سلامة الدرعاوي يكتب : لنكن صريحين


أنباء الوطن -

سلامة الدرعاوي

هل بإمكان الحكومة ان تلجأ للحظر الشامل نتيجة تنامي الوضع الوبائي في الآونة الأخيرة، كاجراء احترازي وقائي لتقليل نسب انتشار الكورونا من جهة، وتخفيف الضغط على القطاع الصحيّ من جهة أخرى؟.
نعم، تملك الحكومة ذلك القرار، وباستطاعتها اللجوء إليه، لكن الثمن سيكون باهظاً صحياً ومالياً، اذا لم يكن الحظر طويلا ومدروسا بعناية فعلا، دول العالم التي لجأت لأشكال مختلفة من الحظر غالبيتها كانت لفترات زمنية طويلة، هذه الدول التي لجأت للحظر الشامل الطويل بيدها الإمكانات المادية لتعويض القطاعات المتوقفة عن العمل سواء أكانت من القطاع الخاص أو العام، فلديها من الأرصدة والصناديق الاستثمارية التي يمكنها من دفع تعويضات الكورونا، مقابل التزام القطاعات المختلفة والعاملين فيها بقرارات الحظر وتعليماته القاسية.
لكن هذا الوضع مختلف تماما ماديا في المملكة، فالحكومة غير قادرة أبدا على توفير أي مخصصات إضافية لتعويض أي قطاعات متوقفة عن العمل نتيجة قرارها بالحظر، لأن المنطق يقول: إذا أرادت الحكومة ان تحظر القطاعات المختلفة حظرا شاملا، فعليها ان تعوض المتضررين من هذا الحظر.
في التجربة السابقة للإغلاق الذي تم لشهرين كاملين في العام الماضي كانت التداعيات وخيمة على الاقتصاد بشقيه العام والخاص، فالخزينة تراجعت إيراداتها المحلية غير الضريبية بأكثر من 700 مليون دينار، في حين ان تنامي النفقات الصحية ضاعف عجز الموازنة إلى ما يقارب الـ2.2 مليار دينار، مقابل التزام الحكومة بدفع كامل رواتب العاملين لديها، وسداد كامل التزاماتها الداخلية والخارجية والتي تبلغ حوالي 580 مليون دينار شهريا.
أما القطاع الخاص فلا بواكي له، فالتوفير المالي الذي أتيح لجزء منه بواسطة حزمة البنك المركزي كان مخصصا في غالبيته لتمويل النفقات التشغيلية ممثلة تحديدا بالرواتب، في حين أن غالبيتهم لم يعملوا بالشكل المطلوب لسداد هذه الالتزامات الجديدة مما راكم عليهم الأعباء، مقابل الالتزام الكامل من أرباب العمل والشركات بعدم تسريح العمال، ومع كل التحديات وتراجع النشاط والمبيعات لم تستطع غالبية الشركات في القطاع الخاص إعادة هيكلة أعمالها بسبب أوامر الدفاع، والنتيجة مزيداً من الأعباء وتراجعاً في الأعمال.
للأسف، مشهد محزن للغاية، ومقلق اقتصاديا، فالقطاع الخاص لم يسلم من تحديات كورونا، والقطاع الخاص الذي هو العمود الفقري للخزينة لم يسلم هو الآخر من تداعيات الوباء، وتحمل الكثير من التداعيات، مقابل عدم وجود أي شكل من أشكال الدعم المباشر له باستثناء برنامج استدامة الذي أعلن عنه الضمان الاجتماعي لتوفير ما نسبته 37.5 بالمائة من إجمالي رواتب العاملين في المؤسسات المشتركة بالضمان ممن صنفت بأنها قطاعات متضررة من كورونا.
لكن يبقى خيار اللجوء إلى الحظر الشامل بيد الحكومة التي هي من سيقرر الحالة الصحية العامة في البلاد والتي تعتمد اساساً على احصاءات الانتشار والوفيات ومدى قدرة القطاع الصحي على مواجهة تداعيات الوباء.
بإمكان المجتمع بقطاعيه العام والخاص تجنب دفع الحكومة لحالة الحظر الشامل إذا ما تعززت إجراءات الوقاية الصحية وتعليمات التباعد ولبس الكمامات وتخفيف حالات الانتشار والتزاحم والاختلاط بين فئات المجتمع في كل مستويات العمل في الدولة، مع الاستمرار النسبي في حالة الحظر الجزئي لنصل إلى مستويات انتشار عادية وطبيعية للوباء.
لكن هذا الأمر يجب ان يكون مصحوبا بحملة التطعيم الشامل، وتعزيز ثقة المجتمع بهذا الأمر وقطع الطريق على كل من يحاول ان يهرف بما لا يعرف، وضبط حالات الانفلات على صفحات السوشال ميديا بإعلام ناضج ومسؤول وشفاف، مدعوما بآليات المحاسبة والعقاب لكل من يحاول العبث في المشهد العام للبلاد.
خطوات الحل ليست صعبة، ولكنها تحتاج إلى تشاركية حقيقية في مواجهة الوباء، حتى نتجنب خطورة الحظر الشامل الذي لا تقل تداعياته الاقتصادية الخطيرة عن تداعيات كورونا نفسها، والحكومة والقطاع الخاص بكل صراحة لا يمكنهما ان يتحملا أي نوع من الإغلاقات في المرحلة المقبلة.