التسحيج قد يصنع ميليشيات!
01/01/1970 - 2:33 am - د. بسام روبين:
أنباء الوطن - د. بسام روبين
من عجائب هذا الزمان امتلاءه بالمتناقضات ،فهنالك دولا تتسابق في اطار البحث العلمي ،واخرى تتراكض صوب التكنولوجيا والصناعة ،وبعضها لها نظرية خاصة ،فنراها تتباهى وتتسابق لاختيار اجمل عنز او احلى ناقة وأطول حمار والغريب ان هذه الظواهر اصبحت جزءا من ثقافة شعوبها ،ومن يتعمق في البحث يرصد شعوبا لها اهتمامات غريبة ،كالتسحيج الذي بدأ بظاهرة صوتية ،وما لبث ان تحول الى وباء يتحرك بين الشعوب النامية ،فبعدما كانت ادارة التسحيج حكرا على بعض الحكومات بصفتها الراعي الاول لها ،نجده ينقلب عليها ليصبح احدى ادوات رجال المال والاعمال كسلاح رادع يؤمن لهم الحماية من القوانين والوقاية من العقاب ،واصبح ملاذا امنا لبعض عمال المياومة ،والعاطلين عن العمل ،والأقارب كمصدر رزق لهم ،وقد يشكل استمرار هذه الظاهرة السلبية أضرارا كبيرة على الدول وشعوبها وعدالتها ونهضتها حيث بدأت بعض الحكومات تفقد سيطرتها على مهنة التسحيج بعدما اصبحت متاحة لمن هب ودب ،كونها لا تحتاج ترخيص ولا لشهادة عدم محكومية ،وها هي تتطور وربما يدفع ذلك بقادتها لمزيد من التمادي ،فتأخذهم العزة بالاثم لتشكيل ميليشيات خاصة بهم وهذا قد يشجع الاخرين ايضا لتأسيس ميليشيات مضادة مما يشكل صراعا خطيرا داخل الأمن المجتمعي للدول ،وها نحن نرصد بعض مسرحيات تضليل الراي العام تبدأ من خلال ما يصدر عن بعض اذرعها الاعلامية ،ومحاولة خلطهم اوراق اللعبة كنوع من الضغط على الحكومات للتراجع عن قراراتها ،وهذا يؤكد قوة محركات المال ،بل قابليتها على استخدام مختلف الوسائل من أجل الدفاع عن مصالحها ،ولو بالبلطجة في ظل عجز واضح لبعض الحكومات في اخماد هذا النوع الجديد من حراك الفاسدين ،بينما يطالب الاحرار بتصفية هذه الفئة منذ زمن بعيد ،ويستمر تفوق التسحيج في الصراع المحتدم مع غياب واضح لدور الأغلبية الصامتة المتضرر الاول ،اما لصمتها ،او لتعدد الولاءات بين صفوفها ،مما اوجد حالة من الفوضى المتجددة قد تنذر بخطر مجهول النسب والساعة.
وما يثير القلق ،ان بعض الشعوب اصبحت تتقبل سجن الأبرياء لمجرد تغريده ضد فاسد ،بل سمحت باغتيال اي مسؤول نزيه يفكر في مقاومة الفساد ،بينما نجد السحيجه يهددون كيان دولهم ،ويستخدمون التسحيج للتغطية على تحركاتهم وتجارتهم في الممنوعات وباشكال متعددة ،ربما أخطر من الارهاب نفسه ومع ذلك لا احد يقوى على محاسبتهم او الاقتراب من مصالحهم ،وبنفس الوقت تخرج علينا بعض الحكومات لاقناعنا بعدالتها والصحيح أن الانتقائية في المحاسبة ما زالت هي السمة السائدة .
ونتمنى على بعض الدول التي عطلت بوصلة العدالة ان تصلح نهجها ،وتسارع لتطبيق القانون على مواطنيها بعدالة ،وان لا تسمح لاحد بالاستقواء عليها تحت اي مسوغ ،وان تضرب بيد من قانون اصابع كل فاسد اذا رغبت بنيل احترام وتقدير العالم ،وعليها القضاء على ظاهرة التسحيج للباطل ،فهي تعيق تقدم اي مشروع اصلاحي وتتحمل بعض الحكومات والاجهزة التي تراخت واساءت استخدام السلطة في أوقات مختلفة مسؤولية تردي احوال مواطنيها ،فهي من اوجدت قطاعات التسحيج وقدمت لهم الدعم وعندما فقدت السيطرة عليهم اقتربت مرحلة وقوع الكوارث واصبحت مقاومة الدولة امرا متاحا امام الخوارج ،بل اصبح التسحيج هو الخطر الاعظم الذي يهدد أمن الدول ،فهو من يفتك بالتطور وبالعدالة ويصور التخلف والتراجع على انه انجاز ،ويمنع الاستثمار لذلك هو لا يصنع نهضة ولا يتقدم بالاوطان ،الامر الذي جعل شعوب التسحيج للباطل تجلس في ذيل الحضارات.
وقد تجسد ضرر التسحيج بوضوح مع احتلال العراق ،وتدمير اليمن وسوريا وليبيا ،وتهويد القدس ،وضم الجولان ،وبدء ملء سد النهضة ،وتحديدا مع بزوغ الربيع العربي ،وما زال التسحيج يعزز من حالات الظلم والاستبداد وازهاق الارواح والتهجير وافقار الشعوب ،حتى ان مقاييس الولاء عند بعض الدول التي تعتني بالتسحيج باتت تقاس بمقدار ونوعية الرياء الحاصل ،وهذا لا يقل خطورة عن ما يمارسه القتلة الاقتصاديين والسياسيين والامنيين.
لذلك ينبغي على كل سحيج اينما وجد ان يتذكر بان الساكت عن الحق هو شيطان اخرس ،فكيف به وهو يدافع عن الباطل ويضلل الرأي العام ويهدم دولته؟؟.
وأخيرا علنا نجد في القضاء على ظاهرة التسحيج في بعض الدول ،املا بنهضة جديدة وبحياة كريمة لشعوب متعطشة لحياة خالية من ميليشيات التسحيج، تنمو فيها العدالة ويتقهقر فيها الباطل .
حمى الله امتنا العربية والإسلامية من شر التسحيج وسموم المسحجين.
عميد اردني متقاعد