحدة الأميركية” . لقد انخدع الجميع بالالتزامات الأميركية لأن تكون أميركا وسيطا عادلاً بين الأطراف. وجاء ترامب ليكشف بصراجة فجة الموقف الذي يتبناه الكثيرون من السياسيين الأمريكيين(وليس الشعب الأميركي) والقائم على الانتهازية و المنفعية بأي ثمن، والاستفادة من الدعم “اليهودي الصهيوني المسيطر على الاعلام والمال والعالم السفلي و مؤخرا الرقمية” من أجل النجاح في الانتخابات ولو كان ذلك على حساب شعوب أخرى.
وخرج نتنياهو وترامب في الصفقة السخفيفة، القائمة على دعم كل واحد منهم للاخر بأي ثمن. ومع أن القرارات التي اتخذها ترامب ونتنياهو لا تغير من الوضع القانوني في القدس وكامل فلسطين والجولان ،باعتبارها واقعة تحت الاحتلال.الا “
وفي الثانية فإن الموقف الدولي فيه شيء كثير من “التغاضي الخجول والرفض السلبي الصامت” إزاء التوحش الاسرائيلي الأميركي، وإزاء عدم الاكتراث بالقانون الدولي، . الأمر الذي يتطلب جهدا فلسطينيا وعربيا مكثفا ومنظما في هذا الاتجاه، يركز على الحقوق القانونية والقيم الحضارية والثقافية والانسانية للشعب الفلسطيني. . إن الانقسام الفلسطيني أضر بالشعب وأساء الى الصورة الفلسطينية في نظر العرب والعالم. ولا بد من انهاء هذا الانقسام . كما أن الضعف العربي المتواصل والاعتماد المفرط لمعظم الدول العربية على أميركا طلبا للحماية المالية أو السياسية أو العسكرية أتاح الفرصة لاسرائيل لتكون مفتاح الرضا الأميركي وهو ما زاد الحالة العربية ضعفا وتهميشا. لقد حان الوقت بل ومنذ سنين لتدرك القيادات العربية أن لا بديل عن الاعتماد على الذات وأن التطبيع لا يجدي، و أن أميركا لا تمنح الحماية بقدر ما تستغل الضعف ولا تصنع اقتصادات الدول بل تبقيها على حافة الهاوية.
وفي الثالثة ،فإن اسرائيل والتي يتوقع الكثيرمن المفكرين بأنها لن تكمل 100 عام قبل أن تنتهي، فإنها إضافة إلى الدعم الأميركي الأعمى، تتمتع بتميز علمي وتكنولوجي واقتصادي على الدول العربية جميعها، وترتكز الى قدرات صناعية وفي مقدمتها صناعة الالكترونيات والأسلحة لتحتل المركز التاسع في العالم بين الدول المصدرة للاسلحة .لقد استطاعت أن تستمر في بقائها كحركة استعمارية توسعية بالفكر و الثفافة والعنصرية والجشع الذي يجمع عليه الإسرائيليون بعد أن كشف اليمين الصهيوني المتطرف عن التوجه الصهيوني منذ قيام الكيان وبشكل خاص خلال الثلاثين سنة الماضية، من حيث عدم الإيمان أو الرغبة بالسلام، و توظيف المعاهدات و الاتقاقيات لشراء الوقت، و الضغط على الدول المجاورة و خداعها والمساهمة الفاعلة غير المعلنة في تهشيم كل من سورية والعراق بعد تحييد مصر.
وتتبع إسرائيل في برامجها المسارب الرئيسة الأربعة المتمثلة 1) بالوحشية وكسر القانون الدولي والإنساني إزاء الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم وثقافتهم ومنجزاتهم، على النموذج النازي لتحويلهم من شعب ووطن إلى تجمعات سكانية. 2)ارهاب الدول العربية بقدرات اسرائيل العسكرية و الإنقياد الأميركي للرغبات الصهيونية والتفاهم غير المعلن مع دول مناوئة أو طامعة 3) التغلغل في الأوساط العربية بشتى الوسائل الدعاوية والمالية والإعلامية ،والمخابراتية، لإشاعة التشكيك والانقسام وتمويل التطرف، و تغذية الانكفاء والابتعاد خوفا من مواجهة الخطر الصهيوني الذي يتهدد المنطقة بكاملها. 4) توظيف الإمكانات الصهيونية العالمية (المال، الإعلام، الرقمية،العالم السفلي) لخداع وتضليل وتحييد الرأي العام الدولي والمؤسسات الدولية ذات العلاقة متظاهرة بثوب الديموقراطية والتقدم العلمي والتفوق التكنولوجي .
تواصل إسرائيل ضم الأراضي بعقلية المستعمر من جهة، وعقلية .شيلوك اليهودي من جهة ثانية . فضم المستعمرات وغور الأردن والجولان هو بالنسبة له صفقة لها 3 احتمالات : الأول ان تفوز بما سلبت أو الثاني أن تستبدل مواطنين فلسطينيين بالمستوطنين اليهود أو الثالث إذا اجبرت على الانسحاب أن تفوز بتعويضات مجزية. و في العقل الصهيوني الإسرائيلي أن مهاجري أوروبا إلى القارة الأمريكية صنعوا أقوى دولة في العالم ،فلماذا لا تكون اسرائيل كذلك؟؟
. إن البكاء على ما فعلته بريطانيا في وعد بلفور لايجدي. فبريطانيا لم تستعمر منطقة الا وتركت فيها ظلما وفسادا لانظير له.. لقد آن الأوان لجميع الأقطار العربية، قيادات و أحزاب ومنظمات مجتمع مدني أن تدرك أن إسرائيل خطر حقيقي قادم و يهدد حاليا الأردن و سورية و لبنان، و أن تخلي أميركا عن حلفائها العرب أمر سهل. هل يمكن لهذه الحالة أن تستمر ؟. هناك شكوك كبيرة .فالعالم في طريقه الى التغيير، والفلسطينيون يزدادون تمسكا بفلسطينهم مهما كان الثمن، والأقطار العربية ستخرج من الضعف وتصحو على الخطر الصهوني ،والمجتمع الدولي قابل للتغيير. ولكن كل ذلك يتطلب العمل من أجل المستقبل على الجانب الفلسطيني والأردني والعربي و الدولي.
أن المرحلة تتطلب مراجعة كاملة مخلصة و أمينة من قبل القيادات الفلسطينية للاتفاق على خطة عمل مشتركة جديدة تتجاوز الانقسامات وتحافظ على الصمود الفلسطيني وتفك الحصار عن غزة وتدفع الكيان الصهيوني الى التراجع. وعلى القوى الفلسطينية أن تعيد الثقة بالعمل على المستويين الشعبي والرسمي ،خاصة وأن تعاقب السنوات يفتح دوامات غير متوقعة. .ويمكن للقيادة الفلسطينية أن تأخذ من الموقف الأردني والذي عبر عنه الملك عبد الله الثاني في أكثر من مناسبة كان آخرها تصريحاته لمجلة ديرشييغل الالمانية، تأخذ منه بداية لعلاقات أكثر صلابة مع الأقطار العربية الأخرى. إن اسرائيل المشروع الاستعماري لا تنحصر اطماعه في فلسطين بل أن سورية ولبنان والأردن وأطراف من مصر والعراق والسعودية هي أجزاء من الحلم الاستعماري الصهيوني لا بد من التنبه له قبل فوات الأوان. فمستقبل الدول لا يصنعه الا مواطنوها بعملهم وجدهم ومشاركتهم في صنع القرار.