مقترحات للتعامل مع الموازنة العامة في مرحلة ما بعد كورونا
زياد الرفاتي
1 - يعرف مفهوم الموازنة العامة بأنها الخطة المالية التقديرية للدولة لسنة قادمة لتحقيق أهداف محددة ، وتعكس من خلالها توجهات السياسة المالية للحكومة . ويقوم مبدأ اعداد أرقام الموازنة على التقديرات للايرادات المتوقعة والنفقات المتوقعة بناءا على الأداء السابق والنمو المستهدف والعجز المتوقع بالفرق بينهما اذا كانت النفقات تفوق الايرادات ، وهي الصفة الغالبة في السنوات والعقود الماضية .
2 - هيكلية الموازنة العامة للعام 2020
أي أن الايرادات الضريبية تشكل ثلثي الايرادات وتشمل ، الضرائب على الدخل والأرباح وتشكل ما نسبته 22% من الايرادات الضريبية ، الضريبة العامة على المبيعات وتشكل 70%، الضرائب على الملكية وتشكل 2% ، الضرائب على التجارة والمعاملات الدولية وتشكل 6% . أما مجموع النفقات المقدرة للعام 2020 بين نفقات جارية ونفقات رأسمالية فيبلغ 9،657 مليار دينار ، وبعجز مقداره 1,1 مليار دينار بمعزل عن عجز الوحدات الحكومية المستقلة .
3 – في نظرة سريعة على أداء الموازنة للشهرين الأولين من العام الحالي أي قبل التأثر والحظر والاغلاقات الذي بدأ في منتصف شهر أذار نتيجة جائحة كورونا ، فقد حققت الموازنة فائضا ، أي أن الأداء كان يسير حسب ما هو مخطط له في الموازنة التي تم اقرارها في بداية العام .
4 – على أثر البدء بوقوع اصابات بفيروس كورونا ، باشرت الجهات الرسمية بالأخذ بالاجراءات والتدابير الوقائية واجراءات السلامة العامة للتصدي للفيروس وللسيطرة عليه ومنع انتشاره ، واثمرت تلك الاجراءات بالتقليل من أعداد المصابين وجعلها ضمن الحدود الطبيعية والامكانيات المتوفرة قياسا بالحالات في الدول الأخرى التي تفوقنا في المنظومة الصحية والموارد المالية، وأثبتت منظومتنا الصحية وكوادرها الطبية واخلاصهم وتفانيهم وحبهم لوطنهم القدرة على مواجهة الأوبئة والأمراض وبأقل الأضرار الممكنة .
5 – نتيجة تأثر القطاعات الاقتصادية والانتاجية والخدمية بالجائحة والخلل الذي أصاب تدفقاتها النقدية ، كان لا بد من انعكاس ذلك على الموازنة العامة الموضوعة مسبقا والتي لم تخطر ببال أحد حتى يحسب حسابها والتي تندرج ضمن الأحداث غير المتوقعة في التقديرات والتنبؤات كونها لم تقع سابقا ولا يوجد سجل تاريخي بمخاطرها ، وتسببت بحدوث اختلالات في تدفق الايرادات العامة التي تعتمد بشكل رئيسي على تلك القطاعات .
6 – حسب اعلان وزارة المالية ، فقد تأثرت الايرادات العامة الفعلية خلال هذه الفترة بانخفاضها بحدود 604 مليون دينار مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي ويرتفع ذلك المبلغ اذا تم مقارنته بالايرادات المقدرة للعام الحالي ( مقارنة الفعلي بالمقدر لنفس الفترة ) كون المقدر هو الأساس في بناء الموازنة وليس الايرادات الفعلية لفترة العام الماضي . وقد ساهم تأجيل توريد ضريبة الدخل وضريبة المبيعات وتمديد المهلة المقررة لتقديم الاقرارات الضريبية في ذلك الانخفاض ، حيث تشكلان كما أسلفنا الجزء الأكبر من الايرادات المقدرة ، بالرغم من أنه تأجيل لفترة مؤقتة وستتحقق لاحقا بعد انقضائها ، ولا يعني ذلك خسارتها أو فقدانها أو الاعفاء منها بل تأخير في توقيت تحصيلها . واذا علمنا أيضا أن الضريبة على الأرباح تتعلق بالعام 2019 والتي تدفع في العام 2020 .
7 – ولتعويض الخلل في توقيت التدفقات النقدية والحاجة الى الانفاق في هذه المرحلة لضمان استمرار الأعمال ودفع مستحقات الموردين من الأدوية والسلع بمختلف فئاتهم والحاجة الى سداد ديون قائمة استحقت ، فقد تم اقتراض مبلغ 1،250 مليار دينار خلال الثلث الأول من هذا العام منها ما يقارب مليار دينار على شكل طرح سندات الخزينة لأجال سنتين وبعضها لخمس عشرة سنة تم تغطيتها بالكامل ، وهو أمر متوقع في التغطية لمثل هذا النوع من السندات في ظل الفائدة التي تحملها وتدني مخاطرها وضيق الفرص البديلة في الاقراض من قبل المقرضين الذين يعتبرون الحكومة العميل المفضل لديهم في الاقراض . اضافة الى الاقتراض من البنك الدولي بمبلغ 190 مليون دولار خلال هذه الفترة ، وقروض أخرى .
وقد أقرض صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي الحكومة مبلغ 408 مليون دينار خلال الربع الأول من هذا العام وهو ضمن مبلغ الاقتراض أعلاه ، ليصل رصيد القروض القائم عليها تجاه الصندوق 6،375 مليار دينار . وجميع القروض أعلاه بأنواعها وأشكالها تندرج ضمن موازنة التمويل للعام 2020 البالغة 5،9 مليار دينار، والجزء الأكبر منها سيستخدم لسداد قروض ستستحق خلال العام الحالي وفقا للالية المتبعة في ذلك من خلال الاقتراض الجديد لسداد قروض مستحقة ( اعادة تمويل ) في ظل عدم القدرة على السداد من الايرادات العامة التي بالكاد تغطي النفقات الجارية . وهنا تجدر الاشارة الى أهمية اعادة هيكلة المديونية العامة ، بأن تكون القروض الجديدة ذات استحقاق طويل الأجل نسبيا لاراحة الموازنة وتكلفة منخفضة ، وتوجيه مخصصات السداد الى أوجه أخرى أكثر أولوية وأبعاد تنموية .
8 – ان الأردن جزء من العالم الخارجي المتأثر بالأزمة وتداعياتها الاقتصادية والمالية والاجتماعية والصحية ، ولا أحد قادر على الجزم بموعد زوالها أو حجم الأضرار التي خلفتها .
وتشير التوقعات من المؤسسا ت التمويلية والانمائية الدولية الى أن تعافي الاقتصاد العالمي يتطلب وقتا أبعد من عام 2021، كما أن كبرى شركات الطيران العالمية تتوقع بأن لا يتعافى قطاع الطيران قبل العام 2023 حتى وان تم تشغيله بعد الأزمة وانعكاس ذلك سلبا على قطاع السياحة والسفر . وفي التقرير المشترك الذي صدر مؤخرا عن صندوق النقد العربي واتحاد المصارف العربية ، فغقد أظهر أن أن حجم الطلب على الائتمان في الوطن العربي سينخفض بنسبة 16% وبما يعادل 11 تريليون دولار ، وأن نسبة الديون المتعثرة سترتفع من 5% الى10% من حجم المحافظ الائتمانية ، وأن الدول العربية ستسدد خلال العام 2020 مبلغ 35 مليار دولار أقساط قروض خارجية للدائنين مما يظهر حجم الأعباء المالية عليها هذا العام .
وفيما بعض المقترحات للتعامل مع الموازنة العامة في مرحلة ما بعد كورونا :-
1 – تخفيف الأعباء الضريبية الذي تصل حاليا الى 26% بكافة أنواعها وأشكالها باعادة النظؤ بها ، ولا سيما ضريبة المبيعات بنسبها الحالية . وهذا الاجراء يساهم في تحفيز المكلفين على الدفع ، وزيادة أعداد المكلفين وشمول فئات جديدة في الوعاء الضريبي لم تكن سابقا ، حيث أن توسيع القاعدة الضريبية بشكل عادل ومدروس ومقبول يشجع على قيام المكلفين بالوفاء بالتزاماتهم الضريبية بكل شفافية والحد من التهرب ، وانعكاس ذلك ايجابا في زيادة الايرادات الضريبية بدلا من تبقى مركزة في عدد محدود من الشركات والمؤسسات .
2 – مكافحة التهرب الضريبي والوصول الى تسويات مقبولة مع هذه الفئة ، عوضا عن اللجوء الى اجراءات التقاضي التي تستنزف الوقت والمال والجهد.
3 – كأحد بنود الايرادات ، توجيه المنح الخارجية التي تكون خارج الموازنة العامة الواردة الى المملكة عن طريق وزارة التخطيط للانفاق الرأسمالي والانمائي داخل الموازنة العامة بالتنسيق المشترك مع وزارة المالية .
4 – السعي الحثيث والمستمر لدى الدول الصديقة لتقديم الدعم والمساعدات للمشاريع الرأسمالية والانمائية في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها الاقتصاد الأردني ، وتوضيح الصورة الكاملة والموقف الأردني بالدراسات والتحليل والعمق لهذه الظروف .
5 – الاسراع في انشاء صندوق طوارئ ( انقاذ ) يتسم بالاستدامة لمواجهة الأزمات والكوارث والأوبئة بالمشاركة مع القطاع الخاص ، بدلا من اللجوء الى الحلول الانية والطارئة التي لا تحقق أهدافها المرجوة وتخفف من الضغط على الانفاق الحكومي ومؤسساتها وأذرعها في مثل هذه الحالات .
6 – اعادة ترتيب أولويات الانفاق وأولويات المشاريع الرأسمالية حسب الأهمية ، وربط الانفاق الرأسمالي المتوقع بالنتائج والأهداف المرجوة من الانفاق ، وتفعيل الشراكة الاستراتيجية بين القطاعين العام والخاص في اقامة المشاريع بما يسهم في تخفيف الضغط على الموارد المالية للخزينة ، مع مراقبة الانفاق على المشاريع حسب سير عملها ومستوى الانجاز فيها .
7 – ضبط الانفاق العام ، وترشيد النفقات الجارية وتخفيضها ينسبة لا تقل عن 20% وبما لا يؤثر على سير العمل .
8 – دمج الوحدات الحكومية المستقلة المتماثلة في الأعمال والمهام ، والغاء الوحدات الحكومية التي تتشابه غي أعمالها مع وزارات ودوائر حكومية أخرى . ودراسة أسباب خسائر الوحدات المستقلة التي تزيد نفقاتها عن ايراداتها وتتلقى الدعم من الموازنة لتغطية خسائرها .
9 – اعادة هيكلة القطاع العام لرفع مستوى الخدمة المقدمة وزيادة الانتاجية والدخل واستغلال الوقت بالشكل الأمثل .
10 – توجيه الاقتراض المحلي لتمويل النفقات الجارية ، والاقتراض الخارجي للمشاريع الاستراتيجية التي تحدث التنمية المستدامة وتحفز النمو الاقتصادي وتخلق فرص العمل .
11 – دعم قطاع التصدير وازالة كافة المعوقات التي تواجهه ، وتوفير فرص التمويل بما يهيئ له التوسع في الاستثمار والمنافسة الخارجية وخلق فرص العمل ، حيث يعتبر رافدا مهما من روافد العملات الأجنبية التي تساهم في تغذية الأحتياطيات الأجنبية .
12 – الحد قدر الامكان من الاستيراد للسلع غير الأساسية ، والسلع الممائلة المنتجة محليا وتوفير الحماية الاغلاقية لها دعما للمنتج المحلي الذي اكتسب سمعة ممتازة وزاد الطلب عليه خارجيا في ظل الأزمة لما يتوفر فيه من معاييرالجودة والسلامة ، ويساهم في التفليل من خروج العملة الأجنبية ، والوصول الى تحقيق الأمن الغذائي والدوائي والاعتماد على الذات .
13 – دراسة خصخصة شركات ومؤسسات حكومية في قطاعات غير استراتيجية، لترشيق الأداء الحكومي والتفرغ لأعمال أكثر أهمية وتخفيف الضغط عن الموازنة .
14 – استمرار التواصل بفاعلية مع المستثمرين المستهدفين لاستقطاب استثمارات جديدة في ظل البيئة الجاذبة للاستثمار والفرص الاستثمارية المتاحة وتسهيل وتبسيط اجراءات الاستثمار في المملكة وتقديم الحوافز اللازمة لهم ، مما يساعد في تحسين معدل النمو الاقتصادي وزيادة الناتج المحلي الاجمالي والتشغيل وايرادات الخزينة من ذلك .
15 – استغلال الانخفاض الحالي في أسعار النفط العالمية ، باللجوء الى الشراء المكثف والتخزين بالوسائل المتعددة وبكميات كافية ، وبما ينعكس على تخفيض فاتورة النفط السنوية البالغة بحدود ملياري دينار ، حيث تشير التوقعات الى انخفاضها للنصف هذا العام وهو مؤشر ايجابي على الموازنة التي بنيت على المبلغ التقديري أعلاه قبل وقوع الأزمة .
16– ايلاء القطاع الزراعي الأهمية اللازمة وتوفير كافة مستلزمات الانتاج الزراعي بأسعار مدعومة ومعقولة ، وتذليل الصعوبات التي يعاني منها باعتباره قطاعا مهما من القطاعات الاستراتيجية وأظهرت ذلك أيضا الأزمة الحالية ، حيث عانت دول كثيرة من الاغلاقات وانقطاع سلاسل الامداد الغذائي وارتفاع الأسعار نتيجة لذلك .
17 – الاهتمام بأوضاع السوق المالي واتخاذ اجراءات تحفيزية لتنشيط التعامل به وتحقيق أثر ايجابي على أدائه .
18 – أن يكون تعديل أسعار الفوائد على التسهيلات الائتمانية البنكية بين حين واخر مرتبطا بأداء الاقتصاد الوطني ونسبة التضخم ، ولا يرتبط بقرارات مجلس الاجتياطي الفيدرالي الأمريكي ( البنك المركزي الأمريكي )، نظرا لتباين الظروف بين الاقتصاد الأردني والاقتصاد الأمريكي .
19 – تعزيز مفهوم الشمول المالي الذي يهدف الى شمول جميع شرائح المجتمع بالخدمات المالية البنكية وحماية المستهلك المالي ونشر الثقافة المالية ، انسجاما مع الاستراتيجية الوطنية للشمول المالي التي أطلقها البنك المركزي الأردني في نهاية العام 2017 . وتعزيز مفهوم التمويل المستدام في القطاع المصرفي ودوره الأساسي في تحقيق التنمية الاقتصادية .
20 - مواصلة الاصلاح الشامل للنظام التعليمي من خلال مواصلة العمل على تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد اليشرية . وزيادة استخدام الخدمات الألكترونية من خلال مشروع التحول الألكتروني وصولا الى حكومة غير ورقية ، حيث تم في العام 2017 تحديد العام 2020 وصولا لتحقيق ذلك الهدف .