عالم بلا نظام!
د.يعقوب ناصر الدين
ستظل حادثة الكابيتول علامة فارقة في تاريخ الولايات المتحدة، وسيظل الرئيس دونالد ترامب أغرب شخصية في تاريخ الرئاسة الأمريكية، وسيظل يتحمل مسؤولية تحريض أنصاره على رفض نتائج الانتخابات، ومهاجمة مبنى الكونجرس، والعبث بمحتوياته في يوم حاسم يفصل ما بين الولاية الأولى لترامب الذي ما زال يصر على أن الديموقراطيين قد زوروا الانتخابات، وبين الولاية الأولى للرئيس المنتخب جو بايدن أول رئيس أمريكي ربما يواجه عدم تسليم سلفه بالنتائج، ويعرض النظام الديموقراطي، والأمن القومي الأمريكي للخطر!
من كان يتصور أن يبلغ الأمر حد التفكير بعزل الرئيس قبل أيام قليلة من نهاية فترته الرئاسية، ليس بسبب موقفه وتحريضه لمن يصفهم السياسيون الأمريكيون بالرعاع وحسب، بل تحوطا من أن ترامب يمكن أن يفتعل حربا، بعد أن فقد صوابه بحيث لم يعد مؤتمنا على "الرموز النووية"، ولم يعد هو أمينا من أن تطاله التحقيقات التي ستلاحق مسؤولين في البيت الأبيض وفي وزارة الدفاع، والأجهزة الأمنية.
مع ذلك يرى البعض أن ترامب قدم للنظام الأمريكي من حيث لا يدري خدمة عظيمة عندما كشف المستور عن كل ما هو مقدس في الشرعية الأمريكية، وربما قدم للرئيس الجديد حكمة بألف حكمة تدفعه إلى إعادة النظر بالمكانة الحقيقية لبلاده في عالم بلا نظام، عالم تتراجع فيه الأمم المتحدة ومنظماتها، والاتفاقيات والمعاهدات الدولية إلى الخلف، عالم أصبح مرهونا للطبيعة والصفات الشخصية لقادة الدول الكبرى التي يمكنها حفظ السلم والأمن والتعاون الدولي، أو تدميره في لحظة غضب أو تهور أو جنون!
حتى الرئيس بايدن ورغم تعمده التحرك بخفة على كل المسارح التي وقف عليها وقت الانتخابات، ويوم إعلانه عن فوزه، ورغم ظهوره بمظهر الرجل الرياضي ذي العقل السليم لن يكون بإمكانه الهروب من عمره البالغ 78 عاما، وربما هو يسأل، ويسأل من حوله هل يمكنه ترشيح نفسه لولاية ثانية وهو في الثانية والثمانين من عمره؟
أمريكا ستتغير حتما وهي في أشد الحاجة لنظام جديد، والعالم كله يحبس أنفاسه حتى يرى كيف سيكون الحال يوم العشرين من الشهر الجاري، وبداية حقبة جديدة من تاريخ أمريكا التي مارست هيمنة القطب الواحد منذ سقوط جدار برلين عام 1989، وانهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، ووضعت وحدها شروط اللعبة الدولية – العولمة والديموقراطية وحقوق الإنسان والمناخ – وغيرها من الأدوات التي استخدمتها لفرض نفوذها بالقوة العسكرية والعقوبات وبالمعونات أيضا.
كم نحن بحاجة الآن لمن يقول لنا كيف سيكون حال العالم بعد سقوط "المقدس" في الدولة التي حكمت العالم منفردة على مدى ثلاثين عاما، هل سيكون بلا نظام أم بلا عقل؟